تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » القحوم والدبلوماسية الموسيقية

القحوم والدبلوماسية الموسيقية

الموسيقار محمد القحوم

أمين بارفيد

i have a dream “لدي حلم”
على طريقة مارتن لوثر كينغ، قدم هذا الشاب الأسمر من حضرموت شرق اليمن إلى الدنيا مُحملًا بهموم تحقيق حلمه، واقفًا على أرضية كل شيء فيها يغني، ويبتهل، وينشد، ويسبح للخير، والسلام، والجمال، والحياة. لديه حلم رغم أن ربيع شبابه صادف خريف وطنه الذي تنخره الازمات، والحروب، والصراعات بشتى أصنافها ، وقف ملوحًا بعصاته الأوركسترالية محاولًا إسكات المدافع، والرصاص، وتحويل أنين الأطفال الى ضحكات، لم توقفه روائح البارود الخانقة ولا حلكة الظلام الدامس ، وقف بإصرار وجمع حوله لفيف من الهواة والموسيقيين ليشتد بهم ويشتدوا به ،وبدى صوتهم يعلو شيئا فشيئا لتردد خلفهم السهول، والسواحل، والحقول، ويمتد صداهم إلى الجبال، والوديان، وكل المدن اليمنية، ومنها إلى مسارح عريقة في كوالالمبور، والقاهرة ،واليوم يتأهب لمنصة عالمية جديدة بحفلة اوركسترالية في 2 أكتوبر ضمن مشروعه (السيفمونيات التراثية) من على مسرح موغادور الشهير في باريس – الذي تأسس عام 1913 – في حفلة ترعاها مؤسسة حضرموت للثقافة ورئيسها الشيخ عبدالله بقشان ليسمع العالم صوت اليمن، وغناها وصورتها الحقيقية.

إذا كانت الفنون تلعب أدوارًا بارزة في تكوين ذاكرة الشعوب، وصناعة وعيها، والتأثير على سلوكياتها ، واتجاهاتها بخلق التصورات، ونبذ الفوارق الوهمية، فإن الموسيقار محمد القحوم استطاع أن ينجح بحفلتيه السابقتين – في كوالالمبور والقاهرة – أن يلفت أنظار اليمنيين إلى أن الجمال، والسلام، كامن بدواخلهم، وينبعث من حناجرهم. واستطاع أن يساعدهم على كسر الحواجز المصطنعة بينهم بفعل الحرب، ويجمع اليمنيين على الموسيقى وصوت السلام. حيث اتسمت لحظات بث مقطوعاته الموسيقية بتدفق مشاعر الفخر والإعتزاز في دواخل اليمنيين، واحتقار الفرقة والصراعات، رددوا خلف نغمه ومقطوعاته من خلف الشاشات في المدن، والقرى، ومن على مقاعد المسارح في المهجر: امضِ بنا معك نحو ذواتنا، وجوامعنا، ودموع الحنين للسلام، والاستقرار تغرق أعينهم.

يحاول اليوم الموسيقار القحوم أن يفرض مفردةً جديدة في القاموس التعريفي باليمن دوليًّا. مفردة بعيدة عن مفردات الحروب، والدمار، والتطرف، والأزمات الإنسانية، والاقتصادية. مفردة يستطيع أن يرى العالم عبرها اليمن بتنوعه، وجماله بعيدًا عن المفردات الطارئة التي ألصقتها الحرب باليمن. سيرى العالم اليمن في 2 أكتوبر في باريس من خلال الموسيقى اليمنية وتنوعها، وثرائها، وعبقرية صناعتها بقوالب عصرية جديدة ، فالموسيقى أكبر من مجرد نغم، وطرب، ورقص فلكلوري عابر، بل هي لغة للتعريف بالبلدان، والحضارات، والشعوب، ولغة حوار راقية لإذابة جليد التصورات المغلوطة، وكسر الحواجز بين الشعوب، كما أنها أداة مهمة لتكوين حوار تفاعلي حسي بين الشعوب، وتشكيل انطباعات إيجابية عن الآخر، ووسيلة للتقارب حول المشتركات الإنسانية، والجمالية، وحل العديد من المشاكل المعقدة، فلا أفضل من أن يعبر اليمن عن نفسه بالموسيقى، والفن، والموروث الشعبي العريق، والجوامع المشتركة بين مختلف مناطقه ومدنه.

في لحظة التيه اليمنية الحالية، يرى اليمنيون بمختلف توجهاتهم ومناطقهم اليوم أن الصورة التي يرسمها الموسيقار محمد القحوم بمقطوعاته، هي الجامعة لهم والمعبرة والممثلة لهم– ان لم تكن الوحيدة- و يتطلع العالم بشغف لمعرفة الجوانب المختلفة، والمشرقة المعبرة عن اليمن الحقيقي الذي لا يعرفون منه غير صور الظلام، والتطرف المغلوطة، ليشكل بشغفه وإنجازاته الموسيقية، ما بات يعرف بالدبلوماسية الموسيقية أو الدبلوماسية الثقافية.

اليوم ومع تزايد الاهتمام، والمساعي الإقليمية، والدولية نحو تعزيز فرص السلام في اليمن، وإيقاف نزيف الحرب، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا لدور الدبلوماسية الموسيقية، والثقافية لإعادة التعريف باليمن الثري المتنوع، والمسالم، وبحضارته الضاربة في أعماق التاريخ، وحاضره التواق للغناء، والموسيقى الرافض للتطرف، ولإزالة الشوائب السلبية التي علقت في وعي المجتمع، ولا أحد غير محمد القحوم جدير بهذه المهمة.