تعتبر هوليوود أكثر المختبرات الفنية صناعة للنجوم في تاريخ الفن السابع، ذلك أنها عملت على مدار تاريخها الطويل على صناعة عديد من النجوم الذين ربما لم يكن سيسمع عنهم أحد، لو أنهم ذهبوا إلى مجالات إبداعية أخرى، فقد رسخت هوليوود من خلال أفلامها معايير خاصة بالنجوم بحسب مختلف أنواع الأفلام السينمائية التي تنتجها. ففي كل حقبة من الزمن نكتشف نوعاً جديداً من النجوم الذي يبدون وكأنهم لا يكبرون. ففي كل فيلم يبدو توم كروز أصغر من ذي قبل، فيما المشاهدون يكبرون وراء شاشة السينما والتلفزيون ويتساقط شعرهم، بينما يبقى توم كروز بقامته وعضلاته المنتفخة نجماً خالداً لا يكبر.
إن التمويه الذي تمارسه السينما على المتفرج، يجعله يحلم أن يصيراً هو الآخر نجماً. لهذا فإن صناعة النجومية أمر بعيد من الموهبة والتكوين، بحيث يستطيع مخرجو هوليوود صناعة نجم واحد في الشهر ليغدو في أسابيع قليلة حديث الرأي العالمي داخل مختلف وسائط الإعلام الغربي، هذا الأمر قليل في المجال الغنائي، لأن هذا اللون الفني يظهر موهبة الفنان الحقيقية، على رغم ظهور بعض ما نسميه بالموسيقى الإلكترونية التي أصبحت هي الأخرى تظلل المستمع، بحسب خبراء فنيين، يعتبرون أنه يصعب في المجال الغنائي خلق نجم صاعد في فترة وجيزة.
والسبب راجع إلى المكانة التي تحظى بها السينما في متخيل الناس ووجدانهم، وذلك لأن الكاميرا حين تنقل الشخص إلى فضاء الصورة، فإنها تحوله إلى أيقونة بصرية يصعب نسيانها. والدليل هو هجرة عدد من المطربين والمطربات في كل من مصر ولبنان منذ ستينيات القرن الـ20 إلى السينما، وجعلها المختبر البصري الحقيقي لتجاربهم الإبداعية أو بالأحرى لنجوميتهم الصاعدة.
صناعة النجومية
منذ سبعينيات القرن الماضي، وجهت مدرسة فرانكفورت مع أدورو وهوركايمر نقداً لاذعاً لما تم تسميته “الصناعة الثقافية”. نقد حول الطريقة التي تُصنع بها النجوم وما يرافق ذلك من صناعة للترفيه والاستسهال، فقد شهدت هوليوود عناية كبيرة بصناعة النجوم أكثر من اهتمامها بالمواهب الحقيقية التي تظهر هنا وهناك. لقد بدأ الاهتمام بهذه الصناعة على مستوى الكتابة من خلال مجموعة من الأدوار السينمائية التي كرست بعض نماذج من الموضة، فقد أصبح السيناريست يولي اهتماماً مبالغاً بالشخصيات وأكسسواراتها على حساب الجوهر الحقيقي للشخصية بما تتماشى مع مفهوم الحكاية. صناعة كرستها في ما بعد المواد الصحافية التي غدت تعنى بأخبار النجوم وأحوالهم، من دون أن يقدموا جديداً يعول عليه سينمائياً، هذا الأمر، أسهم تدريجاً في ظهور ما يسمى صحافة الفضائح، حيث يعد النجم وقوداً لهذا الإعلام الذي يحاول أن يقدم للناس أخباراً عن النجوم وحياتهم الشخصية والجنسية.
غير أن التحول الحقيقي الذي عرفته صناعة النجومية في هوليوود، بدأ في الحقيقة في وقت بدأت فيه الصورة تجتاح العالم، وذلك بعدما غدت الصورة بجميع حواملها تسحر الناس وتقتحم حياتهم الشخصية. من التصوير العادي التقليدي إلى السيلفي، عاش الناس حياة مزدوجة بين الحياة الحقيقية التي ينتمي إليها فيزيائياً والحياة الأخرى التي يعيشونها بواسطة الكاميرا أو الصورة. وتعتبر مرحلة الستينيات آخر مرحلة لصناعة النجومية في نظر المفكر الفرنسي إدغار موران. فالتلفزيون دحض الهالة التي كانت تمارسها السينما على الناس لارتياد عالم السينما، تمثيلاً ومشاهدة، إذ أسهم اكتساح الشاشة الصغيرة حياة الناس في ظهور نجومية جديدة من طريق التلفزيون. هؤلاء أضعفوا صورة النجومية التي طالما كرستها السينما عبر تاريخها، وأسهموا من وجهة نظرهم في تأسيس نجومية أخرى أكثر تزييفاً من قبل.
حين كان مطربو العالم العربي يطرقون باب السينما ابتداء من منتصف الخمسينيات، لم يكن ذلك عشقاً بالسينما وصورها، بل بسبب طموحهم الكبير للوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع. في وقت بدأ فيه الفن السابع يخطف أنظار المشاهدين بالعالم العربي ويدحض مجموعة من الأفكار التي كرستها الفرجة المسرحية. اعتقد النقاد المسرحيون أن سبب تراجع المسرح كامن في هشاشة النصوص التي غدت تغمر المشهد المسرحي العربي. لذلك انتظروا ما يقارب نصف قرن ليفهموا أن المجتمعات العربية تتطلع للدخول في مرحلة جديدة تعتلي فيها الصورة عرش الإنتاج الفني.
اختفاء المواهب
تعتبر مرحلة التسعينيات أكثر المراحل قتامة في السينما الأميركية، إذ تراجعت الأعمال السينمائية وغدا بعضها أشبه بأفلام ترفيهية. اهتم بعض المخرجين بصناعة النجوم أكثر مما جددوا عوالمهم السينمائية. لا يعتبر عديد من النقاد أن هذه المرحلة أخطر المراحل في تاريخ هوليوود، إذ على رغم ظهور أعمال سينمائية متميزة تركت أثراً كبيراً في وجدان المشاهد، فإن النقاد والباحثين يعتبرون أن المرحلة شكلت انحداراً قوياً على مستوى الإبداع، وذلك بعدما بدأت تطالعنا مجموعة من الأفلام لأشخاص ليسوا ممثلين يقتحمون السينما من عالم الأزياء والغناء. بل إن بعض المخرجين وجد في ذلك طريقة لاستغلال اسم النجم وجماهيره، فكان من السهل نقل مغن أو مغنية إلى فضاء العالم السابع. حقق هؤلاء النجوم نجاحاً كاسحاً لدرجة اعتبر البعض أن ذلك يشكل مرحلة جديدة في الصناعة السينمائية الهوليوودية. مرحلة تحاول أن تقطع من دون وعي مع المكتسبات القديمة، وتبني طريقة جديدة على مستوى الرؤية في النظر إلى المستقبل.
بينما اعتبر البعض الآخر أن ذلك يمثل تضليلاً بالنسبة إلى المشاهد، من خلال تقديم أشخاص هم عبارة عن نسخ عن الممثل الحقيقي.
لقد أثر هذا التحول لا على مستوى الكاستينغ فقط، بل أيضاً على اختيار المواضيع، إذ اختفت النصوص الجادة التي تنتقد الواقع وتحاول بناء صورة حقيقية عن المجتمع الأميركي، وذلك لصالح سينما استهلاكية مليئة بالمؤثرات البصرية ذات الصبغة التمويهية. يقول إدغار موران “هوليوود تتوغل أكثر بأكثر، فلن تكتفي بإطلاق نجمات جديدات… بل تسعى كذلك للعثور على صنم حب جديد (آفا غاردنر) مطعمة بشيء من الغولية. ومارلين مونرو، الغولة الباردة في فيلم نيغارا… هي رمز تلك الانطلاقة الجديدة لنظام النجوم”.