تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » المَسْرَح اليمنيّ.. من الميلاد الكبير مع شكسبير إلى الموت السريريّ

المَسْرَح اليمنيّ.. من الميلاد الكبير مع شكسبير إلى الموت السريريّ

المَسْرَح اليمنيّ.. من الميلاد الكبير مع شكسبير إلى الموت السريريّ

 

عبدالرحمن أحمد عبده
بدأ المسرح اليمنيّ تاريخَه كبيرًا، ولا مبالغة في قول ذلك، فقبل 122 عامًا، قُدِّم أول عرض للفرجة في مدينة عدن، بمسرحية (يوليوس قيصر)، وهي واحدة من أشهر أعمال المؤلف المسرحي وليم شكسبير، بعد حوالي ست سنوات من ظهور المسرح في عدن، بواسطة فرقة هندية قدّمت أولَ عروض واسكتشات تمثيلية عام 1904م.

ولم يقتصر الأمر على ميلاد أول فريقِ تمثيلٍ يتصدّى في بدايته، لعمل ملحميّ كبير كهذا، بل تلك البداية سجلت، أيضًا، أسبقية لليمنيين في الترجمة الأولى لمسرحية (يوليوس قيصر) من الإنجليزية إلى العربية.

حكاية تلك البداية الكبيرة لم تجد من يجلي تفاصيلها، لجهة تقييم العرض المسرحي الأول لمسرحية (يوليوس قيصر) في مدينة عدن، غير أنّ الفضل يعود إلى المخرج والناقد المسرحي الراحل أحمد سعيد الريدي، الذي كشف في كتابه (قراءة نقدية معاصرة لتاريخ المسرح اليمني)، غير المطبوع، أنّ حمود بن حسن الهاشمي المعروف بـ”المستر حمود” (1867م-1939م)، هو أوّلُ عربيّ يقوم بترجمة مسرحية (يوليوس قيصر) من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية في تاريخ الأدب العربي الحديث، وبالتالي يمكن القول إنّ اليمنَ أولُ بلدٍ عربيّ يقدّم تلك المسرحية.

كان حمود الهاشمي ناظرًا للمعارف في مدينة عدن، وفي العام 1910م شكّل أول فريق للتمثيل من طلبة المدرسة العربية الحكومية، التي كان مديرها وقتذاك الأستاذ عبدالرحيم خان. قدّم ذلك الفريق التمثيلي مسرحية (يوليوس قيصر)، لشكسبير، في ميدان التنس التابع للجالية الفارسية، حينها، واشترك الأستاذ أحمد محمد آل يعقوب في المسرحية ولعب دور (بروتس)، بينما قام الاستاذ محمد عبدالحميد المكاوي بدور (يوليوس قيصر). ويؤكّد المؤرّخ المسرحي والمرجعية الأولى في تاريخ المسرح، الأستاذ عمر عوض بامطرف (1928م-2009م)، أنّ (المستر حمود) هو الذي أشرف أيضًا على إخراج المسرحية وتدريب وتلقين الممثلين، استنادًا إلى رواية بطلها الأستاذ أحمد محمد آل يعقوب.

يُستنتَج ممّا سبق، أنّ مسرحية (يوليوس قيصر)، قد قُدّمت لأول مرة في تاريخ المسرح العربي بمدينة عدن 1910م، وهذا ما أكّده فعلًا الناقد المسرحي الراحل أحمد الريدي، في بحثه عن صياغة جديدة لتاريخ المسرح اليمني، بعنوان (قراءة نقدية معاصرة لتاريخ المسرح اليمني)، نشر في صحيفة 14 أكتوبر الحكومية، الصادرة في عدن، عام 2001م، 14 حلقة من الكتاب، الذي احتفى بمضمونه، حينها، المؤرخ بامطرف.

ومن المرجح أن يضمّ كتاب الريدي الكثيرَ من المعلومات في تاريخ المسرح اليمني، وخاصة في جنوب اليمن، فقد اعتمد على البحث الأكاديمي التوثيقي العلمي، وعاد إلى مراجع عديدة، محلية وأجنبية، وخاصة الأرشيف البريطاني، وهذا الأمر يستدعي الاتفاق مع أسرته على طباعة هذا الكتاب الهامّ.

وفي كتابه (سبعون عامًا من تاريخ المسرح اليمني)، يؤكّد سعيد العولقي أنّ أول مسرحية قام بها ممثّلون يمنيون علنًا، كانت مسرحية لشكسبير، يوليوس قيصر، مترجمة إلى العربية، وتم عرضها في مدينة عدن عام 1910م.

كما قدّم الفنّان محمد الدقمي مسرحية (جزاء الخيانة) عام 1948م، في مدينة عدن، مأخوذة من مسرحية (عُطَيل)، لشكسبير، وقد كيّف أحداثها، مع إعادة صياغة المشهد الأخير بنهاية سعيدة.

وفي كتابه (المسرح في اليمن؛ تجربة وطموح) أشار المخرج المسرحيّ الفلسطينيّ، حسين أسمر، إلى المسرح المدرسي في عزلة الأعبوس بمديرية حيفان، محافظة تعز (شمال اليمن). ففي مطلع سبعينيات القرن الماضي، قدمت مدرسة (الفلاح) مسرحية (تاجر البندقية)، لوليم شكسبير.

التعاطي الناضج مع أعمال شكسبير

لسنا هنا بصدد حصر أعمال شكسبير التي قدّمها المسرح اليمني، ولكن هي إضاءة على بداية هذا المسرح مع المؤلف المسرحي العالمي، في العام 1910م، بالإضافة إلى تجارب التعاطي مع بعض تلك الأعمال، لاحقًا.

في العام 2004م، كان المسرح اليمني على موعد مع تجربة ملفتة للفنّان علي أحمد يافعي، عندما قدّم، في مدينة عدن، مسرحية (المربع الأرجواني)، التي عكست القدرات الحقيقية لفنّاني المسرح في البلاد، وكانت مثل ثمرة ناضجة لتزاوج الخبرة بالدراسة الأكاديمية لفنّ المسرح ومدارسه المختلفة. فقد أثبت هذا العرض أنّ المسرح اليمنيّ يمتلك نجومًا كبارًا قادرين على العطاء، ولكن في مسرح فقير يفتقد للخشبة والمكملات الفنية اللازمة في الديكور والإضاءة والملابس والصوت والإكسسوارات.

قال الفنّان علي أحمد يافعي، حينها، إنّه اعتمد بشكل شبه كلي، على الممثّل في رؤيته الإخراجية لمسرحية (المربع الأرجواني)، التي أعدّها كتوليفة مسرحية واحدة ذات نسق درامي متصاعد، لمشاهد من أربع مسرحيات لوليم شكسبير (يوليوس قيصر، هاملت، ريتشارد الثالث).

قُدّمت مسرحية (المربع الأرجواني) في عرضين فقط، الأول في مايو 2004م بمدينة عدن، ضمن (مهرجان ليالي عدن المسرحية)، والثاني في ديسمبر 2004م، خلال فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية.

وعن إعداده لمسرحية (المربع الأرجواني)، قال اليافعي: “بالنسبة لي كمخرج هو أنّ هذا أولُ عمل أخرجه لشكسبير، والأمر الآخر إعجابي كقارئ بتلك المشاهد/ المناظر في أعمال شكسبير، ففكرت في كيفية توليفها بعمل واحد ذي نسق معين. ونوّهت إلى عدم الحكم على العرض باعتباره من مدرسة شكسبير، هو يحمل روح شكسبير، ولكن الرؤية والعرض نستطيع أن نسميه ما نشاء من التسميات؛ مسرح حر، مسرح تجريب، …”.

التجربة الأكثر إثارة في تعاطي المسرح اليمني مع أعمال شكسبير، كانت في العام 2004م، أيضًا، بمدينتَي عدن وصنعاء، فبعد 94 عامًا من عرض مسرحية (يوليوس قيصر) باللغة العربية عام 1910م، قدّم طلبة جامعة عدن تلك المسرحية باللغة الإنجليزية، كما كتبها وليم شكسبير، ليسجّلوا مفارقة تاريخية لم يحسبوا أمرها.

وباقتدارٍ واضح، أقدم المخرج المسرحي جميل محفوظ ومساعده الفنّان فؤاد هويدي، على مغامرة محسوبة النتائج، عندما عرض مسرحية (يوليوس قيصر) الشهيرة باللغة الإنجليزية، بواسطة فريق موهوب من طلبة جامعة عدن، وعُدّ أول عرض مسرحي متكامل باللغة الإنجليزية يُقدَّم في اليمن، استمرّ ساعة ونصف الساعة.

ولثقته بنفسه وبقدرات فريقه التمثيليّ، قال المخرج جميل محفوظ، حينها: “نحن قادرون على تقديم هذا العرض حتى في لندن موطن شكسبير”.

مسرحيّون يمنيّون وضيوف أجانب، شاهدوا عرض المسرحية، في صنعاء، فاجأتهم القدرة الملحوظة لشباب يقف لأول مرة على خشبة المسرح، استطاعوا تقديم مسرح شكسبير بلغته الأمّ، وجمعوا في عرضهم بين إجادة اللغة الإنجليزية والحفاظ على أداءٍ مسرحيٍّ جيّد.

بين نشأته الكبيرة ومساره الطويل، منذ ذاك وحتى اللحظة، شهد المسرح اليمني فترات مختلفة من النهوض والانكفاء، حتى وصل إلى موتٍ سريريّ، في السنوات الأخيرة، ولم يحظَ بخشبة مسرح حقيقيّة.

نقلاً عن منصة “خيوط”