تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » هاشم علي والبهجة الجوهرية للكاتب علي المقري

هاشم علي والبهجة الجوهرية للكاتب علي المقري

  • سطوع
هاشم علي

 

يعتبره الفنانون رائدًا للحركة التشكيلية في اليمن،ويصفه عدد منهم بالمعلّم الأول؛ أما هو فيحفّز طُلاّبه الشباب ألاّ يكونوا نسخاً أو صوراً منه، أو من أي أحد، لأن هذا- كما يقول – يحد من الإبداع والتطور.

في بداية الستينيات من القرن الماضي استقر الفنان هاشم علي ، [الذي ولد عام 1945في اندونيسيا] بمدينة تعز اليمنية، وكان قد عاش لفترة في اندونيسيا، ثم عاد مع أسرته إلى حضرموت حيث توفى والده هناك ، مما اضطره وهو لا يزال في العاشرة من عمره إلى ترك الدراسة والتجول في عدد من المناطق اليمنية بحثا عن عمل.
وعلى الرغم من كثرة تنقلاته فإنه لم ينس أستاذه علي علوي الجفري الذي علّمه فن النحت على الخشب لأشهر عدة بعد أن بدأ وهو في الثامنة يظهر شغفا بالفن، ولعلّ ما شاهده لدى هذا الأستاذ من كد وتميّز في الإتقان أدّى إلى قيامه بمكابدة ذاتية جمعت بين طلب العيش وتحقق اللوحة فتوّصل خلاها إلى معرضه الشخصي الأول عام 1967 في تعز ، ثم إلى المشاركة في معرض جماعي عربي في الكويت عام 1973 لتبدأ ملامح تشكل هويّة الفن التشكيلي اليمني الحديث بالظهور.
ومضى هاشم علي إلى تكوين عالمه الفني بالاطلاع على المنجز التشكيلي العالمي خاصة في قراءته باللغة الإنجليزية التي أتقنها مبكرًا ففتحت له الكثير من نوافذ المعرفة حتى أن الكاتبة السويسرية لورنس ديونا حين زارت مرسمه اندهشت لخبراته فقالت في كتابها (اليمن التي شاهدت): «كثير من الأوربيين المثقفين، ممن يحوزون مكتبة ومتحفًا، يعلمون عن فنهم أقل من هاشم اليمني المعزول في أقصى طرف العربية. لقد شاهد كل شيء وقرأ كل شيء: عذارى رافائيل، والرسوم الخداعة للباروكية، وزخارف الحصى للزخرفة المثقلة، وورقيات كورو، ونساء رينوار، وملصقات براك. وهكذا بالنسبة لهاشم، كما بالنسبة لكثيرين غيره، فإن سيزان هو سيّد الرسم الحديث».
أشكال تقليدية ومهترئة
قلّد هاشم علي في بدايته الفنية العديد من الفنانين الأوربيين، وبالذات الانطباعيين، أمثال: كلود مونيه، فان جوخ ،بيسارو، ادجار،إلاّ أن الانطباعية لم تغنه كمدرسة متكاملة ، فبحث فترة طويلة عن غايته الفنية في معظم المدارس الحديثة والقديمة، ابتداء من اليونان إلى الرومان ، وإلى التكعيبية التحليلية التي ينتمي إليها بيكاسو، والتكعيبية التوفيقية التي ينتمي إليها براك ؛لكن، وبعد أكثر من عشرين سنة توصل – كما قال لي في حوار معه – إلى اقتناع بالاستقلالية. ومن هذه القناعة يرى هاشم بأن الفن الصادق هو الفن الذي يعبر تعبيرا مباشرا عن ثقافة المجتمع، وعليه يكون مقياسًا صحيحًا لطموحاته، وحجم حرّيته.
ولهذا، فالمدارس الأوربية – حسب قوله – ما هي إلا نتاج لأفكار تدور في دائرة مفرغة للبحث عن حلول لمشاكل المجتمعات عن طريق أشكال تقليدية ومهترئة. وموضوع أي إنتاج عنده يرتبط ارتباطاً مباشرًا بالحاجيات الإنسانية، أي يكون له مضمون إنساني.
جمال الأشياء
فن هاشم علي لا يتنكّر للماضي بل يمتد منه إلى المستقبل، يعود بألوانه وخطوطه إلى جماليات فن الشرق القديم الذي كان جماعياً من خلال الزخرفة على السجاد والزجاج والأواني والقماش والخشب، وفن البناء والبهجة الجوهرية لروح الشرق التي تعبر تعبيرًا مباشرًا عن كمال الجمال في الأشياء.
ولأن هاشم مشغول بهواجس الشرق وحكمته، وتتلازم عنده القضايا الفلسفية مع هموم الشغل اليومي في المرسم ، والمكابدة في تأمل الناس والأمكنة ، فإن لوحاته تحتفي ببهجة الحكمة الطّالعة من ينابيع ضوء الشرق والمعبرة عن تطور الإنسان، وتطلّعه إلى إتمام الأشياء فيها كشفا لبهاء الجوهري. فاللون، قد تكتشفه العيون الفاحصة المدربّة في مقارباته بالطبيعة، لكنه لون الفنان المُبتكر، وليس لون الطبيعة الخام.
كما أن الضوء ليس هو من اللوحة؛ بقعة في فراغ ، أو انسكابا لونياً جاء من خارج مفاصل الخط واللون ؛ بل هو في اللوحة ،في تفاصيلها، حتى في تجسّد اللون الأسود الذي يتخذ مكانه المهم للتمام والكمال ، فكل الألوان جميلة – يقول هاشم علي – حينما يحسن استخدامها.
وإذْ تميّزت مرحلة أوائل ثمانينيات القرن الماضي في مسيرة الفنان بالاحتفاء باللونين الأسود والأبيض وإنجاز لوحات الجرافيك بالحبر الصيني فإن الفنان ينطلق من أن اللون الأسود يوحي بالقوة، ولا يحتاج إلى مؤثرات أخرى ، والفلسفة الشرقية – حسب هاشم – تعتبر الأسود أوّل الألوان، والبداية التي تنطلق منها الألوان، فلولا الظلمة لما كان هناك الضوء.
وسواء في لوحاته الجرافيك أو لوحاته الزيتية التي صارت غالبة على كل أعماله من منتصف القرن الماضي فإن الإنسان يحتل حيّزا مهما في جميع اللوحات وتبدو الطبيعة مشكّلة ومتحوّلة بالضوء واللون بقدرات فنية تعتمد الاشتغال بالتقنية فتنحو إلى ابتكار مشهديات جمالية غير مسبوقة.
ولا تخلو هذه الجماليات من إثارة الاندهاش وهي تتمثل منحى السهل الممتنع، فمن المواضيع اليومية للإنسان البسيط: الحطّاب، الفلاّح، الراعي، المرأة البائعة للفواكه أو المنسجمة مع الحيوان،الرقّاصون، الوجوه المتأملة والشاردة،المتصوّفون، النساء في تلوّعهن وأشجانهن، إلى التشكل اللوني والضوئي للطبيعة التي تبدو وكأننا نكتشفها لأول مرّة يؤكد هاشم علي فرادته في منحاه الجمالي الخاص.
علي المقري