تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الموسيقار أحمد فتحي: ملك العود الذي أسس جسراً ثقافياً بين اليمن والعالم

الموسيقار أحمد فتحي: ملك العود الذي أسس جسراً ثقافياً بين اليمن والعالم

الفنان أحمد فتحي

 

محمد المخلافي
على امتداد وادي سردود الخصيب، تقع مديرية الضحى شمال شرق مدينة الحديدة اليمنية. في هذه البقعة الخضراء الجميلة، وُلد الفنان الاستثنائي أحمد فتحي عام 1957. بدأت قصته مع الفن والموسيقى منذ طفولته المبكرة، حيث كان في سن الثامنة يحمل عوده الذي صنعه بيديه من أسطوانة معدنية ولوح خشبي لتثبيت الأوتار.
كان يعزف في فناء منزله، محاولًا تجسيد أحلامه من خلال نغمات بسيطة تعبر عن طموحاته الكبيرة. تلك العزفيات لم تكن مجرد ألحان عابرة، بل كانت الشرارة التي أطلقت موهبته لتتألق في سماء الفن. ومنذ ذلك الحين، انطلقت مسيرته الفنية لتصبح واحدة من أبرز قصص النجاح في تاريخ الموسيقى اليمنية والعربية والعالمية، حيث استطاع أن يمزج بين التراث والحداثة، تاركًا بصمة لا تُنسى في قلوب محبيه.

بين عشق الفن ونظرات المجتمع القاسية
لم تكن الطريق مفروشة بالورود أمام الطفل أحمد، فقد واجه الكثير من التحديات، خاصة من والده الذي اعتبر الموسيقى تهديدًا لتقاليد المجتمع. فرغم حبه العميق للأغاني اليمنية والعربية التي كان يستمع إليها عبر الراديو وأشرطة الكاسيت، إلا أنه رفض بشدة لفكرة أن يصبح ابنه عازفًا. كان هذا الصراع يمثل تناقضًا داخليًا بين شغف أحمد بالموسيقى ورغبة والده في حمايته من نظرات المجتمع القاسية.

تجاوز أحمد تلك العراقيل وواصل السعي وراء حلمه بإصرار وعزيمة. لم يفقد الأمل، بل جعل من التحديات دافعًا لتطوير مهاراته وزيادة إبداعه. وهكذا، بدأت شهرة أحمد تتسع من مدرسته إلى حيّه، ثم إلى مدينة الحديدة بأكملها، بل والساحل التهامي.
أصبح يُعرف بـ “الطفل التهامي” صاحب المواهب الغنائية والطرب الجميل، خاصة أن الحديدة كانت تُعتبر في ذلك الوقت المدينة الأكثر انفتاحًا على الفن والموسيقى في شمال اليمن. كانت تحتوي على سبعة مسارح، استقطبت فنانين ومطربين من داخل الوطن ومن بعض الدول العربية، مما أضاف زخمًا ثقافيًا للمدينة.
مع مرور الوقت، أصبح أحمد فتحي فنانًا ومطربًا معروفًا في الحديدة، حيث كان يدعا لإحياء الأفراح والمهرجانات. لم يكن هذا النجاح مجرد نتيجة لموهبته، بل كان أيضًا تجسيدًا لإصراره على التغلب على العقبات. وفي خضم ذلك، تعرَّف أحمد فتحي على أستاذه الأول، الفنان أحمد بن أحمد قاسم، الذي كان له دور كبير في صقل موهبته وإرشاده في مسيرته الفنية.
كيف أثر الفنان أحمد بن أحمد قاسم في مسيرة أحمد فتحي الفنية
عندما بلغ أحمد فتحي الثالثة عشرة من عمره، كانت مدينة الحديدة تشهد زيارة الفنان الشهير أحمد بن أحمد قاسم. يُعتبر الأستاذ المرحوم أحمد بن أحمد قاسم أحد أبرز الداعمين الذين ساعدوا في إطلاق موهبة أحمد فتحي إلى عالم الموسيقى، حيث كان المعلم الأول له. لقد كان أحمد قاسم بمثابة الجسر الذي أوصل أحمد فتحي إلى عوالم النجومية والشهرة، حيث انطلقت مسيرته الفنية نحو ذروة العطاء في مجالات الطرب والموسيقى والتأليف.

التقى أحمد فتحي بأستاذه أحمد قاسم أثناء إحيائه حفلاً في الحديدة. بعد انتهاء الاحتفال، توجه أحمد قاسم إلى الفندق الذي كان يقيم فيه، وهناك كان أحمد فتحي في انتظاره. لم يتردد أحمد في طلب الإذن بالدخول، واستقبله الفنان بحفاوة. بعد أن عرف أحمد بنفسه، طلب منه أحمد قاسم أن يعزف على آلة العود الخاصة به. كانت تلك اللحظة محورية في مسيرته الفنية، حيث أظهر أحمد فتحي مهاراته وحضوره الفني، مما دفع أحمد قاسم لتشجيعه على الانتقال إلى عدن لتطوير موهبته وصقل مهاراته.
استمع أحمد فتحي لنصيحة أستاذه، ولم يتردد في جمع بعض النقود من والدته للسفر إلى عدن. وعندما وصل، كان مظهره يعكس رحلته الشاقة عبر الطرق الترابية، لكنه كان يحمل معه طموحًا كبيرًا. لم يتوقف عند هذا الحد، بل قام بشراء ثياب جديدة وآلة عود متطورة لتعزيز مهاراته.

بداية الرحلة مع الفن
بدأ الفنان الراحل أحمد قاسم بتعليم أحمد فتحي مقامات العود المختلفة وألوان الغناء اليمني المتنوعة. وعندما أصدر ألبومه الجديد، كان من الطبيعي أن تتوسط صورة أحمد فتحي الحملة الدعائية، حيث أطلق عليه لقب “الطفل المعجزة”. كانت هذه الخطوة بمثابة اعتراف رسمي بموهبة أحمد، مما أطلقه نحو عالم الشهرة.

حفلة عدن: اللحظة الفارقة نحو النجومية
خلال إحدى الاحتفالات في مدينة عدن، أبدع أحمد فتحي في تقديم أغانيه، مما أثار إعجاب الحضور، بما في ذلك وزير الثقافة ووزير التربية ورجل أعمال كويتي. بعد إنتهاء لأداء، طلب رجل الأعمال من أحمد قاسم إرسال أحمد فتحي إلى مصر للحصول على منحة دراسية في مدرسة الفنون والموسيقى. تحقق هذا الطلب، مما منح أحمد فرصة ذهبية لتطوير موهبته بشكل أكبر.
تألق أحمد فتحي بشكل لافت، حيث أصبحت شهرته تتردد في مختلف محافظات اليمن. كان صيته نتيجة لموهبته الاستثنائية، ولعب والده دورًا مؤثرًا في مسيرته بعد أن عبّر عن فخره في خطاب شجّعه فيه على الاستمرار و دعاه لزيارة مدينة الحديدة، حيث وعده بتقديم الدعم المالي اللازم لتحقيق طموحاته. كان الحلم الأكبر هو الذهاب إلى جمهورية مصر لاستكمال تعليمه في مجال الموسيقى.
استجاب أحمد بحماس لدعوة والده، وبعد حصوله على منحة دراسية، انتقل إلى مصر ليكمل دراسته في المرحلة الإعدادية وينضم إلى مدرسة الفنون والموسيقى الثانوية. هناك، أثبت أحمد مهاراته الاستثنائية، حيث حصل على ثلاث جوائز كأفضل عازف عود، بالإضافة إلى وسام ملك العود من المعهد العالي للموسيقى العربية.

التوسع في التعلم والإبداع
خلال العطلات، كان أحمد يعود إلى اليمن ليستفيد من الفرص لتعلم ألوان الطرب اليمني المتنوعة، مما ساعده على إتقان العديد من أنماط الغناء. أصبح قادرًا على عزف جميع أنواع الموسيقى في اليمن، وكذلك في دول الخليج والعالم العربي. بل وعزف أيضًا أغاني من ثقافات مختلفة حول العالم. لم يقتصر إبداع أحمد على الموسيقى العربية فحسب، بل برع أيضًا في أداء العزف الشرقي والغربي، مما جعله واحدًا من أبرز الفنانين في مجاله.

الشهادات الأكاديمية والجوائز والأوسمة
بعد أن أتم الفنان أحمد فتحي دراسته الثانوية في مصر، انطلق إلى المعهد العالي للفنون والموسيقى، حيث حصل على درجة البكالوريوس بتفوق. تلا ذلك حصوله على رسالة ماجستير متميزة بعنوان “آلة العود ودورها في الغناء اليمني”، والتي عكست إيمانه العميق بأهمية هذه الآلة في الحفاظ على التراث الموسيقي اليمني. تقديرًا لإنجازاته، منحت له جامعة الحديدة في اليمن شهادة الدكتوراه الفخرية، مما أضاف إلى رصيده الأكاديمي.
يُعتبر الفنان أحمد فتحي واحدًا من أبرز الشخصيات في ساحة الموسيقى العربية، حيث حصل على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير التي ساهمت في تعزيز شهرته في الأوساط الإعلامية. حصل على وسام أفضل عازف عود في الوطن العربي من المعهد العالي للموسيقى العربية، كما أُطلق عليه لقب “ملك العود”، وهو لقب لا يزال يُعرف به حتى اليوم في الأوساط الفنية العالمية. لقد كانت له ظهورات متعددة في قنوات فضائية عربية وعالمية، حيث استضافته قنوات لبنانية وإماراتية ومغربية وتونسية ومصرية وكويتية وعمانية، بالإضافة إلى مقابلات خاصة عُرضت على قنوات أمريكية ويابانية وروسية وفرنسية وبريطانية وهندية، وكذلك على منصة يوتيوب.
لا تقتصر إنجازاته على الجوائز المحلية، بل حصل أيضًا على جوائز وأوسمة من دول مختلفة مثل المملكة العربية السعودية، حيث نال جائزة تهامة من الأمير مشعل بن عبد العزيز، ومن دار الأوبرا المصرية، وكذلك من لبنان والمغرب. كما حصل على تقديرات دولية من فرنسا وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا. في عام 2006، حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الحديدة، حيث سلّم له الرئيس الراحل علي عبدالله صالح هذه الشهادة تقديرًا لمساهماته في مجال الموسيقى.

أحمد فتحي: الجسر الموسيقي الذي ساهم في مشروع أوباما لنشر السلام والتفاؤل في العالم

يُعتبر الدكتور أحمد فتحي من أبرز عازفي العود على مستوى العالم، حيث يمتاز بموهبة فريدة تجمع بين الموسيقار والمغني والملحن والمؤلف. في الأوساط الفنية والغنائية، يُلقب بلقب “ملك العود”، وهو لقب يعبّر عن مكانته الرفيعة والاحترام الذي يحظى به في هذا المجال. يُشار إليه بألقاب أخرى مثل “أسطورة العود” و”أخطبوط العود”، فضلاً عن لقب “إمبراطور عزف العود” و”قيصر الموسيقى”. تعكس هذه الألقاب مهارته الاستثنائية وبراعته في العزف، حيث يتمكن من تقديم نغمات متنوعة تتنقل بسلاسة بين الطابع الشرقي والغربي، سواء كانت عربية أو إقليمية أو محلية.

في إطار سعيه لنشر السلام في جميع أنحاء العالم، طلب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما من الموسيقار العالمي أحمد فتحي أن يشاركه في مشروعه الموسيقي. وقد قدم له أحمد فتحي ألبومه المتميز “الأرواح الخيرية”، الذي نال إعجاب الرئيس وأصبح رمزًا للتفاؤل والسلام. كما كان للفنان أحمد فتحي حضور مميز في الاحتفالات البريطانية، حيث كانت الملكة إليزابيث الثانية تدعوه شخصيًا لتقديم عروضه. تألق أحمد في عزف العديد من الأغاني على آلة العود، مما جعله يحظى بشهادة تقدير من قاعة الملكة إليزابيث في عام 1993.
بفضل موهبته وشهرته، أحيا أحمد حفلات في دول عديدة، مثل روسيا وفرنسا، حيث حصل على تقدير خاص من السيد بيير جامبي، مدير المعهد العالي في باريس. كما أنه عضو فعال في جمعية الملحنين والمؤلفين في فرنسا، مما يعكس مكانته الرفيعة في عالم الموسيقى. تضمن مسيرته أيضًا زيارة كندا، حيث حصل على تكريم من السفير اليمني في القنصلية، وشارك في مهرجانات موسيقية في إيطاليا واليابان، مما ساهم في تعزيز مكانته كفنان عالمي. لقد استضافته العديد من الدول العربية والدولية، ليظهر كواحد من أبرز نجوم الفن والموسيقى. بفضل براعته في عزف آلة العود، قدم أحمد فتحي ألوانًا متنوعة من الطرب والموسيقى، مما جعله يتربع على عرش هذا الفن.

ماجدة نبيه: رحلة فنية ملهمة من الإنشاد إلى عالم الاعتزال والعائلة

تُعَد ماجدة نبيه واحدة من أبرز الأسماء في الساحة الفنية العدنية، وهي متزوجة من الفنان المبدع أحمد فتحي. بدأت ماجدة مسيرتها الفنية مع فرقة الإنشاد بقيادة الموسيقار أحمد بن عوذل، حيث قدمت ثلاثة أغاني منفردة حققت نجاحًا كبيرًا وصدى واسعًا في أوساط الجمهور. في عام 1986، اتخذت قرارًا جريئًا بالاعتزال بعد زواجها بعمين، متوجهةً إلى أبوظبي لتكون قرب والديها، وهناك حصلت على الجنسية الإماراتية.
أنجبت ماجدة ابنتها بلقيس في 20 أكتوبر 1988، التي سارت على خطى والدتها في عالم الفن. بلقيس، التي حصلت أيضًا على الجنسية الإماراتية في عام 2012 بمكرمة من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، تواصل كتابة فصل جديد في تاريخ العائلة الفني، متمسكة بجذور والدتها ومبدعة في التعبير عن موهبتها. بينما ظل والد بلقيس، الفنان أحمد فتحي، يشق طريقه في مصر، مما أضفى مزيدًا من التنوع على التراث الفني لعائلتهم.
هذا هو فنان اليمن الاستثنائي، أحمد فتحي، الذي بفضل موهبته الفريدة وإصراره الدائم على تحقيق أحلامه، استطاع أن يترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن العربي. لقد أسهم بشكل كبير في تعزيز مكانة آلة العود، حيث جعلها رمزًا للتراث الموسيقي اليمني، وأعاد إليها الحياة من خلال أنغامه الفاتنة وأسلوبه الفريد.
تجسد مسيرته الفنية رحلة ملهمة، حيث تحول من طفل يعزف في فناء منزله إلى نجم ساطع في سماء الفن، محققًا إنجازات مبهرة على المستويات المحلية والدولية. إن أحمد فتحي ليس مجرد فنان، بل هو سفير للثقافة اليمنية، يحمل رسائل السلام والتفاؤل من خلال موسيقاه، ويستمر في إلهام الأجيال الجديدة لتبني شغفهم بالفن والموسيقى.
كاتب يمني