تمكنت الدراما المشتركة بمختلف أنواعها من فرض نفسها بقوة في المشهد الفني العربي، خصوصاً ما يعرف “البان آراب”، وهو لون درامي يحظى برواج كبير وتمكن من استقطاب عدد كبير من المخرجين والكتاب والممثلين والتقنيين والفنيين إليها على حساب الدراما المحلية، فخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة نشطت الدراما التركية المعربة التي نجحت بدورها في جذب النجوم والممثلين العرب إليها على رغم انتقادهم لها لناحية التكرار والملل والتطويل، واستنساخها من عمل تركي سبق أن شاهده الجمهور، واعتمادها على جمالية الصورة على حساب المضمون، ولكنهم ضعفوا أمام الأجور المغرية والانتشار الواسع الذي تؤمنه لهم نظراً إلى الإقبال الكبير على متابعتها وتحقيقها نسب مشاهدة عالية على مستوى العالم العربي كله.
وما بين هذا وذاك بات السؤال المطروح حالياً هو هل تمكنت الدراما المشتركة من أن تضيف إلى الدراما العربية؟ أم على العكس أخذت منها بشكل أو بآخر؟
تراجع الدراما المصرية
تقول الممثلة المصرية سميرة عبدالعزيز لـ”اندبندنت عربية” إن الدراما المشتركة تمكنت من أن تفرض نفسها على مستوى العربي كله، موضحة أن “الجمهور يقبل على متابعة الدراما الجميلة مهما كان نوعها، ولقد تمكنت من تقديم أعمال جيدة عدا أنها جمعت بين ممثلين من مختلف الدول العربية، وعرفت المجتمعات العربية على بعضها بعضاً، وأنا مع أي نوع من أنواع الدراما الجيدة والعميقة وغير السطحية والتي تعالج مشكلات الناس بحقيقية”.
وترى أن الدراما المصرية ليست في أفضل أحوالها، فـ”هي تعاني حالياً بسبب تراجع عدد النصوص ومستواها، ولم يعد هناك وجود للأعمال الجيدة التي قدمتها الدراما المصرية خلال الأعوام الماضية، ولا أعرف السبب الذي يقف وراء ذلك، صحيح أنه يوجد عدد لا بأس به من الكتّاب ولكنهم بمستوى من سبقهم، والنص الموجود بين يدي اليوم ليس بمستوى أي نص قدمته سابقاً، بل هو نص شبابي سطحي غير عميق ويشبه أي شيء شبابي، وأنا قبلت به بسبب ندرة الأعمال ولأنني في حاجة إلى العمل ولم أعمل منذ فترة طويلة”.
ومضت قائلة إن “تراجع الدراما المصرية سببه ضعف النصوص مما أدى إلى تفوق الدراما المشتركة عليها وإقبال الناس على مشاهدتها بعد أن كانت في أوج تألقها، وقدمت أعمالاً راقية في زمن أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن، بينما حالياً يحمل معظم الأعمال توقيع جيل شاب لا يمتلك خبرة الجيل القديم”.
طعم واحد
في المقابل انتقد الممثل الكويتي حسن البلام الدراما المشتركة، معتبراً أنها لم تضف شيئاً إلى الدراما العربية، ومضيفاً “في هذه الأعمال يشارك الممثل السوري في الدراما المصرية أو اللبنانية والعكس، أو الممثل الكويتي في الدراما اللبنانية أو السورية، ولكنني شخصياً لا أتقبل طعمها لأننا اعتدنا على الطعم الواحد”.
وتابع، “أنا من جمهور قصي ونادين نجيم في أعمالهما لأن أياً منهما لم ينسلخ إلى لهجة الآخر بل حافظ على هويته وشخصيته، وهذا الأمر موجود في الدراما الخليجية التي يشارك فيها ممثلون من البحرين أو السعودية، وأنا أطلب منهم أن لا يتحدثوا باللهجة الكويتية بل بلهجتهم المحلية، لأن التنوع في اللهجات موجود في حياتنا، كما يمكن لأي ممثل لبناني أو عراقي أن يشارك في عمل كويتي ولكن بلهجته، ولأن هناك أمهات لبنانيات وعراقيات يعشن في الكويت، فلماذا نحوله إلى عمل بلهجة واحدة؟”.
وعقب بقوله، “تحدث الممثل بغير لهجته يتعب الأذن، وعندما يسمع الجمهور اللبناني ممثلاً كويتياً أو سورياً أو مصرياً يتكلم باللهجة اللبنانية سيشعر أنها مكسورة وتخدش أذنه ولا يصدق الشخصية، وأنا أفضل أن يحافظ الممثل على هويته وشخصيته”.
وأشار إلى أن الدراما المشتركة لم تنجح على حساب الدراما المحلية، مضيفاً “في الأساس كل أعمالنا خليجية مشتركة ولا يوجد في الدراما شخصية كويتية بحتة، بل تجمع أعمالنا ممثلين من كل دول الخليج ويتم اختيار الممثل المناسب للدور المناسب، وهي تقدم على أنها دراما كويتية”.
اتجاه تجاري
بدوره يؤكد الممثل السوري حسام تحسين بيك ضرورة وأهمية الدراما المشتركة، لأن الهم العربي واحد والمشكلات العربية واحدة والبيئة واحدة، مضيفاً “لا بد من وجود دراما مشتركة تطرح ما يناسب شعوبنا العربية المتقاربة في كل شيء، وهذا الأمر تحقق، ولكن المشكلة أنه لم يعد هناك فن وما نسميه اليوم فناً ليس إلا تجارة بسبب غياب الأعمال المدروسة التي تقدم ما هو مفيد، وكل ما نشاهده اليوم هو مشكلات وسوء أخلاق ونماذج سيئة من الناس وغياب كامل للنواحي الإيجابية، مما يؤدي إلى تحطم آمال الشعوب العربية التي تتمنى الارتقاء إلى الأحسن”.
ونبه إلى أن “الدراما التي يشاهدها الجيل الجديد مبنية على القتل والتآمر والضغائن والخديعة، وهي تنعكس سلباً عليه مع أنه يفترض أن يكون أمل الأمة العربية، ولكننا للأسف نتجه نحو السيئ وليس العكس، وكنت أتمنى، كما ناديت قبل 20 عاماً، تضامناً عربياً فنياً يقدم للشعوب العربية أعمالاً مهمة ترفع مستواها على الصعد كافة، ولكنني لا أرى ذلك في الأعمال المشتركة التي تقدم اليوم، وما أقوله ينطبق على 95 في المئة منها لأن كل المحطات والمنتجين والكتاب يختارون الاتجاه التجاري”.
وأشار تحسين بيك إلى أن الوضع نفسه ينسحب على الدراما التركية المعربة، مضيفاً “صناع الدراما لا يبحثون عن الأعمال التي تقدم فائدة أخلاقية أو مجتمعية بل عن تلك التي تعود عليهم بالفائدة المادية، فلم يعد هناك وجود للفن الحقيقي وكل الأعمال يبدأ تصويرها قبل إنجاز النص، وزمن النقاش بين الكاتب والمخرج والممثل انتهى لأن الممثل اليوم يتسلم المشهد لحظة تصويره، فكيف يمكنه أن يحضر الشخصية والتفكير بما يمكن أن يقدمه للناس”.
وأضاف، “لم يعد مقبولاً التخفي وراء أصبعنا والشعارات انتهت، فقد كانوا يقولون إن هناك رسالة فنية أو أدبية تقف وراء العمل الفني وهذا الكلام انتهى اليوم”.
ولمح إلى ما سماه “زعبرة النجوم” إذ “يركز المنتجون على تركيب الأعمال على أسماء معينة لأن اتجاههم الأساس مادي وليس فنياً أو حضارياً أو نهضوياً لتحسين المستوى، كما أن تحقيق الدراما المشتركة نسب مشاهدة عالية لا يعني أنها جيدة، بل إن الناس يتابعونها لأنها تطرح المشكلات، والناس بفطرتهم يحبون متابعة المشكلات، ويشغلونهم بقصص تافهة ليسوا في حاجة إليها، وليس بقصص راقية يستشفون منها الفائدة أو يتعلمون منها أو ترتقي بهم”.
تبادل للأعمال الدرامية
من ناحية أخرى اعتبر الكاتب اللبناني طوني شمعون أن الدراما المحلية مسحت من خريطة الدراما وحلت مكانها “المشتركة”، مع تراجع ملحوظ للممثل اللبناني فيها.
وتابع، “الدراما المشتركة جمهورها عريض في الخليج وليس في لبنان، ولكن الجمهور اللبناني اعتاد عليها بسبب غياب الدراما، وعندما يسأل القيمون عن سبب غيابها يتذرعون بتراجع الإنتاج والإعلانات والمال، ومع أن المنتج اللبناني هو الأقوى عربياً لكن يطلب منه الاستعانة بممثلين سوريين أو خليجيين لتسويق أعماله، لأن الممثل اللبناني لا وزن له”، على حد قوله.
ونبه شمعون إلى أن الدراما المشتركة لم تضف شيئاً إلى الدراما العربية، وقال إن “الإضافة تتحقق عندما يحصل تبادل بين الدول للأعمال الدرامية المحلية بكل أدواتها، وهذا الأمر لا يحصل اليوم، وماذا يمكن أن تضيف الدراما المشتركة عندما يترجم عمل تركي ويحول إلى آخر عربي، وهل القصص التي تقدمها الدراما المشتركة هي التي تجذب الجمهور إليها أم الإنتاج القوي والصورة الجميلة وألا ينسى الناس قصة المسلسل عند انتهاء عرضه؟”.
وختم حديثه، “هم يتحدثون عن دراما عربية مشتركة ولكننا لا نشاهد فيها ممثلاً عراقياً أو يمنياً أو جزائرياً أو تونسياً أو مغربياً، وأنا لست ضدها في حال حافظت على بيئتها وبيئة المواطن العربي بدلاً من جمع ممثلين عدة من دول مختلفة وجعلهم أخوة يتكلم كل منهم لغة مختلفة عن الآخر، أما المشاهد فهو مستهلك لكل شيء ولا يمكن أن نلومه”.