محمد عبدالوكيل جازم
لم أجد عنوانًا يصح أن أقوله تعليقًا على مسلسلات رمضان هذا العام، سوى أن أقول بأنها دراما لا تشبه اليمنيين كثيرًا ، ولكن قد يحدث ذلك أحيانًا.
من الأقوال الشهيرة لأفلاطون -الذي عاش قبل الميلاد بـ500 عام- “إن أي عمل فني لا بد أن يشتغل على التأثير الأخلاقي”، وأخبرنا أفلاطون بأن “الفن يحاكي الأشياء المادية التي بدورها تحاكي المثل”، وهذا يحفزنا إلى أن نضع عدة خطوط تحت كلمتي “عمل فني” ومفردة “مُثل”، لأن أفلاطون يعني ما يقول؛ فالعمل الفني يمتاز بشروط إبداعية تظهر الجودة في صناعة العمل، وأي عمل نطلق عليه “فنّي” لا يحتمل التباس التقريرية والنثرية، ما يعني أننا مشبوكون إلى محك القيمة الفنية التي هي أيضًا تلتزم بقيم الجمال، ومن شروطها التساؤل التالي: هل تحققت لديّ كقارئ للعمل الفن أو كمشاهد؛ متعة المعرفة؟ وهل امتزجت المتعة المعرفية مع المتعة الأخلاقية المنشودة، بخاصة إذا عرفنا أن ذلك العمل الفني يعني للملايين من الناس الكثير!
الفن الدرامي كل لا يتجزأ.. وهي بالمعنى الوظيفي تشتغل على الهوية، ولا يفيد في هذا العصر خداع المشاهد
فالأعمال الدرامية الفنية التي تعرضها القنوات التلفزيونية اليمنية في كل موسم رمضاني، تمتد إليها الأعناق، وإليها ترتفع الجباه، وعلى ذبذبات أثيرها تتثبت العيون بقصد متابعة الجديد في الدراما اليمنية التي ينتظرها الكثيرون بفارغ الصبر، ولا بد أن يعرف القائمون على بثّ هذه الأعمال التلفزيونية والمسوقون لها، أن هناك من يضحي فيقصّر بواجباته الوظيفية، وهناك من يتقاعس عن أداء واجباته الاجتماعية، ويمتدّ الأمر إلى أن هناك من يتكاسل عن الذهاب إلى المسجد، وهذا هو في الحقيقة واقع الحال، فمن أجل هؤلاء لا بد أن تصبح الفكرة الرئيسة للمشتغلين في هذا الحقل، احترام المشاهد، لأن الفن الدرامي كل لا يتجزأ.. وهي بالمعنى الوظيفي تشتغل على الهوية، ولا يفيد في هذا العصر خداع المشاهد، لأن المعروض عالميًا ينافس بقوة، ويطرح بضاعته بحرفية مطلقة، فهذا عصر الصورة بامتياز، وبعيدًا عن ملابسات كثيرة لا بد من الأخذ بها مثل غياب معاهد أكاديمية واستديوهات، إلا أن الإمكانيات المتاحة تتيح للعاملين البحث عن نص حقيقي مثلًا.. وإلا فإن القاعدة الإبداعية تقول إن ترك الشيء أهون من تقديمه بطريقة تقريرية؛ لا تضع حجر الزاوية في مكانه الحقيقي.
نريد دراما تحثّ الشبان على حب الحياة العلمية والإنتاج المهني، وتدين الموت المجاني، والتدخل في شأن السيادة.
قبل أيام، حضرت فعالية توقيع رواية لأحد الكتاب اليمنيين المعروفين، وفيما نحن نخوض في تحليل الرواية من قريب ومن بعيد، نهض أحد المهتمين بالشأن الثقافي اليمني، وقال لدي أمنية.. التفتنا إليه جميعًا كما لو أنه مارتن كينج الذي قال “عندي حلم”، توقفت القلوب في الحناجر حقًا.. صمتنا.. اعتلانا العجب؛ ترى ما الذي سيقوله الرجل؟ ووجدنا أنفسنا نرهف السمع حين قال إن كل ما يحدث اليوم من معالجات فنية ودرامية وإبداعية لما يحدث في اليمن، لا يذهب إلى تجسيد الواقع، وقال لنا بأن الواقع يتجاوز الدراما اليمنية بمراحل، ثم طلب منا أن نوصل صوته للمعنيين من كُتّاب الدراما والعاملين على تسويقها.. وأردف: نريد دراما تحثّ الشبان على حب الحياة العلمية والإنتاج المهني، وتدين الموت المجاني، والتدخل في شأن السيادة. والواقع أن ذلك ممكن بالعودة إلى التاريخ وتلمس لحظاته المشرقة كإسقاط على ما يحدث اليوم.
الجوع المشهدي بكثافة
حفلت الدراما اليمنية هذا العام بالعديد من المسلسلات التي غطت الجوع المشهدي بكثافة، إذ إن قناة السعيدة قدمت “دروب المرجلة 2″، من إخراج وليد العلفي وبطولة صلاح الوافي وأشواق علي، وقدمت قناة يمن شباب “الجمالية” إخراج سيف الدين الوافي، وبطولة فهد القرني ومحمد الأموي، وعرضت قناة المهرية مسلسل “درّة” من إخراج ياسر الظاهري ومحمد فاروق، وعرضت قناة بلقيس مسلسل “طريق إجباري” إخراج عبدالعزيز حشاد، بطولة نبيل حزام وسالي حمادة ونبيل الآنسي، فيما عرضت قناة سهيل مسلسل “زوبعة” بطولة إبراهيم بادي وعادل الرجوي، وعرضت الفضائية اليمنية مسلسل “حارس البحر” إخراج عبدالعزيز الحرازي وبطولة إبراهيم الزبلي ومحمد الرداعي، ومسلسل “أواب” من إخراج عبدالرحمن دلاق.
وحتى لا يكون هذا الكم أشبه ما يكون بمن يذر الرماد على العيون، ذهبنا إلى ملاحقة القنوات عبر اليوتيوب، ليتضح أن معظم هذه المسلسلات لا تقدم محتوى دراميًا حقيقيًا.. بمعنى أن معظمها يفتقر للنص الإبداعي، وأكثرها يتكئ على أفكار “مسلوقة” لا يراعى فيها جودة الموضوع ووحدته، لأن التحضير لها تم قبل فترة بسيطة من حلول شهر رمضان كالمعتاد.. وعلى الرغم من أهمية بعض الأفكار التي تقدمها مسلسلات القنوات، إلا أن الاستعجال في تجسيد المشاهد أوقع المخرجين في مطبات كثيرة، وأكثرها جاءت تلبية لملء وقت الفراغ في الحلقات، فالكثير من المشاهد لا تعبر عن حقيقة ما يدور في الواقع، وبالتالي فإن المشاهد يدرك أن ما حدث خطأ كبير، ولا بد أن يعيد المخرج تكييف المشهد بما يجعله مناسبًا للواقع اليمني.
ولعل من أجمل التعليقات والمُلح التي سمعتها أن “أهل مأرب” يناقشون فكرة رفع قضية ضد مخرج مسلسل طريق إجباري، لأنه لا يستلهم حضارة مجتمع مأرب المشهودة، وذلك رغم الرشوة الكبيرة التي قدمها “عنوان العمل” الذي لا يخدم الهدف المنشود للأعمال الدرامية الإبداعية.
“شيخ القبيلة” في مسلسل طريق إجباري” إخراج وليد حشاد، يذهب إلى أحد مواطنيه للمطالبة بدين لدى الرجل، وحين لا يجده يبقى في منزل المدين مع طفلته التي رأى أنها تصلح زوجة له، وحين يعود الأب المغلوب على أمره يطأطئ رأسه فقط، فيما والدة الطفلة تنتقد الموقف.. وهناك أمر آخر يتمثل بأن أوامر الشيخ لا أحد يرفضها في ما يخص الزواج من القاصرات، وهذا ربما لا يحدث دائمًا، فلو أن هناك حالة رفض واحدة لتمت المعالجة بشكل أجمل، أما أن يكون المجتمع كله خاضعًا وخانعًا، فالأمر لا يعلي من القيم الاجتماعية التي يفترض أن يكرسها العمل.
تطور إبداعي في أداء بعض الممثلين
في مسلسل “درة” الذي افتتح بمشهد مطاردة بين البنت الضالة درة وأسرتها، تحتفظ السردية بقواعد البداية التقليدية المشوقة الغامضة، لكن القاعدة سرعان ما تسقط حين تضع درة طفلها لدى إحدى النساء، ثم تعود للبحث عنه، لأنها كادت أن تفقده. في ذلك المشهد أضاع المخرج مادة حقيقية للتشويق الدرامي، فاعتراض شخص آخر للمجرم غيّب لحظة صراع حقيقية تقتضيها الدراما.
مسلسل زوبعة الذي تعرضه قناة سهيل يلامس هموم الناس بقوة، ويكاد أن يكون هو المسلسل الوحيد الذي يحمل فكرة، لكنه يعالج الفكرة بمزيج عالٍ من الكوميديا والصراخ والتقريرية.
ولا يمكنني في الأخير إلا أن أشيد بالكثير من الإيجابيات التي يجب الاشتغال عليها وتطويرها، ومن ذلك التطور الإبداعي في أداء بعض الممثلين الذين أرجو ألا يقتله البعض في الارتجال والخروج عن النص وإقحام مشاهد عبثية في أوقات غير مجدية.. وفي رأيي أن هذا الدفع المشهود بوجوه جديدة لا بد أن يرافقه اشتغال تعليمي أكاديمي في الداخل، وحسنًا يفعل المعدون والمنتجون والمخرجون حين ينفذون أعمالهم في الجغرافيا اليمنية، لأن ذلك يعني تكريس مقولة أن اليمن استديو سينمائي مفتوح في طريق جذب سينما سياحية من بلدان أخرى أو إنتاج سينما بديلة إن أمكن. ومن الإشارات الملفتة تطور التصوير “الإخراجي”، ووضوح الصوت، والاهتمام بالديكور، على الرغم من أنه يدخل في باب المبالغة أحيانًا كما يبدو في دروب المرجلة. وربما حُسب لمسلسلات هذا العام انخفاض منسوب الصراخ الذي يرافق الأعمال اليمنية دائمًا.
نقلا عن “المشاهد نت”
