تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الدراما التركية.. ماذا تغير في المزاج العربي ؟

الدراما التركية.. ماذا تغير في المزاج العربي ؟

الدراما التركية.. ماذا تغير في المزاج العربي ؟

د. محمد عبدالله السيد
واحدة من أقوى الأسباب التي تدفع المشاهد العربي هذه الأيام إلى متابعة المسلسلات التركية عمومًا، والتاريخية منها تحديدًا، هي القيم التربوية والدينية التي تعج بها هذه النوعية من المسلسلات التي باتت تستأثر على إعجاب العرب.

الدراما التركية تجذب العرب أكثر
هذا التحول المفاجئ في الذوق العربي لصالح الدراما التركية بعد أن استمر لعقود منجذبًا للدراما الهندية يعكس تغير المزاج العربي والأسرة العربية والانتصار للقيم التربوية التي ظلت عقودًا مختفية عن شاشاتنا الصغيرة لحساب الخلاعة والعنف فضلًا عن القيم الغريبة على مجتمعاتنا.

السؤال الذي يجب أن يشغل بال القائمين على صناعة الدراما في وطننا العربي: هل تضعون الأطفال في خططكم وأنتم تطورون الإعلام؟

أم أن الأولوية لا تزال للموضوعات التي تجذب المشاهد والمعلن قبل ذلك؟

لسنوات طويلة مضت أضحت صناعة الأفلام والمسلسلات في وطننا العربي تحترف الابتذال والانحلال الأخلاقي، بل وهدم القيم التربوية التي رسخت في أذهان أطفالنا لعقود طويلة مرت.

هذا ما تؤكده استشارية حقوق المرأة والطفل عبلة البدري متهمة الدراما المصرية والإعلام بأنهما من أسباب زيادة العنف في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، بفضل تصدير حوادث مبالغ فيها، تدرب الشباب كيف يكون مجرمًا.

وفقًا لما قالته البدري فإن الدراما المصرية تبالغ في الطرح، فليس من المنطق والعقل عرض مثل تلك القضايا على شعب يعاني من الفقر والمشاكل الثقافية الموجودة في المجتمع.

الفنان الكويتي فيصل العميري يرى أن ذوق الأسرة أصبح مختلفًا فبعد أن كانت الأسرة في الماضي تجتمع لمشاهدة مسلسل درامي معين، بات لكل فرد فيها الآن ذوق مختلف، ولكل منهم عالمه الخاص به، مضيفًا أن مواقع التواصل الاجتماعي أدّت دورًا كبيرًا في هذا التغير الحاصل في المزاج الأسري.

ويوضح الفنان الكويتي أن التنوع مطلوب لكن ليس على حساب الوعي المجتمعي، لافتًا إلى غياب النشاط المسرحي في المدارس وعدم وعي القائمين بأهمية الدراما للطفل منذ الصغر.

قيامة عثمان نموذجًا
خلال السنوات العشر الأخيرة سجلت الدراما التاريخية التركية حضورًا مميزًا على الشاشة الصغيرة للمشاهد العربي، انطلاقًا من المسلسل الشهير “قيامة أرطغرل” الذي عُرضت أولى حلقاته أواخر عام 2014 ولخمسة مواسم متصلة بإجمالي 150 حلقة عرض في أكثر من 70 دولة حتى بات أبطال العمل نجومًا عالميين.

ويعكس حجم المشاهدات الذي تخطى حاجز الـ3 مليارات مشاهدة الإقبال الكبير على مشاهدة المسلسل التاريخي الذي يسلط الضوء على تاريخ الدولة العثمانية، والذي دُبلج باللغة العربية في الوطن العربي.

بعيدًا عن الجانب الدعائي للدولة العثمانية التركية فإن القيم التربوية والدينية الكثيرة والمتكررة في كل حلقة على مسامع شبابنا وفتياتنا كانت عامل جذب لمتابعة هذا العمل الدرامي الذي أظهر المرأة المسلمة بصورتها الحقيقية بعيدًا عن الخلاعة في مسلسلاتنا وتعريتها من الأخلاق وتقديمها في قالب مبتذل أثار استياء المتابعين لها.

قيم احترام الكبير والسمع والطاعة له والرحمة بالضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ ونصرة المظلوم ومواجهة الظالم، فضلًا عن قيم دينية أخرى كل ذلك كان سببًا مقنعًا لمشاهدة المسلسل الذي عُرض في قالب درامي مشوق.

في نهاية الحلقة 150 من “قيامة أرطغرل” ومع المتابعة الكبيرة التي حظي بها، لم يتأخر الأتراك كثيرًا لتقديم عمل درامي تاريخي جديد يستكمل ما بدؤوه في “قيامة أرطغرل”.

وفي نهاية العام 2020 عُرضت أولى حلقات المسلسل التاريخي “قيامة عثمان” الذي يحكي إرهاصات نشأة الدولة العثمانية على يد الغازي عثمان بن أرطغرل.

نفس القيم التربوية والدينية التي جذبت أنظار وقلوب المتابعين العرب في مسلسل “قيامة أرطغرل” جاء مسلسل “قيامة عثمان” ليؤكد عليها، قيم توافق الفطرة العربية التي وجدت ضالتها في هذه الأعمال الدرامية وباتت تجمع من جديد أفراد الأسرة الواحدة لمشاهدة عمل درامي واحد.

الدراما التاريخية
“قيامة عثمان” ومن قبله “قيامة أرطغرل” يختلفان عن الدراما العربية التوعوية من جوانب كثيرة منها ما يتعلق بقوة الحبكة الدرامية والسيناريو وتسلسل الأحداث، وأداء الشخصيات، وقوة الحوار، وروعة الموسيقى، فضلًا عن عناصر الإبهار الأخرى التي تجعلك مشدودًا طوال عرض الحلقة الواحدة التي تتخطى الساعتين.

في المسلسلات العربية والمصرية منها تحديدًا يمكنك أن تلحظ بوضوح ظهور المرأة كـ”سلعة” لجذب المعلنين وقطاع واسع من الشباب تحديدًا المراهقين، وكما تلحظ ابتذالًا في الطرح، ومبالغة في العرض، وافتقادًا لأدبيات الحوار، واللجوء للعنف وقيم البلطجة ولغة الشارع.

ربما أحد أسباب توجه المشاهد العربي لمتابعة المسلسلات التركية التاريخية ظهور المرأة بصورة أقرب للفطرة السليمة التي تربى كل منا عليها منذ طفولته، باعتبارها السند لزوجها، والمربية لأولادها، والحنونة على أبيها.
المصدر/ جوّك