تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الفن.. متنفس اليمنيات للتغلب على مرارة الواقع

الفن.. متنفس اليمنيات للتغلب على مرارة الواقع

الفن.. متنفس اليمنيات للتغلب على مرارة الواقع

هيفاء العديني

قد يصبح الخيال شبيهًا بالواقع، وقد يصبح أجمل، الأمر متروك بيد صاحبه، يغيب الوعي عن العالم المحيط لدقائق، وتبدأ الأنامل في الإبداع، لكن معظم اليمنيات يستخدمن خيالهن اليوم كمتنفس من الواقع المرير، منجبات بذلك فنًا مختلفًا.

المتنفس الوحيد
تقول أحلام ناصر، من محافظة صنعاء: “الرسم هو المتنفس الوحيد الذي ألجأ إليه في جميع حالاتي، والشعور الذي أطلقهُ في لوحاتي، أصبح صديقي الوحيد الذي أعبر له عن مشاعري، وأشعرُ بأنهُ المكان الذي أصبح فيه بكامل الحرية في ممارسة شيء يخصني بعيدًا عن هذا العالم”، مشيرة إلى أنه حاليًا يمثل مصدر دخل لها، ويشعرها بأنها امرأة مستقلة تسد احتياجاتها بنفسها، حد تعبيرها.

“هذه الاهتمامات مهمشة في مجتمعنا وأحيانًا مستنكرة، ومع هذا لا زلت أمارس الرسم”
أما ممارسة إكرام القرشي، وهي من محافظة تعز، للرسم جاءت نتيجة الفراغ الناتج عن الحرب، “فقررتُ حينها أن أستغل هوايتي وأفرغ طاقتي من خلال الرسم؛ فأنا أعشقُ الألوان، وإن كان بعيدًا عن مجالي العلمي”.

عوالم مهمشة
نتائج الرسم كثيرة، وحالها كحال المحاصيل التي جُنيت بعد عناء، فالفنانة ندى صلاح، من مدينة عدن، توضح أنها عادت إلى الرسم كالتائهة، فوجدت أنها وحدها تمامًا، ولا أحد يشاركها اهتماماتها بالرسم والفنون بشكل عام.

وتصف ندى ممارستها للرسم بقولها: “فيه سرور خاص، تتحول بين يدي مساحات فارغة إلى لوحاتٍ تضج بالحياة، تقاوم الإحباطات والصعوبات، وتوصل رسائل لا تستطيع الكلمات إيصالها”.

“حولنا الحطام إلى جمال، ومهما تعلمت في مجال الفن لا زلت أريد حاجات جديدة، لأنه بحر كبير”
تضيف ندى: “هذه الاهتمامات مهمشة في مجتمعنا وأحيانًا مستنكرة، ومع هذا لا زلت أمارس الرسم، وأقوم بنشر أعمالي على حساب في انستجرام قمت بإنشائه، وأطور من مهاراتي عبر دورس متوفرة على شبكة الإنترنت”، متمنية وجود نادٍ يضم المهتمين بهذا الفن ليتشاركوا معًا خبراتهم المختلفة.

نقلت رجاءجعفر، وهي من مدينة عدن، تجربتها “من رسم الشمس والشجر والمنازل الصغيرة إلى المكياج السينمائي”، وهو فن فريد تصفه بـ “فن شبه واقعي على شكل تجسيدي”.

لم تتوقف رجاء عند المكياج السينمائي وانطلقت إلى مجال آخر، حيث قامت بإعادة تدوير الأشياء القديمة وشاركتها في معرض ماهيات الذي أُقيم في مدينة عدن، تقول: “حولنا الحطام إلى جمال، ومهما تعلمت في مجال الفن لا زلت أريد حاجات جديدة، لأنه بحر كبير”.

نظرة قاصرة
فينسنت فان غوخ، الفنان التشكيلي الفرنسي، مَثلٌ أعلى لأغلب المنخرطين في الفنون وثقافاتهِ، كإكرام القرشي، من مدينة تعز، التي تؤكد تتبعها لخطواته، “واجهتُ الرفض في البداية من بعض أفراد عائلتي، لاعتقادهم بأن الفن التشكيلي حرام، ولكن أصريت واستمريت حتى تقبلوا الأمر، ثم واجهت صعوبة بشراء أدوات شبه معدومة؛ بسبب حصارالمدينة الذي لا يزال قائمًا منذ 2015م”، وتتابع بحسرة: “أتمنى دراسة الفنون الجميلة في مدارس الفنون بفرنسا، وأصبح مثل فان غوخ وأكثر”.

“اهتمام الناس وطلبهم لأعمالي سبب جعلني أشارك فني للعالم، وأصنع ماركة تخصني”
نظرة المجتمع القاصرة تجاه الفن التشكيلي قللت من شأن رواد هذا الفن، بل وتطالهم انتقادات لاذعة بحسب الأخصائي الاجتماعي، وضاح الشرعبي، الذي يرى بأن “هذه نظرة المجتمع للفن تتفاوت ما بين كونها فلسفة وأفكار ابتكارية مستخلصة من ثقافة الفن، وبين كونها وصمة عار وجنون”.

الحرب أيضًا أخذت النصيب الأكبر من التأثير سلبًا على الفن والفنانين، حيث ترى أحلام أن “الوضع في اليمن أثر على جميع اليمنيين، لكننا تماشينا معه محاولين أن ننجح، ونتخطى الآثار السلبية،ونحولها بشكل إيجابي”.

ريام بدر، من محافظة عدن، فنانة أخرى جعلت من الرسم عالمها الآخر لتهرب من الواقع المرير، تقول: “كثير من الناس عندهم الرسم عبارة عن رسم أشخاص أو شيء واقعي، لكن رسمي خيالي، وهذا الشيء كثير ناس تنصدم لما تشوفه، بسبب أنني أتابع مدارس رسم مختلفة، كالتجريدي الهندسي والعبثي وغيره”.

طموحات كبيرة
شاركت أحلام بعدة معارض في صنعاء، تقول: “شاركتُ في هذه المعارض حوالي 4 إلى 5 مرات،ولم يقتصر رسمي على لوحات معينة تُعلق على جدران المنازل، بل اتجهتُ للرسم على الأواني واتخذتها مهنة”، تضيف بحماس: “اهتمام الناس وطلبهم لأعمالي سبب جعلني أشارك فني للعالم، وأصنع ماركة تخصني”.

تؤكد أحلام أن لديها أمنية تتمسك بها متمثلة في السفر، فهي حاجتها الوحيدة لتعرض لوحاتها بأماكن أخرى، وتُعرف العالم أن اليمن ولادة بالمواهب.

إكرام أيضًا، وهي فنانة من مدينة تعز، تطمح بالوصول إلى العالمية، حيث تقول: “مستقبلًا سأكون منتجة لوحات عالمية، وسأفتتح معرضًا خاصًا باللوحات التجريدية”، فيما تؤكد رجاء، وهي من مدينة عدن، أن كل من سمع عن حلمها يضحك، وكأنها تقول الترهات، لكنها مصرة على أن تصل للعالمية، “الواحد لما يجتهد يقدر يوصل”.

كل تلك القصص إنما تخبرنا أن الفن لا يقتصر مطلقًا على أشخاص متخصصين، إنه يلامس عالمًا بأسره، وكل شيء يمر من حولنا هو فنٌ متقن، وأن الحرب ليست قيدًا طويل الأمد حتى تجف فرش الألوان، وينهال اللون الرمادي على لوحاته، لا يزال الشباب بشغفه محاضرين، وإن تبعثرت الأفكار لفترة.

نقلاً عن موقع “هودج”