تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » «أوراق الخريف».. جمال يوقظ العين

«أوراق الخريف».. جمال يوقظ العين

 

السير جون إيفريت ميليه، (8 يونيو 1829 – 13 أغسطس 1896) هو رسام ومصور إنجليزي معروف، كان أحد مؤسسي جماعة ما قبل الروفائيلية. كان طفلاً معجزة بحسب مؤرخي الفن، ففي الحادية عشرة من عمره، كان أصغر طالب يدخل مدارس الأكاديمية الملكية بلندن.

بحلول منتصف خمسينات القرن التاسع عشر، ابتعد عن أسلوب ما قبل الروفائيلية لتطوير شكل جديد من الواقعية في فنه. وقوبلت أعماله اللاحقة بنجاح منقطع النظير، ما جعله أحد أغنى الفنانين في عصره، هذا الرواج الفني لأعماله جعله حاضراً في النقد، بين من يصنفه في خانة الدعاية والاهتمام بالبيع على حساب القيمة الفنية، هؤلاء قرأوا أعماله من خلال عدسة الحداثة، لكن هذا المنظور تغير في العقود الأخيرة، حيث أصبح ينظر إلى أعماله في سياق الاتجاهات المتقدمة في سوق الفن في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

لعبت حياة ميليه الشخصية دوراً مركزياً في سمعته كفنان، فقد تزوج من إيفي الزوجة السابقة للناقد جون روسكين، الذي دعم ميليه في بواكير حياته الفنية، وكان من أسباب ارتباط إيفي بميليه هو التغير الملحوظ في أسلوبه الفني، فقد قامت بدورها بالترويج لأعمال ميليه حيث عملا معاً لتأمين العمولات وتكريس حضورهما بين دوائر النخب الاجتماعية والفكرية في ذلك الحين.

*تشجيع

كانت والدة ميليه إميلي ماري هي من شجعته لدخول عالم الفن، حيث احتفظ بإخلاص قوي لها طوال حياته. ووالدته كانت تتمتع بشخصية قوية وكان لديها اهتمام كبير بالفن والموسيقى، شجعت ميول ابنها الفنية، حين انتقلت العائلة إلى لندن وسعت لدخول ابنها في الأكاديمية الملكية للفنون. قال ميليه لاحقاً «أنا مدين بكل شيء لأمي».
أثناء وجوده في أكاديمية الفنون، التقى جون إيفريت ميليه ويليام هولمان هانت ودانتي غابرييل روزيتي وشكل معهما (جماعة ما قبل الرفائيلية) في سبتمبر 1847 في منزل عائلته في شارع جاور، قبالة ميدان بيدفورد.

من اللوحات الشهيرة لميليه واحدة بعنوان «أوراق الخريف» ورسمها في عام 1856، (زيت على قماش) بأبعاد 104 سم × 74 سم، وعرضت اللوحة في الأكاديمية الملكية بلندن في ذات العام، وقد وصفها الناقد جون روسكين بأنها «أول مثال للوحة رسمت في غاية في الاكتمال».
وقالت زوجة ميليه: «إن ميليه هدف من وراء هذه اللوحة لخلق قطعة مليئة بالجمال مما يجعلها فناً من أجل الفن، وأن ميليه لم يكن يريد أن يكون لها موضوع مركزي، لقد أرادها أن توقظ الحواس وتحث على التأمل الذاتي».. وقد فسر مؤرخو الفن هذه القطعة بأنها تمثيل لمرور الزمن وفقدان الشباب، وأن فيها استخداماً رمزياً لأوراق الخريف المتساقطة.

«أوراق الخريف».. جمال يوقظ العين

«أوراق الخريف».. جمال يوقظ العين

*مشهد آسر
تصور لوحة «أوراق الخريف» أربع فتيات عند الشفق في مشهد خريفي آسر، الفتيات يجمعن الأوراق المتساقطة في حديقة، هذا المكان الذي تتواجد فيه الفتيات، هو اليوم موقع تشغله حدائق رودني في بيرث، اسكتلندا. إنهن يشعلن النيران في كومة الأوراق، النيران غير مرئية في اللوحة، فقط، تظهر بعض سحب الدخان يتصاعد من بين الأوراق. تم تصوير الفتاتين الموجودتين على اليسار، على غرار أخوات زوجة الفنان ميليه (أليس وصوفي جراي)، بملابس متماثلة باللون الأخضر الداكن تعبر عن الطبقة المتوسطة في ذلك العصر، وتظهر الفتاتان بشعر طويل وفضفاض.
أما الفتاتان الصغيرتان على اليمين، فرسمهما الفنان لتظهرا بملابس الطبقة العاملة الأكثر خشونة، وكأنهما من عامة الشعب.

تظهر الفتيات الأربع في اللوحة في حالة أقرب إلى الكآبة، تنظر الفتاتان الأكبر سناً مباشرة نحو المشاهد، تحمل الفتاة الموجودة على اليسار سلة من الخيزران تزيل منها الفتاة الثانية أوراق الشجر وتضيفها إلى الكومة المشتعلة. على يمينهما توجد فتاتان تبدوان أصغر سناً، تقف إحداهما وهي الأطول بشكل جانبي إلى اليمين، وتظهر بشعر أحمر لامع، مربوط على شكل ذيل حصان، ترتدي الفتاة ثوباً ريفياً، وتتكئ على مجرفة، وتحدق في كومة الأوراق. الفتاة الرابعة، الأصغر في المجموعة، تقف عند الحافة اليمنى للمشهد التصويري، وترتدي فستاناً أرجوانياً مع ربطة عنق حمراء، وتحمل في يدها تفاحة ومجموعة صغيرة من الزهور الزرقاء. تم رسم الأوراق المتراكمة بتفاصيل رائعة مع وجود أثر من الدخان الأزرق يتصاعد في الزاوية اليسرى. يوجد في خلفية المشهد التصويري خط من أشجار الحور الذي يرتفع في المسافة فوق خط التلال الأرجوانية ويظهر مظللاً مقابل السماء الصفراء.

*خلفية
فسر بعض النقاد اللوحة على أنها تمثيل لعبور الشباب والجمال، وهو موضوع مشترك في فن ميليه. يجادل مؤرخ الفن البريطاني مالكولم وارنر بأن ميليه تأثر بشعر تينيسون، واقترح أن سطوراً من قصيدة تينيسون «دموع خاملة» (1847) ربما أثرت فيه لإبداع هذه اللوحة.
قد تشير التفاحة التي تحملها الفتاة الأصغر على اليمين إلى فقدان البراءة، وفي ذلك تضمين –ربما- إلى الميثولوجيا القديمة.
في لوحات أخرى لميليه مثل أوفيليا التي رسمها بين (1851-1852)، أنشأ الفنان سطوحاً تصويرية كثيفة ومتقنة تعتمد على تكامل العناصر الطبيعية. وقد تم وصف هذا النهج بأنه نوع من «النظام البيئي التصويري». وبناء عليه فقد رسم ميليه لوحة بعنوان «ماريانا» في الفترة ذاتها أي بين 1851 و 1852.