تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ويجز في “عقارب”… الصوت حين تتعدّد شخصياته

ويجز في “عقارب”… الصوت حين تتعدّد شخصياته

جمال حسن
أصدر الرابر المصري ويجز أخيراً أحدث ألبوماته تحت عنوان “عقارب”، مراهناً على أمنية قديمة تتمثّل في مشاركته الفنان اليمني حمود السمه؛ فمنذ عامين، أكد المغني المصري رغبته في غناء دويتو مع السمه.
ما يميز هذه التجربة (اسم الأغنية “نور عيني”)، هو رغبة ويجز بتطعيم أسلوبه الغنائي بعناصر جديدة، يمثلها الفنان الآتي من اليمن. وتبقى تجربة غير مسبوقة في الغناء المعاصر بجمعها اسمين قلما يجتمعان للمرة الأولى في الغناء العربي المعاصر، سواء بثنائية يمنية – مصرية، أو لجهة تجاور أسلوبين لا يمكن أن يجتمعا. وجد ويجز في السّمه غايته لمزج غنائه بروح جديدة، خصوصاً في فترة تمر فيها صناعة الأغنية المصرية والعربية بحالة من الركود اللحني.
ولعلها لحظة تذكرنا بفترة الثمانينيات، حين طمح جيل تلك الفترة إلى تطعيم الأغنية بعناصر جديدة وأساليب تُخرجها من هيمنة الأغنية التقليدية التي توقفت عند ما أُنتج في عقدي الستينيات والسبعينيات؛ فذهب صانعوها إلى التنقيب عن أفكار لحنية جديدة يختزلها التراث النوبي والطابع الليبي، وحتى ما انتجه الغناء الخليجي، وعناصر أخرى.
تجسد أغنية “نور عيني” هذا التوق او الانفتاح لاستيعاب عناصر غنائية غير مطروقة، وتمتاز بثراء أشكالها وأنماطها وتراثها. يسعى ويجز إلى تمثيل قلق جيله المتطلع إلى تطوير أسلوبه ومساره الغنائي، حتى في تأكيد صوته المختلف ضمن الموسيقى البديلة عموماً، والراب خصوصاً. وبدافع هذا القلق، هناك في المقابل إرث استهلك كل أنماط الموسيقى المحلية والعالمية، لكنه شقّ لنفسه طريقاً خاصاً، مزج الراب بالبوب والطابع الشعبي، إضافة إلى محاولة الانفتاح المستمرة على أشكال مختلفة.
من ناحية أخرى، كان السمه العنوان الأبرز لإيجاد ملمح مختلف. وهذا الأخير كان أيضاً يؤكد بغنائه المحلي أنه أقل محلية وأكثر انفتاحاً على عناصر الغناء العربي، لكن بمزيج معتدل.
تُستهل الأغنية بمدخل من المؤثرات الموسيقية، يهيّئ لدخول صوت حمود السمه ببحته الجذابة، ليغني على مقام النهاوند “يا ليل هذا خلي…”. وبصورة لا تختفي معها هويته أو شخصيته الغنائية. يمزج اللحن بطابعه البسيط بين الروح الصنعانية الشعبية، لكن المحاكية للغة الشباب وخطابهم اليومي، مع شرقنة تسمح لهذا الغناء أن يكون مستساغاً عربياً، وتحديداً في مقاربته لأسلوب التخت الشرقي، أو ما يتسق مع تلك المصاحبة. كما أن ما يطعمه من عُرب صنعانية مقتصد ومحدود.
اللافت هو استخدام إيقاع صنعاني، إضافة إلى فاصل موسيقي على العود الكهربائي، يحمل أسلوباً يمنياً صنعانياً على وجه التحديد، ينتهي إلى فاصل من المؤثرات مع دخول ويجز بأسلوبه الجامع بين الراب وملامسة البوب، لكن بعنوانين شعبي وآخر يتسم بروح نوبية طفيفة، من دون إغفال التحول الإيقاعي، ليشكل محطة تلاقي طابعين غنائيين، وأيضاً طابعين شعريين في التغزل. لكن اللافت أيضاً هو النسق العام الذي يلامس الروح الشرقية، من دون ركوب تعاريج لحنية واضحة، مكتفياً بحس إلقائي يشبه المحاكاة النغمية، ما يجعلنا نتلصص على ملامح يطور من خلالها ويجز أسلوبه، ويعزز تجربته.

في الجزء الثاني، يعاود السمه حضوره، بنفس لحن المدخل، مع تحول في الجزء الأخير نحو نوع من البوب، لكن مع زخارف تقارب الطابع الأفريقي. يُضاف إلى ذلك فاصل قصير من ضربات العود وعودة لويجز بطابعه المعتاد.
ربما كانت الأغنية في حاجة إلى حدة إيقاعية في ضربات العود، وبدرجة أكبر كان ممكن أن تحضر وتريات تعزف اللحن الرئيسي لغناء السمه.
يأخذنا ألبوم ويجز بعيداً عن التجربة المنفردة إلى عدة دويتوهات، وأغان منفردة، منوّعاً تجربته في الراب الشرقي؛ فيضفي في أغنية “الدمعة” طابعاً ينتمي إلى الموسيقى القوطية (Gothic)، مع فولك شعبي معاصر، مع مؤثرات Reverb، وهذا يضفي قتامة وغموضاً يحاكي موضوع الأغنية. أما أغنية “سلكانة”، فتتخذ طابع المرح المظلم، مع إيقاعات آر آند بي والأفروبيت، مع اقتران واضح بأسلوب الهيب هوب وبمشاركة دويتو مع المغنية النيجيرية تيوا سافادج (Tiwa Savage).
بهذا، ينوع ويجز طابعه وثنائياته، مع أكثر من نمط غنائي؛ فالدويتو عنوان لتعدد الشخصية وتنويع التجربة. من اليمن ونيجيريا، إلى المغرب في “مفيش وقت” مع الرابر المغربي Hitmakeraste كما لو أنه يعي تطور تجربة الراب المغاربية. ومن الحدة إلى الرقة الوحشية، يشارك ويجز الرابر الفلسطيني سامي شبلاق في أغنية “ماسح كل النمر”.
يحرص الرابر المصري على تنويع أسلوبه وموسيقاه، فتتعدد الأنماط الإيقاعية ما بين الأفروبيت والبوب والموسيقى الإلكترونية بأنماطها المتنوعة، إضافة إلى استعارة الكهرباء الصوتية أو ألكترنة صوته بمؤثرات مختلفة. تشبه هذه استعارات الأقنعة التعبيرية، أو المحاكاة التجريبية، بما يوحيه هذا من مسرحة الغناء الشعبي بطابع الراب، كما في “سويتش”.
أما في “مبدأ كله”؛ فإن التحول إلى نمط شعبي، يذكرنا بالأفيهات لهذا النوع من الغناء، لكن بألكترنة صوتية، وتقريبه من روح المهرجانات.
يبدو أن غناء الدويتو هو السمة الرئيسية لهذا الألبوم؛ إذ حرص ويجز على تنويع ثنائيات سواء مع ناصر في “مش كل مرة”، أو مع “يونيو” في أغنية “مشكلة”. هذه الأخيرة يمتاز أسلوبها في الهيب هوب بطابع فرائحي. بينما نجد بعض أغاني الألبوم تتسم بقتامة، وأحياناً تميل إلى إحداث صدمة. وتبرز الإيقاعات الشعبية بصيغة تقرّب الأغنية إلى مزاج البوب. على أن هناك تعمداً واضحاً بتكسير الحالة اللحنية، بهدف تقريبها إلى البوب؛ فتتكئ الجملة الموسيقية على طابع تسعيني باستخدام غيتارات أو كيبورد، وهذا نجده يتعرض إلى كهربة وتشتيت كما لو أن خط الموسيقى الكهربائي يخفي المزاج القديم لهذا النوع.
هكذا، يتضح أن لويجز رؤية معينة يحاول تطبيقها بين عمل وآخر، في رغبة منه لتعميق تجربته أو لإثراء وجه الراب. بهذا، يُمسي ويجز واجهة للموسيقى البديلة بما فيها من حس متمرد على الأساليب الراسخة.

نقلا عن “العربي الجديد”