تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » موسيقى كناوة المغربية من الصويرة إلى العالم

موسيقى كناوة المغربية من الصويرة إلى العالم

موسيقى كناوة المغربية من الصويرة إلى العالم

 

استطاع مهرجان كناوة الذي ينظم في مدينة الصويرة المغربية على مدار ربع قرن أن يرسخ البعد الدولي لموسيقى كناوة، وأن يرفع هذه الموسيقى الأفريقية التي كانت مهملة لفترة طويلة إلى مصاف العالمية، فقد استقطب المهرجان أسماء كبيرة من عالم الموسيقى، وعمل على خلق ورش كبرى نتج منها مزج موسيقى كناوة بأشكال فنية أخرى، من بلوز وجاز وريغي وموسيقى روحية وأساليب إيقاعية أخرى، في سهرات كبرى جعلت الجمهور يؤمن بأن الفن مهما تعددت مشاربه وألوانه يقود في النهاية إلى مناطق البهجة والمتعة المشتركة والتسامح والإيمان بضرورة الحوار الثقافي.

ولا يستمد مهرجان كناوة عالميته من طبيعة الفنانين المشاركين فيه من مختلف القارات، ومن لغات الغناء التي تنطلق من اللهجة المغربية وتمتد إلى اللهجات المحلية الأفريقية وإلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والهندية وغيرها، بل يستمد المهرجان عالميته أيضاً المهرجان من جنسيات الجمهور الذي يحضره بانتظام كل سنة. فمع مطلع كل صيف تغص منصات المهرجان بمتابعين من انتماءات مختلفة، ويشكل الحضور الأوروبي نسبة بالغة الأهمية. وتمتد عالمية المهرجان أيضاً إلى المتابعة الإعلامية التي يحظى بها من نسبة كبيرة من مواقع كناوة وإذاعات وتلفزيونات من خارج العالم العربي.

وقبل أربع سنوات صنفت منظمة اليونيسكو في قمة بوغوتا، مهرجان كناوة ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي الثقافي غير المادي للإنسانية. وقد عبر فنانون مشاهير سبق لهم أن شاركوا في الدورات السابقة عن خصوصية المهرجان وفرادته داخل العالم العربي. فهو قادر باستمرار على جعل فن كناوة ينفتح على أشكال فنية عالمية تبدو للوهلة الأولى بعيدة منه، إن على مستوى الإيقاع أو لغة الغناء، غير أن هذا الفن الأفريقي، وإن كان يملك خصوصية إيقاعية ولغوية، فهو يستطيع التقاطع مع كل الألوان الفنية التي تنطلق من البعد الروحي. وما النداءات والتلاوين الصوتية التي يرفعها المغنون والراقصون في فن كناوة إلا تعبير عن صرخة وجودية سببها من جهة ذلك البحث الدائم عن صدى الوجود، ومن جهة أخرى ما يمارسه الإنسان على أخيه الإنسان من ظلم وقهر. ويبدو النموذج الأفريقي الصورة الأكثر وضوحاً وعمقاً لهذه الصرخة.

بهجة مشتركة
عرفت الدورة الـ24 لمهرجان كناوة التي اختتمت أخيراً، بعد ثلاثة أيام من الفرجة المفتوحة، تدفق كم هائل من الجماهير المحلية والعالمية على المدينة الصغيرة الواقعة على المحيط الأطلسي. فعادة ما يتضاعف عدد سكان الصويرة البالغ 70 ألف نسمة إلى خمس أو ست مرات، مما يشكل ضغطاً واضحاً على الطاقة الاستيعابية للمدينة، خصوصاً ما يتعلق بالمطاعم والفنادق ووحدات الإيواء، غير أن اللافت في هذا المهرجان هو انفتاح الساكنة على رواد المهرجان، خصوصاً الأجانب، إذ يعقدون صداقات معهم ويفتحون لهم بيوتهم. أما من يفيض من الزوار خارج المنازل والمنشآت السياحية فلا يجد حرجاً من قضاء الليل في الشاطئ أو في الساحات والفضاءات العامة للمدينة.

وهكذا يبدو مهرجان كناوة في الصويرة فريداً قياساً مع مختلف المهرجانات الفنية في المغرب والعالم العربي، فهو يعيد إلى الأذهان صورة الهيبيين في زمن الستينيات والسبعينيات، حيث تتحول المدينة الصغيرة خلال ليالي المهرجان إلى حالة موسيقية تتشكل من قيم التقاسم والتبادل والانفتاح على الآخر، وتضج بحياة شبابية مندفعة ومتوهجة، تتلاءم مع الإيقاعات الحماسية لموسيقى كناوة.

استطاعت الدورة الـ24 أن تستقطب أكثر من 300 ألف من رواد المهرجان، تابعوا 50 حفلاً موسيقياً شارك فيها 480 فناناً من 16 بلداً. وقد تم إحياء السهرات الفنية في ساحة مولاي الحسن وساحة الشاطئ وبرج باب مراكش، فضلاً عن أماكن أخرى تستوعب نسباً أقل من الحضور، مثل دار الصويري وبيت الذاكرة والزاوية العيساوية، وغيرها.

وقد شارك في إحياء سهرات المهرجان فنانون من جنسيات عديدة. واستمع الجمهور إلى الكوبي إلياديس أوشوا الذي حمل على عاتقه نقل الموسيقى الكوبية الفلكلورية إلى العالم على مدار ستة عقود، كما استمع الجمهور إلى السوبرانو الأميركي جليل شاو، وإلى البلجيكية سيلا سو المعروفة بصوتها القوي وأغانيها التي تعبر في الغالب عن الانكسار، وإلى الفنان الباكستاني المعروف فايز علي فايز الذي آثر أن يقدم بعض أغانيه بمرافقة الفرقة العيساوية لمدينة فاس.

أحيا حفلات المهرجان الفرنسي ديفيد باتروا أحد أمهر العازفين على آلة الفيبرافون، والأرجنتيني مينينو غاراي أحد مجددي موسيقى التانغو، والسنغالي مختار صامبا الذي يمزج الموسيقى الأفريقية بالموسيقى الغربية، فضلاً عن تشكيلة موسعة من فناني كناوة المغاربة، أمثال حميد القصري وأحمد باقبو وماجد بقاس وحسن بوصو وعبدالسلام عليكان وعمر حياة ومحمود الفيلاي وعبدالعزيز سوداني وعبدالمجيد كردودي وغيرهم. وشاركت في هذه الدورة فرق غنائية عديدة أبرزها أمازونيات أفريقيا وثلاثي جبران وبنات تيمبوكتو وهوبا هوبا سبيريت وناس الحال وكناوة ديفيزيون وفرقة كينيا التي يقودها ابن الفنان الراحل محمود كينيا أحد أبرز أسماء هذا اللون الغنائي في المغرب. وفضلاً عن الفقرات الموسيقة ينظم المهرجان كل سنة منتدى الصويرة لحقوق الإنسان، وكان موضوعه هذه الدورة “الهويات وسؤال الانتماء”، كما نظم المهرجان مسابقة للمواهب الشابة في فن كناوة، ومعرضاً تشكيلياً عنوانه “صحوة الذاكرة”.