تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » “المهجر” ملاذ الموسيقى اليمنية من عزلة “الوطن”

“المهجر” ملاذ الموسيقى اليمنية من عزلة “الوطن”

"المهجر" ملاذ الموسيقى اليمنية من عزلة "الوطن"

 

محمد الخطيب*
عبر المنصات الافتراضية تحاول الثقافة اليمنية لملمة وجمع شتاتها المتناثر حول العالم، بعد أن أسهمت ظروف كثيرة، ليس أقلها الصراع والحرب الدائرة بالبلاد، في تراجع حضورها على أرض الواقع، إلا من جهود فردية محدودة، وتغييب كثير من الأنشطة الثقافية اليمنية، وكما يرى مراقبون لحالها في السنوات الأخيرة فإنها باتت تعيش حالة غير مسبوقة من العزلة في ظل غياب دور المؤسسات الثقافية الرسمية في اليمن.

ليلة يمنية

توازياً مع ذلك، تتمتع الثقافة اليمنية وتراثها الأصيل بحضور فعال في الوجدان العربي والعالمي، إذ تحتل مكانة خاصة ومتقدمة في قلوب من أحبوها والعاشقين لها من عرب وعجم ولا يزال حضورها قوياً، حتى وإن انكسرت أمام الموت المتجول بين دروب اليمن شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.

في ليلة موسيقية، نظمها المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح بفرنسا، أقام الباحث والمستشرق الفرنسي “جان لامبرت” محاضرة دولية عن الموسيقى اليمنية، تناولت مناقشة وعرض التسجيلات الموسيقية التجارية في اليمن بين الفترة (1935- 1960).

تراث فني

وكشف لامبرت عن مشروع للحفاظ على التراث الموسيقي اليمني، يجري التنسيق والعمل عليه حالياً مع متحف برلين، وسينتج عنه أرشفة وحفظ ونشر كثير من النماذج والأغاني التراثية القديمة والمتنوعة، التي تشمل كل الجغرافيا اليمنية.

وفي حديث لـ”اندبندنت عربية” أبدى لامبرت سعادته بترجمة كتابه “القنموس أو الطرب: العود وحيد القصعة والموسيقى في اليمن” إلى اللغة العربية. وقال “إن الكتاب سينشر قريباً”.

في السياق ذاته، تحدث مدير عام مركز التراث الموسيقي في اليمن، رفيق العكوري عن الكوارث التي تواجه حفظ وتوثيق التراث اليمني، مشيداً بما يبذله جان لامبرت من جهد علمي وتواصل مع هيئات عالمية حتى يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث في ظل الظروف الحالية لليمن.

حب وبحث

كمن ينقب على الآثار والكنوز الثمينة، أمضى المستشرق الفرنسي لامبرت أكثر من 30 عاماً يبحث فيها عن كنوز اليمن الموسيقية والأدب الشفاهي، إذ يقول إنه “حاول أن يفهم سياق الأداء الموسيقي، والممارسات الدينية والتصورات الأسطورية التي ترافقها، وكذلك البنيات الموسيقية والعلاقة بين الشعر والغناء وتاريخ الموسيقى”.

ان لامبرت، عاشق صنعاء فناً ومكاناً، كما يصفه أصدقاؤه، دفعه تولعه باليمن والغناء والموسيقى اليمنية إلى تعلم العزف على آلة العود اليمني (القنبوس- الطربي)، وأصبح أحد أمهر العازفين عليها، بل بات كأي فنان يمني قديم يعزف ويغني، إضافة إلى أن اللغة العربية تساعده على إجادة كثير من الأغنيات التراثية اليمنية القديمة، حيث قال إنه “تعلمها في السبعينيات”.

يتذكر لامبرت رحلته إلى بلاد اليمن قائلاً “تاريخي معها يرجع إلى ثمانينيات القرن الـ20، حينما كنت أعمل مترجماً في البداية، فاكتشفت الثقافة والموسيقى اليمنية وأعجبت بها”، مشيراً إلى أنه أكمل دراسة الدكتوراه عن الموسيقى في اليمن ونشرها في كتاب حمل عنوان “طب النفوس”، الذي ترجمته وزارة الثقافة اليمنية إلى اللغة العربية، ولقي إقبالاً كبيراً.

المستشرق الفرنسي يعود له الفضل الكبير في إدراج الأغنية “الصنعانية” في قائمة التراث العالمي للإنسانية 2003، كما أقام المؤتمر الأول للموسيقى اليمنية في 1997، الذي على أثره تم تأسيس مركز التراث الموسيقي اليمني.

شهادة موسيقية

تعد التسجيلات الموسيقية التجارية في اليمن، التي بدأت في 1935 بمدينة عدن (جنوب البلاد) بمثابة أول شهادة موثقة عن تاريخ الموسيقى اليمنية في القرن الـ20 من حيث الصوت (شهادات صوتية)، حيث كانت بدايتها على التقنية الكهربائية، لكنها تعتبر نسبياً ذات جودة، بحسب إفادة الباحث جان لامبرت.

تطور ملحوظ

وأشار الباحث الفرنسي إلى أن الموسيقى اليمنية لا تزال تتطور وبخاصة في السنوات الـ10 الأخيرة، لأن اليمنيين أصبحوا يعرفون العالم بشكل أكبر، وحاولوا أن يدخلوا بعض الأساليب الغنائية الشعرية العربية وأنواعاً أخرى من الموسيقى الدولية.

وأضاف لامبرت “في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها، شهد مضمون الأغنية اليمنية إلى جانب الألحان تطوراً ملحوظاً، حيث إن زيادة عدد الآلات الموسيقية أسهمت بشكل فعال في عملية توسيع قاعدة الألحان الشعبية بعد أن كانت محصورة على الغناء الصنعاني فقط، وتم تأسيس الأغنية العدنية، وحدثت كثير من التطورات الداخلية والخارجية.

المنصات الافتراضية

رئيس المنتدي العربي الأوروبي للسينما والمسرح حميد عقبي، أشار إلى أنه خلال خمس سنوات منذ تأسيسه في 2018، حقق أكثر من 400 نشاط ثقافي وفني وإبداعي متنوع، يمزج بين الحضور الافتراضي والواقعي، أي ما يعادل (1200 ساعة ثقافية متنوعة)، تخللها أكثر من 40 نشاطاً حياً أقيم في باريس، لافتاً إلى أن المنتدى يهتم باليمن ومبدعيه، وأنه “خلال الفترة الماضية نفذ أكثر من 20 ندوة عن اليمن، وكرم عدداً من المبدعين اليمنيين، كما أسهم فيه، بشكل نشط، أكثر من 50 شخصية أكاديمية ونقدية متخصصة عربية وعالمية”.

وأضاف عقبي القول “حالياً نهتم جداً بجذب مستشرقين أوروبيين يلقون محاضرات وتكون هناك نقاشات معهم، وكذلك العلماء العرب في أوروبا، بخاصة في مجال حوار الحضارات والتراث والتاريخ”، منوهاً بأنه يتم التنسيق لملتقى مسرحي في باريس بعنوان (المسرح والحرب.. المسرح كلمة سلام) منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث سيتم استضافة الفنان اليمني صفوت الغشم”، موضحاً أنه ملتقى وورش عمل لتبادل الخبرات، حيث سيتم خلاله إنتاج نص مسرحي جماعي بشراكة مع فنانين وفنانات يقيمون في باريس بعنوان “نشوان”، وكذلك تنظيم ندوة من ثلاث حلقات.

* صحفي يمني

نقلاً عن “اندبندنت عربية”