استطاعت فاطمة مثنى الفتاة اليمنية التي لم يتعدَّ عمرها 30 عامًا، أن تثبت حضورها كمطربة تغني للكبار من العاصمة المصرية القاهرة، إذ تجاوزت بموهبتها وفنها القيودَ التي يفرضها المجتمع اليمني المحافظ الذي لا يتقبل عمل المرأة في مجالات الفنون والأعمال التي تختلط النساء فيها بالرجال.
استطاعت فاطمة، رغم صغر سنها، أن تكسر العديد من “التابوهات” لتشقّ طريقها بثبات وثقة، إذ بزغت موهبة فاطمة الفنية في سن 11 عامًا، حينما اكتشفت والدتها حسها الفني وصوتها العذب؛ ما دفعها لتشجيعها والوقوف بجانبها إلى أن خطت الفتاة خطواتها الأولى من مسقط رأسها في العاصمة صنعاء (شمال اليمن).
قدِمَت مثنى إلى مصر قبل سنة واحدة، لدراسة الموسيقى وصقل موهبتها والمشاركة في فعاليات موسيقية وفنية ممثلة لليمن، حيث غنّت مؤخرًا برفقة فرقة أم كلثوم، لتصبح أول فتاة يمنية تغنّي على واحد من أهم وأكبر المسارح المصرية (مسرح مكتبة الإسكندرية) بقيادة المايسترو الدكتور محمد عبدالستار، رئيس قسم الغناء في أكاديمية الفنون.
تتحدث مثنى عن جهود والدتها التي اكتشفت موهبتها ونمتها منذ وقت مبكر، تقول فاطمة لـ”خيوط”: “بدأت رحلتي الفنية في 2003، حيث كنت أشارك في العديد من الحفلات المدرسية وفعاليات الاحتفال بالأيام الوطنية التي تقام في العاصمة صنعاء، إلى جانب مشاركتي في عدد من الحفلات الإنسانية والفعاليات الخاصة بالمرأة”. تضيف مثنى: “حينما سمعتني والدتي أغنّي، شجعتني كثيرًا ووقفت إلى جانبي، إلى أن تعرفت على أحد المنتجين اليمنيين، حيث قام بإنتاج أول ألبوم لي”.
كان الغناء على مسارح عربية شهيرة أشبه بحلم يراود فاطمة على الدوام، إلى أن تحقق هذا الحلم بالغناء في 14 أغسطس/ آب على مسرح مكتبة الإسكندرية
في 2021، التحقت مثنى بالمعهد العالي للموسيقى العربية (أكاديمية الفنون)، تحت إشراف الدكتور محمد عبدالستار، الذي وقف على رأس الفرقة التي رافقتها في حفلها الأخير في مسرح مكتبة الإسكندرية.
نشأة فنية
نشأت فاطمة في أسرة فنية داعمة، ابتداءً بوالدتها، مرورًا بوالدها الذي كان صاحب أذن موسيقية، ومن ثَمّ إخوانها الثلاثة: الحسن والحسين؛ وهما منشدان وممثلان، إلى جانب أحمد وهو مغنٍّ، هذا الجو الفني ألقى بأثره على موهبة فاطمة وذائقتها الفنية التي تطورت بشكل كبير بفعل هذه البيئة المحفزة والمشجعة على الفن، تستطرد فاطمة: “ربنا يبارك لي في عائلتي الذين كانوا خير سند، إذ تجاهلوا كل المعوقات الاجتماعية، بل إنّ إخواني الحسن والحسين سبق وشاركوني دويتو حظيَ بإعجاب وترحاب من قبل الجمهور، كما لا أنسى وقوف ودعم زوجي اللامحدود لي”.
وعن الصعوبات التي واجهتها، تقول مثنى: “أنا امرأة يمنية، ولليمنيين عادات وتقاليد محافظة جدًّا، إذ يعتبرون غناء المرأة عيبًا، وينظرون لظهورها بأنه كسر للعادات والتقاليد اليمنية”، وتسترسل قائلة: “سمعت عبارات مثبطة عدة انتقدتني، ككلمة: عيب، وما ينفعش، وصوت المرأة عورة”، لكن وحده دعم أسرتها، كما تقول، هو من هوّن عليها كل هذه المعوقات.
أول خطوة
كان الغناء على مسارح عربية شهيرة أشبه بحلم يراود فاطمة على الدوام، إلى أن تحقق هذا الحلم بالغناء في 14 أغسطس/ آب على مسرح مكتبة الإسكندرية؛ تقول فاطمة حول هذه الخطوة: “كان حلم عمري أن أغني على مسرح عربي شهير، وجاءت فرصتي من مصر، بفضل الدكتور محمد عبدالستار (أستاذها بالمعهد العالي ورئيس فرقة أم كلثوم للموسيقى العربية)، حيث أبدَى انبهارًا بصوتي”، وفق حديث فاطمة، وعرض عليها مشاركته في الحفلات، وهو ما تحقق في منتصف أغسطس/ آب الماضي 2022.
خلال مشوارها الفني المبكر، ترى فاطمة أنّ هناك الكثير من المتغيرات طرأت. في المقابل، تعتبر نفسها محظوظة إذ نجحت بعض أغانيها نجاحًا وضعها في الواجهة. “وأنا صغيرة، قمت بتقديم بعض الألبومات الغنائية، لكن عصر الألبومات انتهى، الآن بات الاعتماد على الأغاني السينجل حصانًا رابحًا، لقد غنّيت مع زميلي الفنان هشام الحسني أغنية (أغار عليكِ)”، والتي تؤكد أنها أعادتها للواجهة مجددًا.
“أول ما التحقت بالأكاديمية بعد امتحان القبول، أعجب بصوتي أعضاء اللجنة كثيرًا، وقال لي الدكتور محمد عبدالستار، رئيس قسم الغناء بأكاديمية الفنون: “تغنين بشكل مختلف عن الآخرين”، فيما يحرص أساتذتي في الأكاديمية على سماع صوتي وغنائي أثناء المحاضرات، إذ يقولون لي: صوتك شبيه بصوت الفنانة المصرية القديرة سعاد محمد”.
“مؤخرًا، بدأت أغني باللهجة المصرية، لأني أؤمن كثيرًا أنّ انطلاقة أي فنان تأتي من مصر، غنائي بالمصري سيكون جنبًا إلى جنب الغناء باللهجة اليمنية التي أعشقها كثيرًا”، تضيف فاطمة.
تحلم مثنى أن تصل الأغنية اليمنية لمستوى عربي وعالمي، مؤكدة أنّ ردود فعل الناس في حفلتها الأخيرة جميلة جدًّا، سواء كانوا يمنيين أو مصريين، منوِّهة إلى أنّ هناك يمنيين جاؤوا خصيصًا لدعمها من القاهرة للإسكندرية.
مثنى أشارت أنّ غناءها باللهجة المصرية نال أعجاب واستحسان وتفاعل المصريين، حيث غنت للراحلة سعاد محمد، فيما كان ابنها (كرم) في المقاعد الأولى يغني معها طوال الحفلة، وأبدت إعجابها بالكثير من الأصوات المصرية، مثل شيرين عبدالوهاب.
رسالة سلام
واجهت مثنى انتقادات لكونها أنثى، لكنها قابلت هذه الموجة بمزيد من الإصرار والعمل الدؤوب. “نقدم رسالة وفنّ راقٍ، لا نحمل بندقية ولا نحرّض على أحد، مهمتنا فيها الكثير من المعاني التي تدعو للسلام والحب، إن لم يكن بوسعكم دعمنا، اتركونا نكمل المشوار ونقدم ما لدينا”، تستطرد مثنى.
الجدير بالذكر، أن فاطمة مثنى تخرجت من قسم الإذاعة والتليفزيون، بكلية الإعلام – جامعة صنعاء سنة 2014، ولديها العديد من الأغاني التراثية التي أعادت إحيائها، منها: “قد علَّموه”، “روح”، “ما مرك الشوق”، “يا طائرة سيري على بلادي” والتي تحدثت خلالها بلسان كل يمني مهاجر عن بلاد مملكة سبأ، حيث قامت فاطمة بغنائها في أول أسبوع لها بعد قدومها إلى مصر.
المصدر/منصة خيوط