تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » موسيقار يمنيّ يُسخّر إمكاناته لتعليم الموسيقى مجانًا 

موسيقار يمنيّ يُسخّر إمكاناته لتعليم الموسيقى مجانًا 

موسيقار يمنيّ يُسخّر إمكاناته لتعليم الموسيقى مجانًا 

 

“أقطع كل يوم نحو 7 كيلومترات، في الغالب مشيًا، وصولًا إلى معهد تعليم الموسيقى، لا غاية لي سوى تعليم الموسيقى للشباب، وإعادة الاعتبار لثقافة السلام في المجتمع. في فترة الحرب كان لابد أن نواجه صوت الصواريخ والرصاص بصوت مختلف هو صوت الموسيقى»، يقول الموسيقار اليمنيّ عبدالله الدُبعي الذي تحمل، بمبادرة منه، مسؤولية تأسيس المعهد الموسيقي بالمركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة، ويكمل”فوجئتُ بإقبالٍ كبير من الشباب والفتيات على تعلم الموسيقى؛ وهو إقبال يتزايد منذ انطلق المشروع عام 2018م، حتى استطعنا بعد 3 سنوات تخريج الدفعة الأولى المكونة من 37 موسيقيا، والآن نعد لتخريج الدفعة الثانية من 17 موسيقيا”.

قبل الحرب بسنوات كان اليمن قد فقد معظم أعضاء فرقته الوطنية للموسيقى(حكومية) ، الذين كانوا ينتمون جميعًا لجيل واحد هو جيل التأسيس، ومن ثم أصبح البلد بدون فرقة متكاملة؛ فرأى الموسيقار الدُبعي، وهو عازف كمان وآلات أخرى، ومن أعضاء الفرقة الوطنية للموسيقى…أنه آن الأوان، في ظل الحرب، لتأسيس المعهد، وبالفعل انطلق بالمبادرة، وكان في مقدمة أهدافه تخريج عازفين شباب يحلوا محل الجيل المؤسس للفرقة الموسيقية الوطنية؛ وبالفعل استطاع؛ بعد 3 سنوات تخريج أول دفعة الذين شكلوا ما تُعرف بـ “الفرقة الوطنية الشبابية”، تقودها ابنته ريام عبدالله.

يقول الموسيقار الدُبعي، “صحيح هذه الفرقة أصبحت محترفة للموسيقى؛ وصار عدد منهم يعملون في فرق مختلفة؛ ولهم أعمالهم ومشاريعهم، لكن تبقى هذه الفرقة بحاجة ماسة لرعاية واهتمام وزارة الثقافة للمحافظة عليها؛ ما لم فستختفي وسط ظروف الحياة المعيشية الصعبة، وتضيع جهودنا هباء، وكذلك الحال مع الدفعة الثانية التي نُعد لتخريجها قريبًا”.

يلقى المعهد اقبالاً كبيرًا من الشباب والشابات، الذي يتخذ من إحدى غرف المركز الثقافي مكانًا للتعلم والتدريب المجاني، يقول “أحيانا أحضر للمركز، ولا أملك ريالا، لكن هذا مشروع رأيت أن أفيد من خلاله بلدي، وانقل تجربتي الموسيقية للشباب”. “وفوجئت بشغف كبير من الشباب لتعلم الموسيقى، بل بعضهم يأتون من خارج صنعاء ، وبعضهم من مناطق بعيدة، وهناك من يعانون من ظروف صعبة للغاية، ومع ذلك يحضرون لتعلم الموسيقى، كأنهم يجدون في الموسيقى ضالتهم، التي يعبرون من خلالها عن هوياتهم ومواهبهم التي كانت فقط بحاجة إلى معهد موسيقي”،ويكمل:” بالنسبة لي أعمل مجانًا، وأحضر كل يوم باستثناء يوم الجمعة؛ بل أنني اشتغل حتى في الأعياد والمناسبات“.

يفتقد اليمن منذ نهاية التسعينيات لمعهد لتعليم الموسيقى باستثناء معهد جميل غانم بعدن ؛ إلا أن المعهد كان يعاني من مشاكل كثيرة تتعلق بالإمكانات.

واجه الدُبعي مشكلات وتحديات كثيرة، وفي المقدمة منها ثقافة المجتمع، التي مازالت تنظر للموسيقى والفن عمومًا بنظرة قاصرة، تكرست كثيرًا خلال الحرب؛ الأمر الذي يجعل البعض يتسبب له بين فينة وأخرى بمشاكل سواء بدعوى الاختلاط أو بدعوى أخرى.. علاوة على الإمكانات وتوفير الآلات…«فهذه مشكلة كبيرة واجهتني ؛فاضطررت إلى وضع الآلات الخاصة بي ممثلة في 4 كمانات وغيرها للطلاب للتعلم عليها؛ وبقيت المهمة صعبة حتى تلقينا دعم من وزارة الثقافة التي وفرت لنا 8 كمانات و4 قيثارات وعودين بجانب التي معي؛ وعلى الرغم من ذلك مازالت المشكلة قائمة لاسيما مع تزايد عدد المقبلين على تعلم الموسيقى، وتمثل الآلات مشكلة للطلاب الذين يضطرون أن يشتروا آلات خاصة بهم”.

الهرب نحو السلام

يواجه الطلاب والطالبات في المعهد مشاكل وتحديات فبالإضافة إلى عدم وجود الآلات الموسيقية المناسبة والكافية يصطدمون بثقافة المجتمع القاسية في نظرتها للفنون.

وتعتبر العازفة ريام عدالله، ثقافة المجتمع في مقدمة المشاكل التي تعاني منها “فالمجتمع ينظر نظرة غير لائقة للفنان عمومًا، لكنه ينظر نظرة أقل احترامًا للفتاة التي تمارس الفن، وبخاصة الموسيقى“.

علي النميري، التحق بالمعهد لتطوير هوايته في العزف على العود، وأصبح اليوم وبعد 3 سنوات من الدراسة والتدريب عازفا ماهرًا.. “خلال الحرب وجدنا في الفن ضالتنا للهرب نحو السلام” يقول.

كذلك الحال مع محي الدين العامري، الذي يعزف على العود والقيثار والكمان، فقد التحق بالمعهد كهاو…معتبرًا أن “تجاهي لتعلم الموسيقى في زمن الحرب جاء كوسيلة دفاع عن النفس وانقاذها من الوقوع في أتون العنف؛ فكانت الموسيقى قارب النجاة“.

مُنية العبسي، صوت غنائي جميل، مثّل لها المعهد فرصة لتحقيق حلم طفولتها؛ «فالموسيقى هي الشيء الأول في حياتي”، وكانت تعتبرها هواية، لكن الآن بات تخطو في طريق الاحتراف، لاسيما بعد دعم أسرتها، الذي تمكنت بواسطته من مواجهة ثقافة المجتمع والاستمرار في تعلم الموسيقى منذ أكثر من سنتين، مؤكدة أن “الحرب خلقت فرصة لتعلم الموسيقى.. ففي واقع طغى عليه الجفاف أصبحت الموسيقى حاجة”.

أما اشراق العامري، فلم يمض عليها في المعهد سوى 9 أشهر، وعلى الرغم من المشكلة التي تؤرقها ممثلة في ثقافة المجتمع، ألا أنها مصّرة على الاستمرار.

وكذلك الحال مع مرام الكوري وكارم الهدي؛ فكانت البداية هواية، ومن ثم تحولت إلى رغبة في الاحتراف، فكارم، وهو خريج كلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء، صار عازفًا على الكمان.

لا يقتصر الإقبال على تعلم الموسيقى هنا على الشباب ممن في مقتبل العمر؛ فثمة إقبال، أيضاً، ممن هم أكبر منهم؛ ففيروز عبداللطيف ضيف الله مُحاضرة جامعية، وظلت تحلم بتعلم الموسيقى منذ وقت مبكر، وبمجرد أن عرفت بالمعهد حتى التحقت ودرست العزف على البيانو والعود…معتبرة “الاتجاه لتعلم الموسيقى هو اتجاه تكرّسه الفطرة البشرية؛ فالحزن يقابله الفرح؛ والموسيقى من أهم وسائل صناعة البهجة في غمرة ما نعيشه في اليمن من حزن الحرب”.