ديفيد تينيرز الأصغر (1610- 1690) هو أشهر رسام في القرن السابع عشر، تمتع بشعبية واسعة في حياته، ولد في أنتويرب، بلجيكا، وتدرب على يد والده ديفيد تينيرز الأكبر (1582-1649) المتخصص في لوحات التاريخ الصغيرة. أنتج نسخة أكثر دقة من مشاهد بروير الزراعية في بلده، ولاحقاً مشاهد من الحياة العصرية. تأثر عمله أيضاً بوالد زوجته الفنان يان بروغيل.
في 1632أصبح ديفيد مسؤولاً في نقابة القديس لوقا في أنتويرب. وبحلول عام 1649، عمل في بلاط ملك إسبانيا، وكذلك مع الأمير ويليام أمير أورانج وحاكم هولندا، وأدى نجاحه الباهر إلى منحه براءة اختراع النبلاء في عام 1680. وتم تقليد أعماله من قبل كثير من الفنانين والأتباع بما في ذلك ابنه ديفيد تينيرز الثالث.
في عام 1651، انتقل ديفيد إلى بروكسل ليصاحب الأرشيدوق ليوبولد ويليام الذي كان بحوزته مجموعة شهيرة من اللوحات التي أصبحت نواة المتحف في فيينا. وكانت لوحات معرض صور تينيرز ضمن هذه المجموعة.
لم يكن ديفيد تينيرز الأصغر واحداً من أكثر الفنانين الفلمنكيين إنتاجاً فحسب، بل كان أيضاً واحداً من أكثر الفنانين تنوعاً، وعلى الرغم من أنه اشتهر بتمثيلاته لحياة الفلاحين، فإنه رسم موضوعات خاصة بالكيميائيين والسحرة واهتم بالموضوعات الرمزية والتوراتية. كما رسم مناظر لخزائن هواة جمع الفنون، وكثير منها يشتمل على صور شخصية، كما قام بعمل نسخ صغيرة الحجم من اللوحات الإيطالية.
تعاون في بداية حياته المهنية مع والده في إنشاء سلسلة من اثني عشر لوحة توضح ملحمة توركواتو تاسو العظيمة، عند دخوله إلى نقابة أنتويرب، وتخصص في رسم بورتريهات معتمداً أسلوب أدريان بروير، الذي انتقل إلى أنتويرب من هارلم في أوائل ثلاثينات القرن السابع عشر.
في عام 1656، بعد عدة أشهر من وفاة زوجته، أصبح ديفيد ثرياً للغاية، فابتاع منزلاً في شارع تيراركين في بروكسل. وفي 21 أكتوبر من ذلك العام تزوج إيزابيل دي فرين، ابنة سكرتير مجلس برابانت / بروكسل. في عام 1662، اشترى منزلاً ريفياً يسمى (ثلاثة أبراج) بالقرب من فيلفورد. خلال هذه الفترة، كرس الكثير من وقته وطاقته لتأسيس أكاديمية للرسم في أنتويرب، والتي افتتحت عام 1665.
ضوء
كان موضوع الأطباء والكيميائيين شائعاً في الرسم الفلمنكي والهولندي في القرن السابع عشر. وكان تينيرز المساهم الرئيسي في هذا النوع في الجزء الشمالي الناطق بالهولندية من بلجيكا. كانت وجهة نظر الجمهور متناقضة تجاه ممارسي الحرف، وكان ينظر إلى الأطباء والكيميائيين إما أنهم دجالون ويستخدمون الخداع للحصول على مكاسب مادية، أو كأشخاص ملتزمين بجدية بالسعي وراء المعرفة. انعكس هذا التناقض في التمثيلات الفنية للأطباء والكيميائيين، ما بين النهج التهكمي الذي يحول الكيميائي إلى رمز للحماقة البشرية. ونهج جاد ينظر إليهم باحترام، وفي هذا السياق تندرج لوحة (الكيميائي) لديفيد تينيرز الذي وضع معياراً جاداً لصور الخيميائيين، حيث صور الكيميائي كعالم مثقف ومتواضع يتابع أبحاثه بجد في مختبره المزدحم بالأدوات. وعادة ما يساعده واحد أو اثنان في أداء التجربة، وقد سار على نهج ديفيد فنانون مثل: توماس ويجك وفرانس فان ميريس الأكبر وجاكوب تورينفليت وكورنيليس بيغا.
اللوحة
تصور لوحة «الكيميائي» رجلاً جاداً وعجوزاً (على اليمين)، منغمساً في عمله، ومحاطاً بالكتب المفتوحة وهو بصدد تحريك شكل من أشكال الخليط بيده اليمنى، وهذا دليل على اجتهاده الواضح، أما ملابسه الملونة والواضحة فهي مؤشر على أسلوب حياته المتواضع. مكان العمل بحد ذاته كما هو نفسه، وهو مقدمة رائعة للمختبر الحديث، مملوء بتشكيلة متنوعة من الأجهزة ويمكننا أن نرى مجموعة متنوعة من القوارير الزجاجية والغلايات ذات الأشكال الغريبة، والتي يبدو أن بعضها قد تم ترتيبه لإجراء التقطير. على الرغم من كونها جذابة، إلا أن اللوحة تبدو متوافقة تماماً مع العديد من أعمال ديفيد الأخرى التي تصور بأمانة موضوعاتها بواقعية، كما كان تقليد الباروك.
هناك الكثير من الميزات المثيرة للاهتمام في اللوحة، ففي الخلف نشاهد مساعد الكيميائي ينشغل بأحد الأفران بينما يركع على ركبتيه، وظهره للمشاهد كما صور الفنان مختبر الكيميائي كصورة مبكرة للمختبر الحديث، وفي اللوحة يظهر مساعد الكيميائي، الذي لا يستطيع المشاهد رؤية وجهه، لكن تينيرز أبرزه بوصفه يمثل ميزة مهمة في ورشة العمل، وبغض النظر عن المعنى الذي قصده الفنان، فإن هذه اللوحة مفيدة في المقام الأول كمصدر لإلقاء نظرة ثاقبة على البنية المادية والجوهر البصري لورشة عمل الكيميائي.
علاوة على ذلك، هناك ميزة أخرى مثيرة للاهتمام في اللوحة وهي «الفضاء» الذي أوجزه المؤرخ جيه ريد بقوله: «المختبر ليس مكاناً للحدادة أو مطبخاً متحولاً، إنه غرفة مصممة ومجهزة بشكل واضح من أجل الكيمياء».. بهذه الطريقة يقوم تينيرز بعمل جيد جداً في تقديم صورة فريدة من نوعها للكيمياء على أنها مهنة متميزة عن الأنشطة الأخرى، وتستحق بوصفها نشاطاً مهماً أن يكون لها معملها الخاص والمجهز بعناية، حيث اعتنى تينيرز بلوحة الخيميائي، حيث تقرأ الكتب وتحفظ، جنباً إلى جنب مع المعدات المتناثرة على الأرض، وكل هذا يشير إلى ورشة عمل الكيمياء كموقع متميز.
تاريخ
وجدت اللوحة طريقها إلى ملكية الأمير ويليام الرابع في عام 1754 وتم عرضها في قصر «هيت لو» في أبلدورن / هولندا، وظلت تحت ملكيته، ثم صادر الفرنسيون اللوحة في عام 1795 بعد نفي ويليام الرابع إلى لندن وتم نقلها إلى متحف الفنون المركزي في باريس. في عام 1815، أعيدت اللوحة إلى هولندا لتكون ضمن مجموعة الصور الملكية بمعرض الأمير ويليام الخامس، لاهاي، 1816.