تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك

فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك

فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك





تقرير _ محمد غبسي/
مر الغناء اليمني بمراحل تجديد وتطوير كثيرة خلال القرن العشرين، الذي برز فيه مطربين تجاوزوا بشهرتهم ونجوميتهم المحلية وحلقوا بالأغنية اليمنية في سماوات ومسارح الوطن العربي، وحظي الفنانين بدعم رسمي في كل من صنعاء وعدن.

من المحطات الهامة التي مر بها هذا الفن العريق هي مرحلة تأسيس الفرق الغنائية الجماعية، والتي مثلت ذروة فنية سبقت بها اليمن دول الجزيرة العربية، بالرغم من أنها لم تستمر سوى لسنوات معدودة.


فرقة الإنشاد عدن
بعد تعيينه مديراً لمعهد الفنون الجميلة خلفا لجميل غانم، تبنى الموسيقي أحمد بن غودل فكرة تأسيس فرقة الإنشاد في عدن في العام 1978، بهدف تقديم الأغاني الجماعية الوطنية والتراثية القديمة بشكل منسجم ومنظم وتكون متفرغة تماماً ومتخصصة للأعمال الجماعية فقط وبإشرافه شخصياً.

ويوضح الفنان جميل العاقل “أحد مؤسسي الفرقة”: وجه بن غودل رسائل لبعض الفنانين مثل الفنان عوض احمد وأحمد علي قاسم وفتحية الصغيرة وغيرهم من الفنانين يدعوهم للمشاركة في تأسيس هذه الفرقة فكان أول تجمع لنا في أبريل 1979م، وبعد ذلك التحقت بالفرقة الأخت ذكرى محمد عبدالله و رندا عبدالله قاسم، وكانت أول مشاركة فنية للفرقة بمهرجان الترويج السياحي في الكويت في يونيو 79م أي بعد التأسيس بشهر واحد و حققت النجاح الطيب و نالت بذلك الدعم الجيد من قيادات الدولة”.

وضمت فرقة عدن في عضويتها فنانين حققوا شهرة وحضورا فرديا لاحقاً، ومنهم “كفى عراقي، نجيب سعيد ثابت، أمل كعدل” إلى جانب أسماء أخرى من الجنسين.. وفقاً لرواية الفنان جميل العاقل الذي أشار إلى أن أول الأغاني التي قدمتها فرقة عدن بقيادة الفنان نديم عوض كانت “أﻻ يا صبا نجد، يا قلبي تصبر، الهاشمي قال، يا من هواه، يقول يحي عمر، إذا الريح هبت”.

وتوالت مشاركات الفرقة الخارجية بعد رحلة الكويت في عدة دول ومنها “ليبيا، الإمارات، تونس، الجزائر، اثيوبيا، العراق، الإتحاد السوفيتي”، كما شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات الداخلية في كافة المحافظات وقامت بتسجيل العديد من اﻷعمال الغنائية الجماعية في اﻹذاعة والتلفزيون و تسجيل أعمال فنية لكبار الفنانين.

فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك
من ارشيف الفنان الفوتوغرافي عبدالرحمن الغابري



وهنا يوضح الفنان والناقد الموسيقي جابر علي أحمد، أن الفرق الجماعية في اليمن قديمة جدا، وأن تاريخها يتزامن مع انتشار الفرق الصوفية، حيث ظهرت فرق الشاذلية والمرغنية والقادرية وغيرها، وقد كانت هذه الفرق تؤدي الموشحات والقصائد ذات الدلالات الدينية الإسلامية.. وفي تهامة لاتزال مثل هذه منتشرة خاصة في زبيد وبيت الفقيه.

ويضيف جابر: “مع تشكل الفرق ذات الارتباط بالمؤسسات الرسمية، والتي عرفت بكونها فرق وطنية، تشكلت هذه الفرق من الذكور والإناث بمصاحبة الفرق الموسيقية في عدن وصنعاء ومحافظات جنوبية أخرى، ولاحقا تأسست في الحديدة، ارتبط نشاط هذه الفرق بالمؤسسات الثقافية الرسمية”.


وفي حديثه لموقع” المنتدى العربي للفنون”، يؤكد الناقد جابر علي أحمد، أن تلك الفرق لعبت دورا فنيا كبيرا في الحياة الثقافية اليمنية، حيث حظيت الفرق التابعة لوزارتي الثقافة في عدن والإعلام والثقافة في صنعاء برعاية رسمية كاملة، وخاصة في عدن، حيث كان ينظر إلى الفرق الجماعية من زاوية كونها الصوت الجماعي المعبر عن فلسفة النظام وتوجهه، أما وزارة الاعلام والثقافة في صنعاء فقد شكلت فرقة جماعية تابعة مباشرة للوزارة. وعندما تأسست فرقة الحديدة الموسيقية بإشراف وزارة الإعلام والثقافة عام ١٩٨٤ م تأسست معها فرقة الانشاد عام ١٩٨٥ بدعم قوي من الاستاذ عبد الرحمن محمد علي عثمان محافظ محافظة الحديدة آنذاك، إلا أن نشاطها تلاشى مع تغيير المحافظ كما توارتا الفرقة الموسيقية التي كانت تصاحب فرقة الانشاد.

وبالنسبة لفرقة وزارة الإعلام والثقافة في صنعاء فقد أصابها الفتور بعد ظهور قوي في ثمانينات القرن الماضي، نتيجة للتهميش الإداري الذي لحق بها، فيما ظلت فرقة عدن والمحافظات الجنوبية تمارس دورها حتى بعد قيام الوحدة، غير أن الاهتمام بها تراجع بعد الوحدة ما أدى لاضمحلالها رويدا رويدا إلى أن اختفت تماما.. بحسب الفنان جابر.

ويقول جابر “يبدو أنه نظر إلى هذه الفرق على أنها من مخرجات النظام الاشتراكي ولهذا كان هناك سعي لإنهائها”.. مضيفاً “ونحن نتحدث عن الفرق الغنائية يجب ألا يغيب عن الأذهان تشكيل فرقة الانشاد التابعة لجمعية الانشاد التي تأسست في صنعاء وكانت مهتمة بإعادة الروح إلى الموشحات والقصائد التي كان يرددها المنشدين في المرتفعات والمنخفضات اليمنية”.


فرقة الإنشاد صنعاء
تأسست فرقة الإنشاد اليمنية في عام 1962م، في مدينة صنعاء، على يد مجموعة من الشباب المهتمين بالإنشاد والتراث اليمني. وكانت الفرقة في البداية تضم حوالي 10 أعضاء، ثم توسعت في السنوات التالية لتشمل أكثر من 30 عضوًا.

المصور الفوتوغرافي عبدالرحمن الغابري الذي كان واحد من أعضاء فرقتي عدن وصنعاء مطرباً وعازفاً ومُقترحاً لبعض الأغاني لتأديتها بشكل جماعي، يتذكر تجربته مع تلك الفرق الغنائية بشيء من الحسرة على توقفها وتفككها، لأنها كانت مشاريع للعمل الجماعي في حفظ وتطوير التراث الغنائي اليمني.

وفي حديثه لموقع” المنتدى العربي للفنون”، يقول الغابري “كانت تجربتي ضمن فريق الغناء الجماعي ناجحة، وقد اخترنا أنا والزملاء أن نؤدي أغان ذات ألحان وكلمات خالدة، منها تراثية ومنها ما لحنها فنانون كبار وأبدع في كلماتها شعراء كبار، وقد شاركنا في آداءها في كثير من الدول العربية ودول العالم وأثمرت نتائجها في التعريف بعراقة الفنون الغنائية اليمنية”.

ويؤكد الغابري على أهمية الدور الذي أدته فرق الغناء، لافتاً إلى استحسان النقاد والصحفيون في البلدان التي شاركوا فيها بما قدمته الفرق، بل ودهشوا بفرادة الفنون الموسيقية والغنائية اليمنية ايقاعاً وداء.

وبحسب الغابري، فقد تكونت فرق الغناء الجماعي والإنشاد في عدن أولاً، ثم تلتها صنعاء بفترة وجيزة. فكانت الفرقتان هما الأبرز في تمثيل اليمن كل اليمن في المحافل الدولية، إلا أنهما حوربتا من قبل التنظيمات الدينية خصوصا بعد الوحدة التي أعيد تحقيقها في العام 1990.. وأن حرباً شنت في كل وسائل الإعلام ضد الفرق الغنائية والفنانين عامة ما حرم أعضاءها من أبسط حقوقهم فمرض البعض ومات البعض وهرب البعض إلى خارج اليمن وهكذا تم تفكيك الفرق الغنائية والانشادية.

ولفت الغابري إلى العلاقة الوطيدة التي تربط بين بين الغناء والمسرح، فهناك المسرح الغنائي والمسرح التعبير، وقد تجسدت تلك العلاقة في (مغناة سد وادي سبأ) للشاعر والمؤرخ مطهر الارياني منتصف الثمانينات، ومغناة “هيا نغني للمواسم”، وأوبريتات صغيرة مثل (خيلت براقا لمع) وأوبريت (أعراس) لفرقة تعز تلتها أعمال غنائية مسرحية عديدة لفرق من معظم محافظات الجمهورية.


بدوره أوضح الفنان والملحن علي الأسدي إلى أن فرقة الإنشاد تزامن تأسيسها مع الفرقة الموسيقية في سبعينيات القرن الماضي ضمن نشاطات ومهام وزارة الاعلام والثقافة وقتها.

فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك
من ارشيف الفنان الفوتوغرافي عبدالرحمن الغابري


وأشار الأسدي الذي كان أحد أعضاء فرقة صنعاء، إلى أن فرقة الانشاد (فريق الكورال) عادة تخصص للأداء المصاحب للغناء الفردي وكذلك يمكنها أداء الغناء الجماعي وقد حققت نجاحات باهرة كما كانت تجربة ثرية إلى حد كبير.

ويلفت الأسدي في حديثه لموقع” المنتدى العربي للفنون”، إلى أن أهم ما قدمته الفرقة كانت مجموعه من أغاني التراث وأخرى لكبار الفنانين، وقدمت الفرقة العديد من الحفلات والأمسيات الإنشادية في اليمن وخارجه، واشتهرت بتقديمها للإنشاد اليمني الأصيل، من خلال مجموعة متنوعة من الألوان الغنائية.


فرقة الثلاثي الكوكباني

وبعيدا عن الفرق التي أنشأت رسميا وتبنتها مؤسسات الدولة، مثلت _ فرقة “الثلاثي الكوكباني” وهم “عبد الوهاب، ومحمد، وسعد حسن سعد الكوكباني” ينتمون لمحافظة عمران قرية وادي السيل – بيت البكري _ تجربة فريدة كعمل غنائي جماعي مستقل، وقد ذاع صيتها منذ أول ظهور لها في عدن عام 1974م في أول شريط سجل لهم، واشتهرت العديد من أغانيهم منها” يا راعيات الغنم، طاير السعد والهنا” وغيرها من الأغاني.

كان الشقيق عبد الوهاب يعزف على العود فيما شقيقه سعد يضرب دف صغير بينما يضرب محمد على الطبلة، ويؤدي ثلاثتهم الأغاني بطريقة تميزوا بها عن كل الفنانين الذين عاصروهم، وحتى اللاحقين لهم من الفرق الموسيقية.

حققت فرقة الكوكباني حضورا كبيرا بعد ظهورها على التلفزيون اليمني والخليجي وأثير الإذاعات المحلية والخليجية، لكن ذلك الحضور بدأ بالخفوت مع نهاية الثمانيات وظلت أغانيهم القديمة تطل من وقت لآخر على القنوات اليمنية بخاصة في المناسبات الوطنية، أو الأعياد أو في البرامج التي تتحدث عن الفن اليمني الأصيل.

وتميزت الفرقة بإطلالة مميزة حيث غلب على ظهورهم الزي اليمني المكون من الثوب والجاكت والغترة والحذاء مع الجوارب مع إحاطة الخصر بالجنبية على إطلالة الثلاثي الكوكباني، إلا أن بعض التسجيلات وخاصة تلك التي بالأبيض والأسود والتي يعود معظمها إلى السبعينات، ظهر فيها الأخوة وهم يرتدون البدلات السوداء مع ربطة العنق الفراشة، والتي اعتبرت رسمية في تلك الفترة.
فرق الغناء في اليمن.. عوامل النجاح وأسباب التفكك

امتيازات ودعم الحمدي
وعن التجارب اليمنية الجماعية في الفن والموسيقى، يذكر مدير عام معهد الدراسات الموسيقية عبد الله الدُبعي، أنه وفي الثمانينيات كانت الموسيقى تحظى باهتمام، وكان هناك قانون بإعطاء أي خريج لديه شهادة موسيقية منصب مدير عام، وكانت المرأة المنظمة للموسيقى حصتها أكبر من حصة الرجل، وأُلغي هذا النظام نهاية 1988م، كما أشار في حوار مع موقع “صوت الأمل” إلى أن الفن والموسيقى كانت تحظى بدعم واهتمام مباشر من الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي.

ويتفق الدبعي مع ما طرحه الفنان الغابري بأن الفرق الغنائية والموسيقية تعرضت لحرب شاملة من قبل جماعات الإسلام السياسي التي نشطت وفرضت أجندتها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهي الحرب التي اشتدت وطأتها على الفنانين بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990.