تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » محمد مشعجل: فنان الأغنية المهرية

محمد مشعجل: فنان الأغنية المهرية

صدام الزيدي

غيب الموت في مطلع أيلول/ سبتمبر 2025، الفنان اليمني محمد مشعجل، أحد أبرز الأصوات التي أسهمت في إحياء التراث الغنائي اليمني، في واحد من ألوانه الغنائية (وهي الأغنية المهرية)، التي تكاد أن تُنسى، وتعرضت كثيرًا للإهمال والتحريف والسرقة، بعد يومين من إسعافه إلى مستشفى في “الغيظة”، عاصمة محافظة المهرة، إثر عارض صحي ألمّ به، وبعد رحلة مع الغناء لأكثر من ثلاثة عقود، وبصمة خاصة تميزه عن غيره من فناني المهرة واليمن عمومًا، تتمثل في صوته الذي كأنما ينبع من أغوار الحزن، وطريقته في العزف على الأوتار، وتماهيه مع أغاني الشجن والاغتراب والصحراء والجبل والوادي.
تميزت تجربته بأدائه الأغنية المهرية، وهي لون غنائي ينسب إلى محافظة المهرة، التي يتحدث سكانها حتى يومنا هذا اللغة (المهرية)، كلغة خاصة في ما بينهم، كما يتحدثون بلغة أهل اليمن (العربية) التي تندرج في سياقها لهجات محلية، ومن هنا تأتي خصوصية الغناء بالمهرية، حيث الأغاني التي تطربك بإيقاعها كمستمع يمني (لا ينتمي لمحافظة المهرة)، أو عربيّ، باستثناء أعداد قليلة من سكان جنوب الجزيرة العربية، يتقنون الحديث باللغة المهرية القديمة خارج جغرافيا المهرة واليمن.
وبحسب ويكبيديا: “المهرية” هي لغة سامية محكية، وغير مكتوبة، مستعملة في أراضي قبيلة المهرة في شرق اليمن، وعمان، والكويت، والإمارات، والسعودية، وأيضًا في الربع الخالي. تنتمي إلى عائلة اللغات العربية الجنوبية، والتي تضم السقطرية، والشحرية، والحرسوسية، والهوبيوت).

ولا تقتصر “الأغنية المهرية” على الأغاني التي كل كلماتها باللغة المحكية التي تُعدّ حكرًا على من يفهم اللغة المهرية فحسب، وإنما على المتن الغنائي الذي ينتمي إلى محافظة المهرة عمومًا، بمعنى: قصيدة كتبها شاعر يقيم في النطاق الجغرافي لمحافظة المهرة، أو ممن يجيدون الحديث (وكتابة القصيدة الغنائية) بالمهرية، في مناطق متفرقة من جنوب الجزيرة العربية، وغنّاها فنان ينتمي للمحافظة ذاتها، وليس بالضرورة أن يكون منتميًا للمحافظة أيضًا.

الانطلاقة من المدرسة…
في دردشة مع قناة “المهرية” (قناة تلفزيونية يمنية خاصة)، يفيد مشعجل أن موهبته الفنية انطلقت من المدرسة عندما كان طالبًا في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، في خضمّ منافسات بين الطلاب والطالبات في الغناء، لا سيما في احتفالات تدشين الأعوام الدراسية، ثم تواصل إصراره وشغفه بالغناء، برغم التحديات والعراقيل التي واجهته، ومن أهمها النظر إلى الغناء بوصفه دخيلًا على المجتمع المهري واشتباكًا مع الأعراف والتقاليد القبلية.
وكشف مشعجل، أنه منذ الابتدائية، كان يحلم بلقاء الفنان أيوب طارش، برغم بُعد المسافة بين المهرة وتعز، ولاحقًا التقى به وغنّيا معًا ضمن فعاليات يمنية في سلطنة عمان، وفي الغيظة (عاصمة محافظة المهرة)، وفي صنعاء، مؤكدًا أنه من أبناء المهرة، يمانيّ الأصل، عربيّ، وأنّ حب الوطن فوق كل شيء، بالنسبة له. موضحًا أن ما يميز محافظة المهرة هو أنها ترحب بكل اليمنيين وتحتضنهم، من دون عنصرية.
وضمن الزيارات التي تنفذها “منصة قبائل المهرة” للفنانين والمبدعين، وهي منصة إعلامية نشطت في السنوات الأخيرة، كان إعلاميٌّ من المنصة زار الفنان مشعجل في بيته، مطلع عام 2024، وأجرى معه مقابلة مصورة، ومن أهم ما أشار إليه مشعجل، في سياق حديثه للمنصة، الدعم الذي حظي به من شخصيات اجتماعية ومدنية في محافظة المهرة، وصولًا إلى تكريمه من قبل محافظ المهرة، حيث مُنِح، في احتفال خاص، لقب: “سفير الأغنية المهرية”. ويتذكر أن والده قام بطرده من البيت أكثر من مرة، في بواكير رحلته مع الغناء، تماشيًا مع ما تتبناه قبائل المهرة (في ذلك الحين) من أفكار تناهض الغناء، وترى فيه مجونًا وزندقة.
ونشير إلى أن مشعجل تعامل مع شعراء كثر ينتمون إلى محافظة المهرة، وإضافة إلى الغناء هو أيضًا ملحن، وهنالك أغنيات من تلحينه. مشعجل من مواليد 1976 في قبيلة رعفيت بمديرية ظبوت ـ محافظة المهرة، له مشاركات في فعاليات فنية محلية وعربية، وفي مناسبات خاصة، أما أغانيه فهي كثيرة، آخرها أغنية من ألحانه: “فيها جمال المهرة”، ولعلها كانت تلويحة وداع “للمهرة” وأهلها، ولجمهوره في اليمن ودول الخليج العربي.

نقلا عن “ضفة ثالثة”