تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الفن التشكيلي في اليمن بين الجهود الشخصية والعمل المؤسسي

الفن التشكيلي في اليمن بين الجهود الشخصية والعمل المؤسسي

الفن التشكيلي في اليمن بين الجهود الشخصية والعمل المؤسسي

بلال قائد عمر

لم يُعرف الفن التشكيلي في اليمن على نطاق واسع، فالفن التشكيلي حديث النشأة في اليمن حيث لم يعرفه اليمنيون إلا بعد قيام ثورة سبتمبر ومعها عرف اليمنيون العصر الحديث.

يعتبر هاشم علي رائد الفن التشكيلي في اليمن حيث كان الفن التشكيلي مجرد شخبطات على الأوراق واللوحات. فقد نقل هاشم علي الفن التشكيلي من مرحلة البدايات الى مرحلة النضوج المبكر ومن ثم جاء عبدالجبار نعمان، وفؤاد الفتيح، وآمنة النصيري -كأول امرأة يمنية تتخصص في مجال الفن التشكيلي-، وريما قاسم. و تعتبر فترة الثمانينيات والتسعينيات فترة الازدهار الذهبي للفن والفنانين التشكيليين حيث ظهرت الأسماء التي ذكرناها سابقا وآخرين أمثال عدنان جُمن، ومحمد اليمني، والمرحوم عبداللطيف الربيع، وطلال النجار، وحكيم العاقل.

جدير بالذكر أن بدايات الفن التشكيلي في اليمن بشطريه سابقا مبهمة لأننا لم نجد من يؤرخ له، ولم نجد أي وثائق أو مقالات تتناول هذا الجانب المغيّب من التوثيق. إلا ان الكثير يؤرخ للفن التشكيلي منذ ظهور الرائد هاشم علي وهو الذي شكل منعطفاً هاماً، وبداية حقيقية.

و بالرغم من ظهور أسماء قبل هاشم علي إلا أن الكثير من الفنانين لم يتم اعتبارهم فنانين تشكيليين بالمعنى الحرفي، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن هاشم علي قد تتلمذ على يد الفنان «محمد العقيلي» الذي اشتهر في تلك الفترة برسم اللوحات الزيتية العملاقة حسب ما ذكر التشكيلي عدنان جُمن. وانتقلت حركة الفن التشكيلي بعد ذلك لمدى أوسع بعد ان ابتعث الشطران الجنوبي والشمالي مجموعة من الفنانين لتأهيلهم أكاديميا، والذين عادوا وأثروا الحركة التشكيلية. إلا ان حركة التشكيليين تراجعت بعد ذلك لتقاعس الدولة عن الاهتمام واتجاه الكثير من الفنانين إلى الأعمال الخاصة.

وفي الوقت المعاصر، يعتب جُمن على التشكيليين الشباب لأنهم يلهثون خلف الشهرة والجوائز ولا يهتمون بتكوينهم الفني ودراسة المدارس الفنية وتطوير مهارات الرسم أكاديميا وبذل الوقت في مراسمهم. كما يلوم وزارة التربية لعدم تخصيصها حصصاً للتربية الفنية كلها. وبالنسبة لجُمن فإن الفن التشكيلي اليمني لم يستطع أن يضع قدمه على طريق واضح يخرجه من بوتقة المحلية والاعتراف به عربياً ودولياً، وان ما نراه اليوم هو حالة تخبط لأسباب كثيرة ولعل أهمها غياب اهتمام الدولة عموما بالفن والثقافة واستحواذ ثلة من قليلي الموهبة على المشهد التشكيلي.

يتفق مع جُمن الفنان التشكيلي طلال النجار ويضيف أن كل محاولاتهم في الرُقي بالفن التشكيلي والتأسيس له باءت بالفشل فالكثير منهم توقفوا عن ممارسته وهو شخصيا اعتزل.

أما الفنانة ألطاف حمدي فترى أن الفن التشكيلي شهد نقلة نوعية منذ عام 2004م وافتتاح معرض دائم لعرض اللوحات التشكيلية للفنانين، وافتتاح بيوت للفن التشكيلي في عدة محافظات لتعليم الرسم وعرض لوحاتهم وهو ما أسهم في اتساع مساحة الفن التشكيلي في اليمن وأتاح الفرصة للكثير أن يظهروا ويعرضوا نتاجهم ويثبتوا وجودهم ليتحول الأمر من جهود ورعاية الى دور وإيمان الفنان بموهبته ودوره، وفرصته في الانتقال من المحلية للعربية فالعالمية. وفيما يخص النقابة هي لا تنكر انه كان للنقابة سابقا دور في إثراء الحركة التشكيلية اليمنية فهي قد حولت الحركة التشكيلية من جهود شخصية إلى عمل مؤسسي راقٍ وضخ دماء جديدة إلا أن افتتاح بيوت للفن قلص من دور النقابة. واختتمت حديثها بأن اللوحة هي رسالة بصرية تنقل حاضر الحياة اليومية للمجتمع وتشكل صورة ثقافية لهذا المجتمع.

ويقول الفنان محمد مقبل سلطان أن الفن التشكيلي متدفق في كل الأحوال ورغم كل الصعوبات، لأن الفن التشكيلي عبارة عن مشاعر تتفاعل وتعبر عن المحيط العام والخاص. وهو يؤكد على أن وجود دماء جديدة حتمي وطبيعي لأنه أساس التنوع وشحذ لهمم الجيل الجديد. ويحلم الفنان محمد سلطان بوجود نقابة فغيابها له أثر كبير في التنسيق مع كافة الجهات الداخلية والخارجية لإقامة الفعاليات والمعارض وتلمّس هموم الفنانين والتفاعل معهم.

و تتفق الفنانة غادة الحداد مع ألطاف في أن حركة الفن التشكيلي في نمو متصاعد وأن عام 2004م كان عام ازدهار للحركة حيث أبرزت الفعاليات والأنشطة والحراك الثقافي العديد من التشكيلين في مختلف المحافظات وأن بيوت الفن التي أنشأت ذلك العام ساعدت على استمرار حضورهم عبر الورش والمشاركات وتوفير أبسط الحقوق والتمكين من الحصول على فرص التمثيل الداخلي والخارجي.

وأضافت أن بيوت الفن قد ساهمت في تغيير إيجابي في الوعي المجتمعي وجعله أكثر إدراكا لأهميته في الواقع الثقافي والإنساني. واختتمت حديثها منوهة بأن الحركة التشكيلية تمر الأن بفترة إخفاق بسبب ما تمر به اليمن من ظروف الحرب وهو ما سبب اختفاء وتوقف الكثير خلال هذه المرحلة. وهي مازالت على أمل أن يعاد تشكيل نقابة للفنانين التشكيلين ككيان نقابي لتحمي حقوقهم.

واستعرض الفنان حمود الضبيٌاني المشهد التشكيلي منذ نشأته والمدارس التي توالت عليه منذ أن قامت ثورة السادس والعشرين وحتى القرن الواحد والعشرين. فقد كان من أهم ما خُطط له من استراتيجية مستقبلية تتعلق بالثقافة والفن بشكل عام وكيفية دعم الدولة ومؤسساتها حتى تستطيع ان تقوم بدورها في تحويل الوعي الاجتماعي إلى قيم جمالية. وقد تابع المؤسسات التي لعبت دورا بارزا في تطوير ونشر مبادئ الفنون البصرية وهي جماعة الفن المعاصر التي أنشئت عام 2000م، ومؤسسة العفيف الثقافية اللتان أدركتا أهمية الفن التشكيلي وحاولتا ربط وتطوير الحركة التشكيلية بالداخل والخارج والحد من الركود المخيم على الفن المحلي، وقامتا بوضع عدة مبادئ في محاولة للإسهام في رفد الحركة الثقافية عامة والتشكيلية خاصة.

ويؤكد صاحب التجربة المختلفة التشكيلي محمد اليمني أن العمل الإبداعي في الغالب عمل فردي يخضع للبواعث والمحفزات التي تحيط بالفنان، ولكل فنان ظروفه ومنطلقاته الخاصة.
وهو يرى أنه من الطبيعي جدا أن يكون الحراك التشكيلي في مجتمع ما هو انعكاس وصدى لما يمر به المجتمع، وفي اليمن الذي خاض صراعات واضطرابات سياسية عنيفة في العقدين الأخيرين قد رمى بظلاله على الفن التشكيلي من خلال الاختلالات التي صاحبت الحركة التشكيلية، ويأسف أن بيوت الفن التي افتتحت سابقا قد أغلقت على مراحل. واستمر بالقول ان حضور النقابة او غيابها لا يمثل فرقاً بالنسبة للفنان خصوصا مع ما شاب النماذج النقابية من عدم النزاهة وغياب الشفافية.

ويضع نهاية هذه المادة رئيس قسم التربية الفنية بجامعة إب الدكتور ياسر العنسي الذي يتفق مع بعض الفنانين أنه منذ عام 2004م وحتى عام 2007م شهدت الحركة التشكيلية ازدهاراً وانتعاشاً على جميع المستويات شملت الجيل الأول من الرواد والثاني والثالث من الفنانين الشباب حيث ساهمت الوزارة في تنظيم المعارض وطباعة الكتالوجات للفنانين والاقتناء الدائم منهم وقامت باعتماد سيولة مالية تضمن استمرار المعارض وبيوت الفن. وأضاف «ومثلما بدأت وانتعشت مثلما انحسرت وتراجعت تدريجيا للوراء» حتى وصلت لحالة من الركود والتوقف.

ومن وجهة نظر العنسي فإن النقابات والجمعيات لا تقدم ولا تؤخر بل ربما تساهم سلباً في الكثير من الأوقات. فلم تكن النقابات هي سبب نجاح او فشل الحركة التشكيلية. وهو يضع آماله في الفنانين أنفسهم ممن آمنوا بفرديتهم وقدراتهم. ويرى أن الشباب ممن يمثلون اليمن في المحافل الدولية يساهمون إيجابياً في تحديد الملامح الحقيقية للحركة التشكيلية اليمنية إذا ما تم رعاية هذه الطاقات و ارسالها للدراسة في الخارج.

 

 

1 أفكار بشأن “الفن التشكيلي في اليمن بين الجهود الشخصية والعمل المؤسسي”

  1. تنبيه Pingback: عبير حضرموت… سيرة شابة يمنية تعبق بالحُب – Khabr Press

التعليقات مغلقة.