تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » «السيد والسيدة أندروز».. لوحة الأرستقراطية الإنجليزية

«السيد والسيدة أندروز».. لوحة الأرستقراطية الإنجليزية

 

توماس غينزبره (1727 – 1788) هو رسام إنجليزي، ولد في بلدة «سودبيري» في شرق إنجلترا، لأبوين هما جون وماري، أظهر موهبة مبكرة في الرسم والتلوين في طفولته، خاصة رسم الغابات والمناظر الطبيعية والحقول المحيطة ببلدته. في سن الثالثة عشرة، غادر توماس غينزبره إلى لندن للتدرب على يد الرسام الفرنسي هوبير فرانسوا جرافيلوت (1699-1773)، وهناك أصبح جزءا من المجتمع الفني المحيط بأكاديمية «سانت مارتن لين»، حيث موطن الفنانين البارزين مثل ويليام هوجارث (1697-1762) وفرانسيس هايمان (1708-1776) وغيرهما.

تزوج من مارجريت بور في عام 1746، ثم عاد إلى «سودبيري» ليعمل كرسام بورتريه لطبقة النبلاء، فارتبط بعلاقات فنية وتجارية مع رعاة محليين، أكسبته شهرة متواضعة. على الرغم من تحسن مهاراته كرسام بورتريه خلال هذه الفترة، إلا أن شهرته كرسام للطبقة الأرستقراطية كانت قد بدأت بالفعل بعد استقرار عائلته في بلدة «إبسويتش» في 1759. ورغم شهرته في رسم البورتريه التي أكسبته مزيداً من المال، فقد استمر في رسم المناظر الطبيعية، وظل يمزج بين النوعين في تكوين مبتكر عرف به خلال حياته الفنية.

في 1774، استقر في لندن، وهنا أسس مع مجموعة من الفنانين الأكاديمية الملكية عام 1768، وفي هذه الفترة شارك في عدة معارض فنية منتظمة في الاستوديو الخاص به. ومع ذلك، فقد كانت علاقته بالأكاديمية ورئيسها الأول جوشوا رينولدز (1723-1792) مضطربة، وبحلول عام 1783، توقف عن عرض أعماله في معارضها السنوية.

استمر توماس غينزبره في التمتع بنجاح كبير في حياته المهنية، وأصبح الرسام المفضل للملك جورج الثالث وعائلته. وعندما توفي في عام 1788 عن عمر يناهز 61 عاماً، كان قد خلّد اسمه كأحد أعظم الفنانين في عصره.

تعود شهرة توماس إلى واحدة من أبدع لوحاته الفنية وهي بعنوان (السيد والسيدة أندروز) التي أنجزها نحو عام 1750، ذلك أن روبرت أندروز وزوجته فرانسيس هما من أصحاب المال والنفوذ ومالكي الإقطاعيات الزراعية الشاسعة في «سوفولك».

خلفية امتلك روبرت أندروز ما يقرب من 3000 فدان ومعظم الأراضي التي تظهر في اللوحة تخصه، وهو من أصحاب الشهرة والمال والنفوذ الاجتماعي، وقد كانت مناسبة الصورة هي الاحتفال بزواج أندروز وفرانسيس وتحقيق ثروة مالية هائلة من بيع الأراضي، وتصوير المكانة الاجتماعية الساطعة لهذين الزوجين في المجتمع الأرستقراطي الإنجليزي في نحو منتصف القرن الثامن عشر، فهي إذن لوحة تعكس تلك المثل المادية، التي كانت تدفع من هم في مكانة عائلة أندروز لإظهار مثل هذه القوة، وتخليدها في صور تمجد إرث العائلة، والدور الذي كانت تمثله عائلة أندروز في إنجلترا، خاصة وأنها كانت على علاقات وثيقة مع كافة العائلات المتنفذة في إنجلترا، من طبقات السياسيين والاقتصاديين والمثقفين ونخبة المجتمع من الرسامين ومروجي الفنون وغيرهم.

اختار الزوجان الشابان رساماً غير معروف في حينه هو توماس غينزبره للاحتفال بزواجهما وتنامي ثروتهما الهائلة، ومن جهة توماس فلم يكن يتوقع أنه في غضون بضعة عقود سيكون الفنان الأبرز بين أقرانه، وهو من سيجعل هذه اللوحة معروفة على نطاق واسع، خاصة وأن دخل الزوجين لم يكن فقط من الأراضي التي يمتلكانها، بل من أشياء أخرى غير معروفة.

«السيد والسيدة أندروز»..لوحة الأرستقراطية الإنجليزية

مهارات

وصفت لوحة (السيد والسيدة أندروز) بأنها من أبدع إنجازات الرسام توماس، الذي أظهر من خلالها مهاراته كرسام للتعبير عن الأجواء وإبراز المشهد الطبيعي بشكل مقنع، في صورة اعتبرت جديدة بما تصوره من مشهدية عالية، حيث يظهر فيها مشهد أفقي بارع يصور الأرض التي تخص أندروز.

تظهر اللوحة زوجين يسترخيان في أفضل ملابسهما الترفيهية في مقابل خلفية شاسعة من الأراضي، التي يمتلكها أندروز، وقد قام غينزبره بتضمين منظر طبيعي في اللوحة، ليعرض من خلالها رؤية أكبر بكثير لريف إنجلترا، وفي اللوحة يقف أندروز وزوجته على النصف الأيسر من اللوحة، بدلاً من المنتصف كما كان معتاداً في الصور المباشرة. على الجانب الأيمن من اللوحة، يولي الرسام اهتماماً موازياً للأرض التي يمتلكها أندروز. في هذه اللوحة يقف الزوجان أمام شجرة بلوط إنجليزية، حيث أراد الاثنان أن يعرف العالم أنهما من سلالة تتمتع بالثراء، فقد تزوج أندروز حين كان يبلغ من العمر 22 سنة أما زوجته فكانت لا تتجاوز ال 16 عاماً، وكان زواجهما بمثابة صفقة تجارية.

وفي اللوحة يبدع توماس في التقاط تلك الرفعة وقليل من الازدراء في عيني فرانسيس، يتجلى ذلك في ابتسامتها الساخرة، حيث تدرك وزوجها أن الرسام في مرتبة اجتماعية أدنى منهما بكثير في السلم الاجتماعي.

لقد حار النقاد في وصف سر تلك الرقعة غير المطلية في حضن السيدة أندروز، (كأنها قطعة قماش مطوية في حجرها) وتعبر عن شيء مفقود في العمل، ولا أحد يعرف بالضبط ما الذي أراد الرسام أن يرسمه في تلك المساحة، اقترح البعض أن السيدة أندروز كان من المفترض أن تحمل طائراً ميتاً، نتيجة رحلة صيد ناجحة قام بها زوجها. لكن الحيوان الملطخ بالدماء سيدمر ملابسها المتقنة الصنع، وبالتالي يبدو هذا الاحتمال غير مرجح.

الاحتمال الآخر، هو أن المساحة الفارغة، كانت مخصصة لطفل رضيع، وفي كل الأحوال فقد اعتبر النقاد المعاصرون اللوحة «غير مكتملة»، لكنها في المجمل كانت لوحة غاية في الجمال، محاطة بسحر الغابات والغيوم في الريف الإنجليزي، حيث يتألق الزوجان بوعي ذاتي بجانب حقل الحصاد الخصب والمراعي المجهزة جيداً، وها هما يختالان في عرض نفسيها بنشوة عارمة في المنزل المحاط بالمناظر الطبيعية الخلابة والشاسعة.

تظهر الزوجة بفستان ملون بالدانتيل الرقيق اللامع، بينما يظهر زوجها في قميص مشرق في ضوء الشمس رغم تلك السماء الملبدة بالغيوم. تجلس على مقعد متقن للغاية، أما الجزء العلوي من المقعد فمزين بأسلوب الروكوكو، وكان الزوج يرتدي سترة رياضية للرماية وقبعة كبيرة مصممة بشكل كبير، بدا أندروز صارماً في اللوحة، وهي من صفات سكان لندن المعاصرين في ذلك الوقت.