د. حاتم الشماع*
مقدمة:
قام الفنان اليمني ناصر مرحب، برسم لوحة زيتية جذابة تجسد جوهر العمل(علان) في الحقل. ومن خلال فرشاته الدقيقة وملاحظته العميقة، يقدم مرحب صورة حية للعمل والكدح اليومي والصداقة الحميمة بين العاملات. يهدف هذا التحليل النقدي إلى التعمق في العناصر الأساسية للوحة مرحب، واستكشاف عمقها الموضوعي، وكفاءتها الفنية، وأهميتها الثقافية. من خلال فحص التركيبة، ولوحة الألوان، والصدى العاطفي، يمكننا الكشف عن طبقات المعنى المضمنة في هذا العمل الفني المثير للذكريات.
التكوين والإعداد:
تقدم لوحة مرحب تكوينًا تم تصميمه بعناية يسلط الضوء على الوحدة والجهد الجماعي للعاملات. ينصب التركيز الرئيسي في اللوحة على مجموعة من النساء العاملات في الأنشطة الزراعية. تم وضعهم في وسط اللوحة، وتم تصويرهم بطبيعية تنقل طاقة وديناميكية عملهم. إن وضع الفنان المتعمد للأشكال داخل الإطار يخلق إحساسًا بالتوازن والاستقرار الذي يعكس الانسجام الموجود في عملهم.
يوفر المكان نفسه لمحة حميمة عن حياة هؤلاء النسوة. يصور مرحب حقلاً ممتدًا في الخلفية، يُظهر اتساع الأرض بشكلها المتدرج التي يزرعونها. يكشف العرض التفصيلي للمناظر الطبيعية عن اهتمام الفنان بتصوير البيئة الطبيعية بشكل واقعي. هذا الاهتمام بالتفاصيل لا يساعد فقط في التكوين العام ولكنه أيضًا ينشئ صلة بين العمال والمناطق المحيطة بهم.
لوحة الألوان والإضاءة:
إن اختيار مرحب للألوان في هذه اللوحة، وهي في الغالب الألوان الترابية، يعزز المزاج العام وأجواء القطعة. تساهم الألوان الدافئة السائدة للبني والأصفر ليبرز إغراء الشعور بالثراء والأصالة. ومن خلال استخدام هذه الألوان، نجح الفنان في التقاط جوهر العالم الطبيعي وإظهار أهمية العلاقة بين الإنسانية والأرض. تصور الاختلافات الدقيقة والتدرجات اللونية في الخلفية بمهارة الضوء والظل المتغيرين، مما يضيف عمقًا وبعدًا إلى المشهد.
تتميز إضاءة اللوحة بألوانها الدقيقة، مع توهج ضوء النهار الدافئ والناعم المتدفق عبر الحقل. يساعد اختيار الإضاءة الطبيعية هذا على التأكيد على واقعية المشهد. يخلق التفاعل بين الضوء والظل إحساسًا بالعمق والحجم، ويحدد بشكل فعال شخصيات العمال ويستحضر مساحة ثلاثية الأبعاد داخل اللوحة. تعمل الأضواء والظلال المرسومة بدقة على ملابس وأجساد الشخصيات على تعزيز حضورهم الجسدي في التكوين.
السرد والرمزية:
وبعيدًا عن المزايا الفنية للوحة مرحب، يحمل العمل الفني وزنًا رمزيًا ويحكي قصة متعددة الطبقات. يحمل تصوير الأفراد العاملين في هذا المجال موضوعات عالمية تتعلق بالعمل والمجتمع والعلاقة الأساسية بين البشر والطبيعة. تظهر كل شخصية في اللوحة على قيد الحياة بشكل غريب، حيث تعرض جهودها الفردية ولكنها تؤكد أيضًا على فعاليتها الجماعية.
يحتل محيط الحقل موقعًا مركزيًا داخل اللوحة، ويرمز إلى القوت والاكتفاء الذاتي ودورة الحياة. من خلال تسليط الضوء على العمال وأفعالهم، يعطي مرحب صوتًا للعمال اللواتي غالبًا ما يتم تجاهلهم بسبب الهيمنة النوع الاجتماعي، ويسلط الضوء على دورهمن الحاسم في المجتمع. يغرس هذا التصوير في اللوحة وعيًا اجتماعيًا يشجع المشاهد على التفكير في قيمة وكرامة العمل اليدوي خاصة ما تقدمه المرأه الريفية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة الحميمة والصداقة القوية التي تم تصويرها بين العاملات تساهم بشكل أكبر في سرد اللوحة. تنقل لغة جسدهم وتفاعلاتهم الدقيقة وقربهم الجسدي إحساسًا بالهدف المشترك والوحدة. يبرز هذا التمثيل القوة الجماعية ودعم المجتمع في مواجهة الظروف الصعبة المرتبطة غالبًا بالعمل الزراعي.
أهمية ثقافية:
تحمل لوحة مرحب أهمية خاصة في سياق الفن والثقافة اليمنية. يعتبر اليمن مجتمعاً زراعياً حيث تشكل الزراعة عنصراً حاسماً في اقتصاده، حيث تعد الزراعة هي المرتكز الأساسي وهذه اللوحة توضح كيف أن زراعة المحاصيل تتطلب عمالة كبيرة. تمثل هذه اللوحة بمثابة تكريم للتراث الزراعي لليمن، وتحتفي بصمود شعبها وعمله المقدس.
علاوة على ذلك، من خلال تصوير العمال بطريقة تكريم لهم، يتحدى مرحب الصور النمطية السائدة التي غالبًا ما تهمش العمال الزراعيين. من خلال فنه، يدعو الفنان إلى الاعتراف والتقدير لمساهماتهم، ورفع الوعي حول قيمة عملهم وتأثيره على المجتمع.
خاتمة:
تمثل لوحة ناصر مرحب الزيتية، “بورتريهات من الحقول”، صورة مثيرة للتفكير وآسرة بصريًا للعاملين في الميدان. من خلال تكوينه المنفذ بخبرة، واستخدامه الماهر للألوان، والاهتمام بالتفاصيل .
نجح مرحب في خلق قصة مؤثرة ومتعددة الطبقات. تعد أعماله الفنية بمثابة تكريم شرفيا للعمال وبخاصة للمرأه الريفية اللواتي يكدحن بلا كلل في الحقول وتدعو المشاهدين إلى التفكير في أهمية مساهماتهن. بفضل أهميتها الثقافية، تتجاوز لوحة مرحب كونها مجرد تمثيل بصري وتصبح حافزًا للوعي الاجتماعي وتقدير للرابطة الجوهرية بين الإنسانية والأرض.
*دكتور في الأدب الإنجليزي بجامعة ريدينغ _ المملكة المتحدة