تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » معارض اللوحات الصغيرة.. وثقافة الاقتناء الفني

معارض اللوحات الصغيرة.. وثقافة الاقتناء الفني



د. هناء الشبلي:

تلعب الفنون التشكيلية دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الجمالي والثقافي لدى المجتمعات، إلا أن العلاقة بين الفن والفرد في المجتمع السعودي لا تزال في طور التشكّل، خاصة فيما يتعلق باقتناء الأعمال الفنية داخل المنازل. وفي السنوات الأخيرة، بدأت معارض «اللوحات الصغيرة» في لعب دور مؤثر في تعزيز هذه العلاقة، حيث تمثل المعارض التشكيلية مساحة ثقافية تفاعلية تعزز من الذائقة البصرية لدى الجمهور، وتساهم في دعم الفنانين المحليين وتعريف المجتمع بأعمالهم. وهي تساهم في ترسيخ الهوية الوطنية من خلال التعبير البصري عن القيم، والرموز، والهموم الاجتماعية.

وفي السنوات الأخيرة برزت بالمملكة العربية السعودية كما هي عند بعض الدول العربية والخليجية فكرة «معارض اللوحات الصغيرة» التي لا تتجاوز مساحة اللوحة فيها 50 سم مربع، ولا يتجاوز سعرها 1500 ريال سعودي، كمنصة لعرض أعمال فنية لأسماء فنانين كمحترفين وأيضا فنانين شباب، يبحث فيها كل فنان عن عوالمه الخاصة ضمن مساحات لم يتعودها وبتفاصيل صغيرة جداً يكاد أن يصل من خلالها إلى ما هو أعمق وأبعد مما تسعه مساحة اللوحة الأكبر التي تعود عليها، فمعارض «اللوحة الصغيرة» اليوم أصبحت ناجحة بامتياز، فمعظم الأسماء الحاضرة في الحركة التشكيلية السعودية وجدناها اليوم في عالم اللوحة الصغيرة إلا أنها تحمل مضامين كبيرة في مضامينها وإحساسها، قد يقلص الفنان كل تلك الانفعالات داخل هذه المساحة الضيقة ليجد فيه فضاءات أرحب وأوسع، فكلما ضاقت زاوية رؤيته زادت بالمقابل توهج إبداعه، كما أنها وسيلة فعالة لإتاحة الفرصة لكل أسرة لاقتناء أعمال فنية أصلية بأسعار رمزية، فهذه المعارض تسمح للفرد باقتناء أعمال فنانين معروفين دون الحاجة إلى ميزانيات مرتفعة، إسهاماً في تنمية الذائقة الفنية مما يرسخ قيمة الجمال في الحياة اليومية. ومن جانب اقتصادي يهدف المعرض إلى إثراء سوق الأعمال الفنية، عبر تسويق الإنتاج الفني للفنان التشكيلي في عملية تنمية للاستثمار في المجال الفني، وبذلك تساهم مثل هذا النوع من المعارض إلى تحفيز «الاقتصاد الإبداعي».

وعلى الرغم من ارتفاع مستوى المعيشة نسبيا وانتشار الفنون في محيط الفرد السعودي وتوسع قطاع الثقافة والفنون برعاية رسمية وانتشار ثقافة الاستثمار في الأصول الملموسة، لا يزال اقتناء اللوحات الفنية حديث العهد كمجال استثماري وفيه تخوف وقليل من انخفاض مستوى الوعي مقارنة بوعيهم بمجال اقتناء الذهب أو الأسهم، حيث يُنظر إلى اللوحة غالبًا كعنصر تزييني فقط، في حين تُعد فكرة اقتناء المجوهرات وسيلة ادخار واستثمار، إلا أن العمل الفني يمكن أن يجمع بين الجانبين: القيمة الجمالية والمادية، خاصة عندما يكون موقعًا من فنان معروف له تاريخ فني، وقد ترتفع أسعار لوحاته مستقبلا عند شهرته وعرضه في معارض مرموقة أو حصوله على جائزة أو وفاته لا سمح الله في بعض الحالات، حيث يتم تداول اللوحات في مزادات عالمية بأسعار خيالية، تمامًا كما يحدث في سوق الأسهم، مما يجعل العمل الفني له قيمة وثمن يعرفه من يجيد خوض سوق الاستثمار الفني. مثال ذلك لوحة صغيرة لفنان سعودي معروف مثل محمد السليم أو عبدالحليم رضوي رحمهما الله، كانت تُباع بمئات الريالات في بداياتهم، واليوم تباع بمبالغ قد تتجاوز مئات الألوف. فاللوحات الفنية ليست مجرد عناصر للزينة، بل يمكن اعتبارها أصولًا ثقافية ذات قيمة مالية متزايدة، وهذه ثقافة يجب نشرها بالمجتمع السعودي.

وهناك نماذج ناجحة من معارض اللوحات الصغيرة في السعودية حيث شهدنا عددًا منها تبنتها جهات حكومية وجهات خاصة كالجمعية العربية للثقافة والفنون بفروعها بالمملكة والجمعية السعودية للفنون التشكيلية بفروعها والعديد من الغاليريات الخاصة التي اشتهرت بتنظيم جيد لهذا النوع منها رغم صعوبة السيطرة عليها في العرض، لكن جمال عرضها ينسي كل الجهد والتعب، مثل تجربة إتلييه جدة وغاليري رؤية الفن وغيرها من التجارب والأسماء، ولابد من ذكر وجود مزادات إلكترونية لمبادرات فردية تعرض مثل هذه اللوحات الصغيرة تواكب عصر التقنية الحديث للانتشار العالمي.

وفي الخاتمة لا يمكن إغفال أهمية دعم الجهات المعنية بالفنون التشكيلية الذي يتطلب ترسيخ ثقافة اقتناء اللوحات الصغيرة دعمًا من الجهات الرسمية مثل وزارة الثقافة، وهيئات الفنون البصرية، والجمعيات التشكيلية، وهذا يشمل: إطلاق حملات توعية. تشجيع الشركات والبنوك على شراء وتوزيع أعمال فنية صغيرة كنوع من المسؤولية المجتمعية. إدماج الفنون البصرية ضمن مبادرات جودة الحياة. حيث تركز رؤية المملكة 2030 التي أطلقتها المملكة ونادى بها سمو ولي العهد أيده الله للاهتمام بالاقتصاد الإبداعي بأشكاله وتنويعاته المختلفة، ويُعد اليوم الفن التشكيلي واحداً من أهم أسس الاقتصاد الإبداعي في المملكة.