كشفت شهادات المعركة القانونية بين ملياردير روسي ودار سوذبيز، وهي واحدة من أعرق دور المزادات في العالم، الستار عن العالم الغامض وراء بيع أغلى الأعمال الفنية في العالم لأكثر المشترين تكتماً.
وقد استحوذت القضية، التي اتهم فيها الأوليغارشي دميتري ريبولوفليف دار سوذبيز، بمساعدة تاجر الأعمال الفنية السويسري إيف بوفييه في زيادة الأسعار بحوالي مليار دولار على العديد من مشترياته على مدار عقد، على انتباه عالم الفن. وقدمت لمحة من وراء الكواليس عن صفقات خاصة تبلغ قيمتها الإجمالية بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات. (وقد نفت دار سوذبيز أي تورط في أي أعمال غير قانونية. ولم يذكر اسم بوفييه بصفته مدعى عليه في الدعوى القضائية، كما أن القضايا الأخرى المرفوعة ضده بخصوص عمله لصالح ريبولوفليف إما قد تم رفضها أو تسويتها).
وجادل محامو ريبولوفليف بأن «الشفافية والمساءلة» هي جوهر القضية. بينما تؤكد دار سوذبيز أن السرية والتكتم عنصران بالغا الأهمية في عالم المزادات الفنية الراقية؛ لحماية هويات العملاء، ومنع السرقة، والحيلولة دون محاولات الاصطياد المحتملة من جانب دور المزادات الأخرى.
وبينما تشتهر دار سوذبيز بالمزادات الفنية العامة الفخمة التي تقيمها، فإن التوسط في الصفقات الخاصة مباشرة بين البائعين والمشترين يشكل جزءاً مهماً من أعمالها. وتلك المزادات الخاصة هي ركن يكتنفه الغموض في سوق الأعمال الفنية، حيث تنتقل فيه الأعمال الفنية من يد إلى يد عبر تجار مثل سوذبيز، وتظل الهويات مخفية لدى كلا طرفي الشراء.
في أغلب الأحيان لا يكون لدى المالك أي فكرة عن هوية الشخص الذي يبيع له، ولا يكون لدى المشتري أدنى فكرة عن مصدر العمل الفني. وفي بعض الأحيان، قد لا تعرض الأعمال الفنية أصلاً، بل تظل مخزنة، وتنتقل فقط من ملكية شخص إلى آخر.
وعلى مدار أيام عدة من الشهادات، قدم صامويل فاليت، المدير العالمي لقسم المزادات الخاصة في دار سوذبيز الذي باع العديد من الأعمال إلى بوفييه، التاجر السويسري الذي عمل لسنوات مع ريبولوفليف، تفاصيل العملية التي تم عن طريقها شراء الأعمال الفنية، بما في ذلك لوحة «مخلص العالم» لليوناردو دافنشي، لصالح بوفييه، الذي كان أبرز عملاء فاليت في ذلك الوقت.
وقال فاليت أمام هيئة المحلفين: «كان عملي يتمثل في تحقيق الأرباح لدار سوذبيز». وحسب «سوذبيز»، فقد كان فاليت أفضل مسؤول مبيعات للمعاملات الخاصة العالمية في الدار، على مدى السنوات الثلاث الماضية. وتحصل سوذبيز على عمولة من قيمة المزادات الخاصة، تتراوح عادة بين 3 إلى 9 في المئة من سعر بيع العمل الفني، رغم أن الدار ذكرت أن ذلك يمكن أن يختلف حسب القطعة الفنية. ووفقاً لتقرير صادر عن سوذبيز، فقد شكلت الأعمال الفنية التي تتجاوز قيمتها المليون دولار نسبة 86 في المئة من جميع المزادات الخاصة بين عامي 2018 و2022.
ولأجل المزادات الخاصة، يبحث وكلاء «سوذبيز» عن الأعمال الفنية التي يسعى عملاء الدار لشرائها، ويعملون جاهدين لإيجاد البائعين الراغبين في البيع والتفاوض على السعر. وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن فاليت طلب من إحدى زميلاته أن يحدد عميلها سعراً للوحة رينيه مارغريت التي أراد بوفييه الحصول عليها. وعلى الرغم من تقدير دار سوذبيز لقيمة اللوحة بأقل من 10 ملايين دولار بناءً على بيانات المزادات السابقة، إلا أن العميل كان يرغب في بيعها مقابل 25 مليون دولار. وقد اشترى بوفييه اللوحة من دار سوذبيز مقابل 24 مليون دولار، وبعدها بوقتٍ قصير باعها إلى ريبولوفليف مقابل 43.5 مليون دولار.
وكان ريبولوفليف موضوع العديد من الرسائل الإلكترونية الداخلية في «سوذبيز»، والتي كانت حريصة على جذبه كعميل محتمل. كما ورد اسمه في جدول بيانات وزع داخلياً قبل المزادات الكبرى، حيث يدرج العملاء في هذا الجدول إلى جانب أعلى الأسعار التي دفعوها على الإطلاق مقابل عمل فني في مزاد. وقال فاليت إن عدداً من المليارديرات الروس المعروفين، بما فيهم رومان أبراموفيتش وأندريه ميلنيتشينكو، كانوا نشطين في سوق الفنون الراقية آنذاك.
وحقق ريبولوفليف ثروته في مجال الأسمدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. كما أنه يمتلك فريق موناكو لكرة القدم. وكان قصر في بالم بيتش من بين مشترياته الكبرى الأخرى، حيث اشتراه في عام 2008 من دونالد ترامب (الذي كان يحضر القضية الخاصة به في الجوار) مقابل مبلغ قياسي قدره 95 مليون دولار، أي أكثر من ضعف ما دفعه ثمناً لهذا القصر قبل أربع سنوات.
وقدم فاليت تفاصيل عن كيفية قيام ممثلي دار المزادات ببناء علاقات مع العملاء أصحاب الثروات الكبيرة لتشجيعهم على البيع من خلال سوذبيز: «نحن في مجال مبني على فكرة الاختيار، سواء من قبل البائعين أم المشترين».
وتضمنت المناقشات الداخلية بين المتخصصين في سوذبيز، بمن فيهم فاليت، حول الفرص الحالية التي تؤدي إلى «شخص سيرث لوحة موديلياني». وعلى الرغم أن أن سوذبيز لم تحدد ما إذا كان العميل يمر بفترة حداد، إلا أنها أشارت إلى أن «الوقت الحالي غير مناسب للزيارة». واستنتج أنه سيتم دعوتهم إلى فعاليات في جنوب فرنسا لبناء العلاقات.
وكان أبرز الأعمال الفنية المطروحة في المحاكمة هي لوحة «مخلص العالم» لدافنشي، والتي بيعت في مزاد لسوذبيز عام 2013 تحت الاسم الرمزي «جاك». وعمل فاليت مع بوفييه والبائعين، الذين اشتروا اللوحة في مزاد مقابل حوالي 10.000 دولار وقاموا بترميمها. ولإتمام الصفقة، سافر فاليت مع أحد الملاك إلى باريس للقاء ممثل بوفييه، الذي بدأ المفاوضات بعرض وصف بأنه كان «منخفضاً بشكلٍ صادم» بقيمة 47 مليون دولار حيث كان البائعون يأملون الحصول على مالا يقل عن 100 مليون دولار.
ووصف فاليت العشاء الأخير خلال الزيارة بأنه كان «مؤلماً» «وفوضوياً» حيث كانوا يتسابقون لإبرام الصفقة. وفي وقتٍ متأخر من تلك الليلة، تم التفاوض على سعر شراء نهائي قدره 68 مليون دولار، بالإضافة إلى لوحة لبيكاسو تقدر بقيمة 12 مليون دولار، مقابل لوحة «مخلص العالم». وبعدها بوقتٍ قصير، باع بوفييه اللوحة لريبولوفليف مقابل 127 مليون دولار. لكن بعد أربع سنوات، أعاد ريبولوفليف بيع اللوحة في مزاد، هذه المرة يخص دار كريستيز، بمبلغ هائل وصل إلى 450 مليون دولار.
وتظهر الرسائل الإلكترونية كيف أنه، مع ارتفاع تقييمات الأعمال الفنية، بدت هوامش الربح التي تتراوح بين 5 و10 ملايين دولار على هذه الأعمال الفنية «النادرة» كأخطاء في التقريب. وفي عام 2015 وعبر البريد الإلكتروني، أعرب فاليت عن إحباطه عندما عارض أحد زملائه في «سوذبيز» طلبه لتقييم أعلى للوحة دافنشي، بعد مرور عامين على البيع الأصلي لبوفييه. قال الزميل إن 95 مليون يورو «هو أقصى ما (يمكنه تقبله)» لكن فاليت أخبر المحكمة أنه كان يعتقد أن «95 كان رقماً محدداً للغاية» و«غير ملائم»، وأصر على 100 مليون يورو، أي حوالي 110 ملايين دولار.
قال فاليت إنه كان يرغب في رقم كبير ينتهي بصفر أو أكثر. وقال: «في هذا المجال إذا وصلت إلى 95 مليون يورو، فبإمكانك بسهولة الحصول على 100 مليون يورو». وأضاف إن مناقشة التقييم كانت معيارية بالنسبة إلى دار المزادات، قائلاً: «إذا وضعت 10 خبراء في غرفة، فمن المحتمل أن تحصل على 10 آراء مختلفة حول قيمة الشيء ذاته».