على رغم الصراع ومآسيه فإن لليمن إضاءات سلطتها عدسات الفن السابع بددت العتمة والانكسار في ليل البلد الحزين.
إذ حصد الفيلمان اليمنيان “المرهقون” و”سطل” جائزتين جديدتين في مهرجان الدار البيضاء السينمائي للفيلم العربي بالمغرب، والذي أقيمت فعالياته خلال الفترة من السادس وحتى الـ13 من سبتمبر (أيلول) الجاري واختتم أمس السبت بتوزيع الجوائز.
وبحسب الصفحة الرسمية للمهرجان في “فيسبوك”، فإن الفيلم اليمني “المرهقون”، للمخرج عمرو جمال، وبطولة عبير محمد وخالد حمدان، فاز بالجائزة الكبرى للدورة الخامسة للمهرجان.
في حين فاز الفيلم اليمني الآخر “سطل”، بجائزة أفضل إخراج للأفلام القصيرة من بين 16 فيلماً قصيراً كثالث جوائزه الخارجية حتى الآن.
ويوثق الفيلم من إخراج عادل الحيمي، حياة مسن يمني يعمل في ترميم مدينة صنعاء القديمة، المدرجة على قوائم التراث العالمي، يحكى خلالها قصته الممتدة لستة عقود في المدينة الأثرية.
تتويج عربي وعالمي
وحقق “المرهقون” الجائزة الكبرى في المسابقة الرسمية للمهرجان عن فئة الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة، متفوقاً على 11 فيلماً عربياً مشاركاً مقدماً من العراق وليبيا والسعودية وسوريا ومصر وفلسطين والمغرب ولبنان وتونس والبحرين.
وتسلم السفير اليمني لدى المغرب عزالدين الأصبحي، الجائزتين نيابة عن أسرتي الفيلمين.
وقال الأصبحي إن حصول بلاده على جائزتين يعد “مصدر فخر لكل اليمنيين، وبخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب الحرب”.
يُذكر أن الفيلمين سبق وحصدا عدداً من الجوائز الدولية آخرها حصول “المرهقون” على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان مالمو للسينما العربية في السويد أواخر أبريل (نيسان) الماضي، وجائزة “النخلة الذهبية” للفيلم الخليجي الروائي الطويل، في الدورة الـ10 لمهرجان “أفلام السعودية”.
أما فيلم “سطل”، فإن آخر فوز له هو جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان بغداد السينمائي لعام 2024 والمركز الثاني في جائزة الجزيرة الوثائقية لعام 2024، فئة الأفلام القصيرة.
والمرهقون إنتاج مشترك بين اليمن وشركة صندوق البحر الأحمر لدعم الأفلام السعودية، وشركة “ستيشن فيلمز” من السودان، وهو من إخراج عمرو جمال الذي شارك في كتابة السيناريو مع مازن رفعت وإنتاج محسن الخليفي ومحمد العمدة، إضافة إلى أمجد أبو العلا.
من واقع الحال
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن خبر التكريم وعده النشطاء تفوقاً على النفس والظروف وبارقة أمل في ظلام البلد الغارق في الصراع منذ 10 أعوام.
وترجمة لواقع الحال الذي تعيشه اليمن خلال أعوام الحرب وما خلفته من مأساة إنسانية صعبة على المستويات كافة، استوحاها منتجو الفيلم الذي تبلغ مدته 91 دقيقة، كما يجسد قصة حقيقية لزوجين هما أحمد وإسراء (بطلا الفيلم) وأولادهما الثلاثة الذين يعيشون في مدينة عدن، إذ تعاني الأسرة أوضاعاً اقتصادية صعبة وبعد اكتشاف الأم حملها بالطفل الرابع يحاول الأبوان إيجاد طريقة سريعة للإجهاض على رغم موقف مجتمعهما المحافظ تجاه الأمر، مما يجبر العائلة على اتخاذ قرارات صعبة للنجاة من هذا المأزق.
الحرب والفنون
وربما من اللافت تفوق اليمن في جوائز الأفلام بالنظر إلى الأوضاع الصعبة سواء الأمنية أو الاقتصادية والإنسانية التي ألقت بظلالها على مناحي الحياة كافة هناك وفي مقدمتها الفنون المختلفة.
يعد “المرهقون” ثاني فيلم روائي طويل للمخرج عمرو جمال بعد فيلم “عشرة أيام قبل الزفة” (2018)، الذي كان أول فيلم روائي طويل يعرض جماهيرياً في اليمن بعد ثلاثة عقود من اختفاء السينما في البلاد.
هذا التفوق توجه بحصد عدد من الجوائز البارزة منها جائزة الجمهور في مهرجان سان دييغو السينمائي الدولي بأميركا وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة وغيرهما.
وفي حديث سابق إلى “اندبندنت عربية”، اعتبر المخرج عمرو جمال الفوز شهادة بالتغلب على جملة الصعاب التي تخطيناها خلال تجهيز العمل والتي جرت في ظل ظروف معقدة تعيشها بلاده إذ “أخذ منا التصوير 70 يوماً بعد عامين كاملين من الإعداد والتجهيزات وصعوبات كثيرة واجهتنا نتيجة للوضع الأمني غير المستقر وسوء الخدمات في عدن ومنها انقطاع كهرباء وغياب المشتقات النفطية مما صعب مهمات التنقل وانطفاء المولدات الكهربائية وغيرها”، إضافة إلى ما صادف فترة التصوير من “انهيار كبير للعملة المحلية في مقابل الدولار”.
وأضاف “كانت موازنة العمل تتغير يومياً وهو ما أربكنا وسبب لنا مآزق كثيرة وغيرها من المصاعب الجمة التي يعانيها المواطن اليمني جراء الظروف الصعبة بفعل الحرب ولكننا تحدينا كل هذه الصعاب واستطعنا إنجاز الفيلم وحققنا جوائز دولية بارزة تحفزنا للمزيد”.
جوائز أخرى
ومن وحي المهرجان، توج الفيلم المغربي “جلال الدين” للمخرج حسن بنجلون بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. في وقت عادت جائزة أفضل إخراج لفيلم “مندوب الليل” للمخرج السعودي علي الكلثمي، فيما استحق جائزة أفضل سيناريو فيلم “ميسي بغداد” للمخرج سهيم عمر خليفة.
وتوجت الممثلة التونسية أمينة بن إسماعيل بجائزة أحسن ممثلة عن مشاركتها في فيلم “المابين” للمخرجة التونسية نادا مزني حفيظ، في حين منح الممثل صالح بكري جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “الأستاذ” للمخرجة فرح النابلسي.
ومنحت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة تنويهاً خاصاً للفيلم المصري “مقسوم” للمخرجة كوثر يونس، وهي اللجنة التي ترأسها الناقد اللبناني إبراهيم العريس وتضمنت عضويتها المخرج والممثل العراقي باسم قهار والأكاديمية والمديرة الفنية لمهرجان أيام قرطاج السينمائي لمياء جيجا والمخرج المغربي كمال كمال، والفنانة المصرية بشرى رزة.
أما لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، فمنحت جائزتها الكبرى للفيلم المصري “عيسى” للمخرج مراد مصطفى في وقت عادت جائزة أحسن إخراج لفيلم “سطل” للمخرج اليمني عادل الحيمي، أما جائزة أحسن سيناريو ذهبت لفيلم “بتتذكري” للمخرجة داليا نملش.
وترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، الفنان السوري أيمن زيدان فيما ضمت عضويتها الفنانة المغربية ماجدولين الإدريسي والمخرج والمنتج العراقي حكمت البيضاني.