تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » حكايات فنية …. الطبيعة والفن التشكيلي

حكايات فنية …. الطبيعة والفن التشكيلي

حكايات فنية .... الطبيعة والفن التشكيلي

 

د. زكريا أحمد*

 

هناك مقولة دائماً وأبدًا يرددها الفنانون وهي “الطبيعة خير معلم”: نفهم من هذه العبارة أن الفنان علي مر العصور، يتعلم من الطبيعة ويستلهم منها”، و كان الفن في العصور الوسطى يقتصر علي تعاليم الكنيسة وتوجهاتها الصارمة، التي كانت تلزم الفنانين بالالتزام بقواعد معينة لا يحيدون عنها، إلي أن جاء الفنان الإيطالي (جيتو) في القرن الرابع عشر الذي يعتبر مقدمة لعصر النهضة، حيث بدأت تظهر الحيوية في أعماله، بعدما كانت الشخوص جامدة وكأنها شخوص خشبية وبلا روح، نري (جيتو) وقد أضفي عليهم روحا وحياة.

ومن مظاهر التجديد في أعمال (جيتو) إضفاء الحركة علي الشخوص وظهرت المناظر الطبيعية في خلفية العمل، وكانت بشكل بسيط ولكنها أضافت جمالا للشكل، وللموضوع المرسوم. ومنذ ذلك الحين انتشرت المناظر الطبيعية في أعمال فناني عصر النهضة، ونرى (ليوناردو دافنشي) في لوحته الشهيرة الموناليزا. وقد رسم في الخلفية حدائق وأشجارا وبحيرات. واستمر الحال علي هذا المنوال إلي أن احتلت الطبيعة موقع الصدارة في الأعمال الفنية عند الرومانسيين، كما نري في أعمال المصور الإنجليزي (كونستابل) ومن بعده الفنان الفرنسي (كاميل كرو)، وبأعمال هؤلاء أصبح للطبيعة حضورا قويا.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت المدرسة التأثيرية والتي أعلنت الثورة والتمرد علي الفنون التقليدية، ودعت الفنانين للخروج من المراسم الي أحضان الطبيعة التي ألهمتهم إبداع أعمال مازال يحتفي بها الكثيرمن متاحف العالم. لما تملكه من نقلة جمالية لفن التصوير لما قبل القرن التاسع عشر. وكان لتنامي الاكتشافات العلمية الأثر الأكبر لظهور المدرسة التأثيرية وتحديدا كشف العالم الإنجليزي (إسحاق نيوتن) عن الضوء وتحليله، وأثبت أن شعاع الضوء الأبيض بمروره في منشور زجاجي، فإنه يتفرق الي سبع ألوان، وهي ألوان الطيف. وانعكس ذلك علي الفنانين التأثيريين.

وبذلك تألقت أعمالهم لونيا وأصبحت أكثر بهجة عمن ذي قبل. وتراقصت الأشجار والجبال والبحار والصخور علي أسطح اللوحات واختفت الظلال السوداء وحل محلها الظلال الزرقاء والرمادية والبنفسيجية، وأصبح ضوء الشمس بألوانه الساخنة الأصفر والأحمر والبرتقالي. وقد برع (كلود مونيه) بأعماله ولوحاته التي عبرت خير تعبير عن فلسفة الاتجاه التأثيري ، حتي إن اسم المدرسة التأثيرية جاء من أحد لوحاته التي كان يرسم تأثير ضوء الشمس علي أحد كاتدرائيات باريس. وقد برع مع (مونية)، العديد والعديد من الفنانين أمثال، (كاميل ببسارو، رينوار، ديجا ) كل هؤلاء احتفلوا بالطبيعة والضوء علي سطح لوحاتهم.

واشتق من التأثيرية اتجاه آخر. عرف (بالتأثيرية التنقيطية). وقد برع في هذا الاتجاه (جورج سوراه). وبعد التاثيرية، جاء (فان جوخ)، الذي أنضم للتاثيريين في بدياته وبعد ذلك أبدع أسلوبا ارتبط باسمه إلي الآن، امتاز بالتعبيرية . وظهرت الحقول الفسيحة والأشجار والنباتات علي أسطح لوحاته. ومن أشهر ما رسم (فان جوخ ) لوحة (عباد الشمس) ، ولوحة (زهرة الخشخاش ).

ومن الفنانين الذين استفادوا من الطبيعة وتأثروا بها وقدموا أعمالا أضافت كثيرا للفن الحديث. (بول جوجان )، الذي أبدع أسلوبا يميل للرمزية. وكانت لوحاته في (جزيرة تاهيتي). عنوانا لأعمال (بول جوجان) . ويأتي بعد ذلك الفنان (بول سيزان) الذي استلهم من الطبيعة أسلوبا فنيا يرجع الأشياء إلي أصولها الهندسية، الإسطوانة، والمخروط، والمكعب. هذا الأسلوب الذي فتح المجال لظهور مدارس فنية جديدة. مثل المدرسة التكعيبية التي أسسها (بابلو بيكاسو وجورج براك) . وقد لقب (سيزان ) أبو الفن الحديث، ولم يتوقف تعلم الفنانين واستلهامهم من الطبيعة عند هذا الحد ولكنهم مازالوا يتعلمون منها حتي اليوم.

*أكاديمي مصري