تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » مواسم اختفاء الممثلات اليمنيّات.. الترهيب يوسّع موجة الاعتزال في الدراما المحلية

مواسم اختفاء الممثلات اليمنيّات.. الترهيب يوسّع موجة الاعتزال في الدراما المحلية

مسلسلات رمضان وانتقال اليمن من الكوميديا إلى الدراما

 

محمد الكرامي
عرفت الساحة الدرامية في اليمن، منذ مطلع الألفية الجديدة، موجةً من الاعتزال، استقطبت عددًا كبيرًا من الممثلات اليمنيّات، كان آخرهن شيماء محمد في فبراير/ شباط 2024، على الرغم من كونها مثلت في عددٍ قليل من المسلسلات اليمنية، ولم تقدّم أيَّ أداء يُذكر في مشوارها القصير، فقد أثار اعتزالها ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وتصدّرت “الترند”، وهو ما يجعلنا نتساءل عما إذا كان اعتزال شيماء، التي أتت من مجال الدعاية والتسويق والإعلان، ولم يعرفها أحد في مجال التمثيل، مجردَ حركةٍ دعائية لاستعادة الأضواء.

وبرغم تعمّد ممثلات الجيل الجديد إثارة الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإن الاعتزال ليس جديدًا في تاريخ الدراما اليمنية، إذ حمل المشهد الفني اليمني مجموعةً من المواقف الشخصية التي اتخذتها بعض الفنانات، مثل اعتزال الممثلة والمغنية لطيفة الكوكباني، داعيةً بنات جيلها للاهتمام بالفن بمختلف أشكاله، كما كتبت مجلة اليمن الجديد. واعتزال الممثلة زهراء طالب، العملَ المسرحي للتفرغ للعمل التلفزيوني، واعتزال الممثلة مديحة الحيدري العمل الدرامي والمسرحي لأسباب صحية في أواخر عمرها، ومثلها فعلت الممثلة نجيبة عبدالله، التي تركت التمثيل في العام 1995، لانشغالها بتربية أبنائها، وستعود إليه في العام 2013. وجاء اعتزال الممثلة فتحية إبراهيم في وقت سابق، التمثيلَ المحلي؛ لتردّي حالة التمثيل في اليمن، إذ أعلنت أنّها ستكون حاضرة من خلال أعمال خليجية فقط. ولذا، فإن اعتزال الجيل القديم كان بعيدًا عن إثارة الرأي العام، ويتم لأسباب فنية وشخصية، وبشكل صامت.

وعلى كلِّ حال، فإنّ نساء الجيل الماضي لم يجدن تعارضًا بين الزواج وحبّ التلفزيون أو المسرح، ولم يُدِينَّ أنفسهن دينيًّا، حيث كُنَّ على وعي بفنّ التمثيل، وأهميته، ومكانته على خارطة التاريخ، ولم يكترثن بالعادات والتقاليد، والخطاب الديني الموروث والمفروض، والتنشئة الاجتماعية، فيما يجدن ممثلات الألفية الجديدة أنفسَهن في تصادم مباشر مع الزواج باعتباره أعلى طموح في حياة المرأة اليمنية؛ بسبب النظرة القاصرة التي ترى مكان المرأة لا يتعدى حدود المنزل، حيث تقوم بخدمة الزوج والأطفال.

الزواج والتوبة

الفنانة سماح العمراني، كانت من أكثر الممثلات اللواتي أثرن الجدل بإعلان قرارها المفاجئ باعتزال عالم التمثيل، بعد زواجها بشاب يمني في الخارج، إذ وصفت الدراما اليمنية بأنها “مستنقع”، محتفية بارتدائها النقاب والجلباب، وأكّدت أنّها اتخذت هذا القرار عن قناعة ذاتية، وليس بالإجبار من زوجها أو أيّ شخص آخر، على صفحتها بالفيسبوك. سماح العمراني التي شاركت في بعض الأدوار التمثيلية، وقدّمت مجموعة لا بأس بها من المسلسلات التي لاقت رواجًا محليًّا، وربطتها علاقة جيدة مع الوسط الفني، جاء إعلانها الاعتزال عنيفًا تجاه زميلاتها الممثلات، إذ إنّها لم تكتفِ بالتشنيع على الوسط الفني، بل أرفقت منشورًا لأحد الناشطين على الفيسبوك يهاجم فيه الممثلين اليمنيّين والممثّلات، ويؤكّد أنهم يشربون الخمر ويتحرشون بالممثلات.

ومن المفارقة أنّ المخرج اليمني وليد العلفي، الذي أخرج فيلم “الرهان الخاسر”، الذي يدور حول قضية التطرف والإرهاب، بدعم من وزارة الداخلية في العام 2006، علّقَ على منشور سماح العمراني، بـ: “الله عليش يا سماح، كلامك درر، أتمنى يستوعبوه”. وبعد موجة غضب من روّاد وسائل التواصل الاجتماعي، خرج العلفي في توضيح نشرَه على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، أكّد خلاله أن تعليقه لم يكن مؤيدًا لوصفها الدراما اليمنية بالمستنقع، وإنّما على حديثها حول النقاب والتدين والتقرب إلى الله! وأكّد العلفي أنّه لم ينتبه إلى وصفها الدراما اليمنية بالمستنقع، وأنّ تعليقه لها من باب التعاطف معها حول تساؤل المئات من المتابعين لها على مواقع التواصل عن ارتداء الجلباب والنقاب.

بعد زواج الممثلة اليمنية عذاري الكيلاني، لم تَغِب الكيلاني عن الشاشة اليمنية وحسب، ولكنها اختفت عن الحياة العامة، وكانت آخر صورة لها في خليجي عشرين، في مدينة عدن في العام 2010. عذاري الكيلاني التي مثّلت في مسلسل “أشواق وأشواك”، و”الحبّ والثأر”، و”كيني ميني”، وخطفت إعجاب معظم اليمنيين، بجمالها وشخصيتها وبراعة تمثيلها، فإنّنا لم نرَ لها دورًا جديدًا ولا صفحاتِ تواصل ولا أصدقاء ولا معارف، فقد تلاشت مثل شبح دون إعلان رسمي عن قرار الاعتزال، وما زالت مختفية رغم مرور عقد ونصف. وبحسب بعض المصادر من جيرانها في مكان سكنها القديم في صنعاء، فإنّ زوجها طلب منها ترك الفن، لتنتهي هكذا مسيرتها الفنية بعد وقت قصير من زواجها.

اختفاء الممثلات لم يكن مجرد حالة خاصة في اليمن، بل حالة شائعة في الوسط الفني، وإن تعدّدت الأسباب بين ما هو شخصي واجتماعي. كما هو الحال مع الممثلة رضا الخضر، التي شاركت في العديد من الأعمال التلفزيونية، مثل فيلم “يوم جديد في صنعاء القديمة”، الذي حصل على كثير من الجوائز في عدة مهرجانات، وهو من إخراج اليمني البريطاني بدر بن حرسي، ومسلسل “كيني ميني” الجزء الأول والثاني والثالث (2005، 2006، 2007)، ومسلسل “الحب والثأر” 2007، ومع ذلك، اختفت وهي في عزّ نجاحها الفنّي، عن جميع المشاركات المحلية والمهرجانات العربية ووسائل التواصل، خصوصًا بعد نجاح فيلم “يوم جديد في صنعاء القديمة”، الذي كان أول محاولات صناعة فيلم يمني، وشاركت في بطولته سحر الأصبحي، مع الممثل نبيل صابر، والممثل باولو رومانو. وبرغم ما لاقاه الفيلم من مضايقات بعد تسرب سيناريو الفيلم من أهالي المنطقة؛ حيث قاموا برشق طاقم الفيلم بالحجارة، واقتحام مجموعة متعصبة موقع التصوير لإيقاف التصوير، مما اضطر طاقم الفريق إلى وضع جنود للحراسة، فإنّ مصير الممثلة رضا الخضر كان أكثر ظلمًا وإجحافًا.

أحمد الخضر (اسم مستعار)، أحد أقرباء الممثلة الخضر، في تصريحه إلى “خيوط”، يقول: “اشتهرت رضا الخضر بعد فيلمها “يوم جديد في صنعاء القديمة” بشكل كبير، حيث ذاع اسمها في المهرجانات الدولية، خصوصًا أن مخرج الفيلم بريطاني، والفيلم عُرض في مهرجان كان السينمائي، ومن ثَمّ تزوجت في العام 2008 وسافرت من اليمن، ورغم أنّها تلقّت عروضًا لأدوار جديدة، منها فيلم وثائقي مشترك خارج اليمن، فإنّ قيود الزواج كانت تضع نهاية لمسيرتها التمثيلية، إذ لم يسمح لها زوجها بأيّ دور عربي أو محلي، ولا حتى الظهور على أيٍّ من وسائل التواصل”.

ويذكر التاريخ الفني العديدَ من الممثلات اللواتي صعدن بأدوار محدودة أو وحيدة في أفلام ومسلسلات محلية، وجميعهن مثّلن بإخلاص وجودة، وتقمصن الشخصية بحدود الأدوار المسندة إليهن، غير أنّ الزواج كان التحدي الأكبر في مسيرة الممثلات اليمنيات؛ فعندما تظهر الممثلة اليمنية في مسلسل رمضاني، وتشتهر، وتتصدر الترند في وسائل التواصل الاجتماعي، لا تلبث أن تختفي عن الساحة الفنية. وبرغم اختلاف تجارب الممثلات اليمنيات، فإن مصير النهاية يبدو مشتركًا أو واحدًا، حيث يختفين بعد مدة غير طويلة عن الشاشة.

أما بالنسبة إلى الممثلة منى الأصبحي، وهي ممثلة يمنية بارعة، ظهرت في بضعة أعمال في التلفزيون، مثل: “أشواق وأشواك”، و”كيني ميني”، و”مننا فينا”، وشاركت في فيلم “الرهان الخاسر”، فقد اعتزلت التمثيل في العام 2010، بعد زواجها وإنجابها ابنتين، ومثلها فعلت الممثلة مها الحاج، التي بدأت العمل بالتمثيل من خلال أوبريت بناء وطن، وهي مصممة أزياء ومكياج، وشاركت في مسلسل “قبل الفوات”، “كل يوم حكاية”، “حي الحكمة”. وبالإضافة إلى ذلك غابت الممثلة اليمنية اللبنانية دانيا إيناس، بعد دور وحيد في فيلم يوم جديد في صنعاء القديمة، وغيرهن الكثير.

الاعتزال الفني.. الرداءة والشللية

تعدّ سراب عادل من أبرز الممثلات اليمنيات الشابات اللاتي لمع نجمهن في مطلع الألفية الجديدة، حيث قدّمت للدراما اليمنية مجموعة كبيرة من الأعمال، مثل مسلسل “الضائعة”، و”شر البلية” عام 2005 و2006، و”الوصية” و”حي الحكمة”، وشاركت في الدراما العربية في المسلسل الأردني “الأرملة”، ومسلسل سوري يمني “سيف بن ذي يزن”. ولكن حضورها في العقد الثاني من الألفية تراجع عن الشاشة ووسائل الإعلام، وبحسب مصادر مقربة، لم تجد سراب عادل منذ مغادرتها اليمن سيناريوهات ملائمة للشخصية التي تبحث عنها، فضلًا عن الشللية التي تحكم الوسط الفني اليمني، مما دفعها إلى اعتزال الساحة الفنية من دون أن تعلن اعتزالها، وقد عادت في مسلسل “الجمرة”، الذي نجح على مستوى الأعمال المحلية في العام 2017، ومن ثَمّ اختفت من جديد.

ومقابل اعتزال هؤلاء النجمات واختفائهن، شهدت الساحة الدرامية عودة أخريات اعتزلن في الفترة نفسها، من بينهن منى الأصبحي التي تركت التمثيل عقدًا كاملًا، حيث قالت في مقابلة لها على قناة اليمن اليوم الفضائية: “حينما سافرت كانت هناك حرب بدأت في الوسط الفني بين الزملاء، وعندما كنت أتلقّى عرض عمل أجد رتم الشخصية ينخفض من شخصيتي، أي إنّنا نتفق على شخصية ما، ولكن بعد ثلاث حلقات تبدأ الشخصية في الهبوط والانحدار، ومن ثَمّ تختفي الشخصية تمامًا؛ ولذا شعرت بأني بدأت أحرق نفسي، فسافرت إلى المهجر لأكتشف نفسي، أدرس وأتعلم، ولكن صادفت الأقدار أني تزوجت، وهكذا اختفيت”، وبعد سنوات تواصلت الممثلة منى الأصبحي مع المخرج فضل العلفي لتهنئته بمسلسل “الدلال”، لينتهي الحال بهما بالتنسيق على عمل مشترك، وقد عادت في العام 2021 مع مسلسل “خلف الشمس”.

ترهيب الممثلات

تواجه النساء اليمنيات في مجال التمثيل صعوبات عديدة، مِن بينها النظرة الدونية من المجتمع الذي لا يحترم الممثلة، ويرفع قيمة من اختارت الزواج، باعتباره شرط العفة والطهارة، ولذا تتم مهاجمة الممثلات على وسائل التواصل، وممارسة الوصاية عليهن، كما في حالة الممثلة هديل مانع، التي سافرت إلى مصر، وكشفت عن أجزاء من شعرها، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف الهجوم عليها.

وعلاوة على احتقار الممثلات اليمنيات، تعيش النساء في مناطق سيطرة الحوثي أوضاعًا هي الأسوأ، حيث يتعرضن للعنف والإقصاء والتمييز والانتهاك، كما حدث مع عارضة الأزياء الفتاة إنتصار الحمادي، التي دخلت عالم التمثيل في رمضان 2020، ومثّلت في مسلسلين تلفزيونيين يمنيين، هما: “سد الغريب”، و”غربة البن”، وتعد أصغر ممثلة، ولكن مسيرتها التمثيلية كانت أقصر ممّا تتوقع؛ حيث اختطفت سلطات الحوثي إنتصار الحمادي من أحد شوارع صنعاء في وضح النهار، وأخفتها في أقبية التعذيب دون محاكمة علنية، وبحسب إفادة برلمانيين وقضاة وصحافيين فإنّ جماعة الحوثي طلبوا منها ومن زميلاتها أن ينضممن لخلية دعارة، وشبكة جاسوسية منظمة، لينصبن كاميرات مراقبة لابتزاز بعض المعارضين السياسيين، وعندما رفضن لفقوا لهن التهم. ثم تطورت ادعاءات الحوثيين إلى اتهام في شرف إنتصار، وبرغم مزايدات الحوثي ومن على شاكلته، بأن مكان المرأة بيتها، لا أحد يُبدي اكتراثًا لمصير إنتصار الحمادي في السجن منذ سنتين. وهكذا، يبدو اختفاء الممثلات اليمنيات واعتزالهن، أيًّا كانت ظروفه، خاصة أو عامة، إجبارية أو طواعية، تتوافر جميع أسبابه في اليمن.

نقلاً عن منصة “خيوط”