تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » خفوت الغناء الشعبي في تعز

خفوت الغناء الشعبي في تعز

خفوت الغناء الشعبي في تعز

سكينة محمد

كانت محافظة تعز، وما تزال، محطةَ عبور للكثير من الفنّانين اليمنيين، ومنبعًا لفنٍّ شعبي متعدد ومتطور، يبدأ بالأهازيج الشعبية ويمرّ بالمُلالات والتواشيح الدينية والأغاني الوطنية، والأغاني المتعددة المناسبات والمواسم والأغراض.

وتأثر الغناء الشعبي بتعز منذ ظهوره، بتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، تمازجت وانتشرت بين طبقات المجتمع المختلفة بالمدينة ومديريات الريف.

ويربط باحثون هذا النوع من الفنون في تعز بشكل رئيسي بالأهازيج الشعبية والأغاني الخاصة بالزراعة، إذ كان الناس يتغنون ويعبرون بها عن أحوالهم ومواسمهم الزراعية المختلفة، وهذا ما تم ذكره تفصيلًا في كتاب “الأهازيج الشعبية في تعز”.

في الوقت ذاته، كما يؤكد الباحث في الفن الشعبي بتعز، عبدالباري الصوفي (مؤلف كتاب “الأهازيج الشعبية في تعز”)، لـ”خيوط”، ظهرت المُلالاة، التي حافظت على شكل ألحانها إلى اليوم في ريف الحجرية، وتقوم المُلالاة على لهجة محلية تقاس على لحن آخر إما للحزن أو الفراق أو الهجران، ويغنيها الرجال والنساء والأطفال في كل المناسبات.

يصفها الصوفي قائلًا: “المُلالاة هي نوع من الغناء الشعبي، التي بدأت لهجتها من منطقة الحجرية، وانتشرت إلى صبر وشرعب ومعظم مديريات تعز، وهي -غالبًا- لونٌ مليء بالشجن يعبِّر عن حال المفارق والمغترب والحزن والحب والفراق”.

عقب ذلك، ظهرت التواشيح الدينية، والتي بدأت من منطقة يفرس، ثم صبر، وماوية، وشرعب، حيث كانت تقام فيما يسمى بالزوايا بلحن ديني خاص، وموالد دينية صوتية تؤدّى في معظم المناسبات الدينية.

يشير الصوفي إلى أنّ الغناء الشعبي، بشكل عام، اشتهر في أواخر العصر العباسي غير أنه انتشر بشكل واسع عندما اختلطت فيه الأشعار بالكلمات الدارجة واللهجات العامية في العصر الأندلسي.

ومن حينها، بدأ الرحالة يرددون ألحانهم وأغانيهم، ثم بدأ العامة من الناس هنا وهناك يبتكرون ألحانًا يتفرّدون بها، تعكس ثقافتهم الخاصة وتعبر عن حياتهم، ولهذا يجد المتذوق للغناء في اليمن بشكل عام، وفي تعز بشكل خاص، ألحانًا وأشعارًا تنفرد بها وبلهجتها ومكانتها الخاصة.

غناء متعدد المناسبات

اشتهر فنانون ومغنّون في تعز بغناء القصائد العامّية التعزية لمديرياتها المختلفة، حيث بدؤوا جميعهم بغناء القصائد العامية، أمثال الفنان أيوب طارش، والفنان عبدالباسط عبسي، والفنانة منى علي.

عقب ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، نقلت الأغاني الوطنية -كما يؤكّد أستاذ البلاغة بجامعة تعز، عبدالرحمن قاسم لـ”خيوط”- الفنانَ أيوب طارش عبسي من الفنّ الشعبي إلى فنٍّ أكثر تطورًا من حيث اللحن والكلمة والأداء، بحيث لم يعد يصنف كفنان شعبي.

كما يشار إلى الفنان عبدالباسط عبسي باختياره القصائد الغنائية التي تتحدث عن المرأة في ريف تعز؛ ولكنه أيضًا غنّى لفئات متعددة؛ للمرأة وغنّى للأرض وللثورة اليمنية، والموشحات وقصائد السماع الصوفية، بينما اشتهرت منى علي بغناء المُلالات والأهازيج الشعبية واشتهرت كثيرًا بأغاني الزفة.

وتتعدد مناسبات الغناء في تعز، بتعدد المناسبات والتفاعلات اليومية، حتى عمال البناء لديهم أهازيجهم الخاصة، نساء (صبر) بائعات المشاقر يصدحن هن الأخريات بأغانيهن وأهازيجهن، وضرب الطبول على أبواب قاعات الأفراح والغناء بصوت مسموع.

ويلفت الصوفي في هذا السياق، إلى أنّ هناك الأغاني الدينية والموالد، والأغاني المرتبطة بالمناسبات والأفراح، والمواسم الزراعية المختلفة، والمرتبطة منها بالغربة والبعد والحنين، والأرض والوطن والإنسان.

تأثير الحرب

في مديريات الريف، ما يزال الناس هناك يحافظون على المناسبات كالسابق، إذ يغنّون في الأرض وبين الحقول في مواسم الحرث والزرع وجني الثمار وعند قدوم مولود جديد، وفي الخطوبة والزواج، والمناسبات الدينية مثل الرجبية (27 من شهر رجب)، والشعبانية (15 من شهر شعبان) وأغاني الأعياد، وأيضًا ابتهالات لنزول المطر في فترات القحط.

تقول نوال دبوان، فنانة شعبية، لـ”خيوط”، كانوا من قبل في مدينة تعز يطلبوننا كمغنيات لإحياء مناسبات وأفراح خاصة بالرجال، ومغنية خاصة بالنساء، يغنون في قاعات منفصلة، لكنّ الآن هناك فنانين للمناسبات الخاصة بالرجال وفنانات بالمناسبات النسائية.

تضيف دبوان أنه بسبب ذلك تركز عملهن كمغنيات شعبيات في المناطق الريفية بمحافظة تعز، باستثناء المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، الذين كما تقول: “يمنعونا من الغناء والرقص أمام الرجال، بالرغم أنّ ما نقوم به عادة دارجة لها مئات السنوات”.

بدورها، تتحدث لـ”خيوط” سعاد أحمد، فنانة في فرقة خاصة بالأفراح في تعز، أنها تذهب للغناء في الأفراح بناء على حجز مسبق، وتعمل مع زميل لها “دي_جي”، هو يذهب لأعراس الرجال، وهي تذهب للأفراح الخاصة بالنساء.

وتضيف: “في الوقت الراهن، نادرًا ما أحضر أعراس يطلبون فيها أغاني شعبية، الدارج هي الأغاني العربية وأغاني الأعراس الراقصة، لحجية وصنعانية، ولم يعد أحد يهتم بالأغاني الشعبية التعزية، وخصوصًا في فترة الحرب التي ساهمت في تغيير مستوى الذوق العام الفني.

وتأثر الغناء الشعبي في تعز، كما يلاحظ كثيرون، بالحرب مع ظهور أهازيج وزوامل حربية ليست على غرار المهاجل والأهازيج الشعبية، إذ أصبح الكثير من الشباب يستمعون للزوامل والشيلات كفن شعبي دخيل انتشر بشكل كبير خلال الفترة الماضية من الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015.

الشاب أحمد علي (24 سنة)، يقول لـ”خيوط”: “أذني الموسيقية ألفت الأصوات العالية والصخب مع الحرب، وأفضل أن أسمع زوامل وشيلات وأغاني حماسية، لأنّ المُلالات والأغاني في تعز هادئة وحزينة وأصواتها مليئة بالشجن”.

حالة يُرجع الصوفي سببها إلى الحرب التي غيّرت اهتمامات الناس كليًّا، وأثّرت على الحالة النفسية والاقتصادية لمعظم اليمنيين وجعلت تركيزهم ينصبّ على توفير لقمة العيش بعيدًا عن الفن بشكل عام، والغناء الشعبي بشكل خاص، مشيرًا إلى أنّ الغناء الشعبي في تعز تعرّض أيضًا للإهمال من قبل الباحثين والداعمين في هذا المجال؛ مما أدّى إلى خفوته، إضافة إلى مرض أو توقف أو رحيل روّاده الأوائل.

المصدر/ منصة “خيوط”