تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التقنية وراء القفزات الكبيرة في صناعة السينما

التقنية وراء القفزات الكبيرة في صناعة السينما

التقنية وراء القفزات الكبيرة في صناعة السينما

 

تصبح التقنية المتحكم الوحيد في صناعة الصورة السينمائية وتجميلها، ومن هنا تأتي أهمية التقنية في انفتاح الفن على مناخات مغايرة وتخوم غير مطروقة للبحث لها عن لغة جديدة وشكل سينمائي مختلف.

لعبت التقنية دوراً كبيراً في تقديم خدمات إلى الثقافة الإنسانية، سواء من خلال التعريف بها أو جعلها وسيلة تعبيرية. بخاصة في مجال الصناعة السينمائية الذي تعد فيه التقنية ركيزة فنية من دونها لا يمكن إنجاز أي عمل سينمائي. بل إنها فتحت اليوم أفقاً مغايراً للفن السابع وجعلته الفن الأكثر مشاهدة ومتابعة مقارنة بالفنون البصرية الأخرى.

فعلى مستوى التصوير أتاحت التقنية اعتماد آلات تصويرية جديدة قوية وقادرة على التقاط مشاهد في غاية الجمال والدقة. وهو أمر أتاح للسينما البحث عن آفاق جديدة على مستوى الصورة والمونتاج والعمل على اجتراح معطى مغاير في التعامل مع السيناريو.

إن الصورة تعد الجوهر الحقيقي للعمل السينمائي ما دام الناس يشاهدون الصور والعلامات وليس الكلمات. مما يعني أن التقنية تصبح المتحكم الوحيد في صناعة الصورة السينمائية وتجميلها. من هنا تأتي أهمية التقنية في انفتاح الفن على مناخات مغايرة وتخوم غير مطروقة للبحث لها عن لغة جديدة وشكل سينمائي مختلف.

ويعد عدد من النقاد والباحثين أن التقنية تبقى مجرد وسيلة تقنية غير مؤثرة في جماليات النص السينمائي، ما دامت لا تتحكم في السيناريو ولا تؤثر في ذائقة المخرج وعوالمه التخييلية، بما يجعلها ذات صبغة فكرية مؤثرة توجه العمل السينمائي. بينما يرى فريق آخر أن التقنية مؤثرة وتستطيع أن تغير مسار فيلم بأكمله من ناحية الصناعة والعرض.

بين الأدب والسينما

يصعب الحديث فعلياً عن تأثير التقنية في الأدب إلا في ما يتصل بمسألة النشر. أي إن الأدب بحكم اعتماده على لغة تخييلية مكتوبة بالأساس يجعل التقنية أمراً مستبعداً من مجاله. فالأدب لا يحتاج إلى تقنية بقدر ما يحتاج إلى لغة للكتابة والتفكير والنقد والحلم. أي إنه خطاب مكتوب لا يحتاج إلى التقنية إلا باعتبارها وسيلة تسهم في ذيوع وانتشار العمل الأدبي.

لكن العمل السينمائي مبني في أصله على التقنية، فكلما تطورت آلات التصوير وبرامج المونتاج فإنها تؤثر بصورة مباشرة في العمل السينمائي من ناحية جودة الصوت والبحث عن جماليات بصرية بها يضمن الفيلم وجوده واستمراريته في ذهنية المشاهد.

اإن التقنية تكاد تكون سر العمل السينمائي، فمن دونها لا يمكن تحقيق أي طفرة للفيلم، ما دامت السينما عبارة عن فن بصري يتوسل التقنية لا كأداة للتعبير وإنما كوسيلة لبناء كينونة الصور ورصد سيرة المعنى.

لهذا يوجد كثير من الأفلام السينمائية العربية القوية من ناحية النص والتفكير، لكنها ضعيفة على مستوى التصوير بحكم الإمكانات التقنية البسيطة التي يتوفر عليها فريق الفيلم. بالتالي فإن الضعف التقني لا يعطي للفيلم أي إشعاع بصري ولا يسمح له أن يكون عملاً فنياً مؤثراً بصوره ولقطاته ومشاهده.

البعد الفني

والحقيقة أن الفيلم العربي لا يولي أي اهتمام يذكر للجانب التقني، معتقداً أن فعل الكتابة وعنصر الإخراج كافيان لإنجاح الفيلم. في حين تبلور التجربة الهوليوودية مفهوماً أصيلاً للسينما الجديدة، بخاصة المرتبطة منها بالخيال العلمي والمغامرات والرسوم المتحركة. فكل هذه الأنواع الفيلمية تستند بدرجة أولى على التقنية وتجعل منها فضلاً عن كونها أداة للتعبير هوية بصرية مكثفة ومميزة.

يقول الناقد الأردني عدنان مدانات، “من البديهي أن تتسبب قلة الخبرة في التعامل مع التقنيات، إضافة إلى شح التجهيزات التقنية في إضعاف المستوى الفني ومن ثم الإبداعي للأفلام. وقد شكل هذا الواقع على الدوام عنصراً من عناصر الأزمة البنيوية لسينما العربية في مستوياتها الفنية والإبداعية. وهي أزمة لم تقتصر على البدايات بل استمرت عبر مراحل تطور هذه السينما وصولاً إلى الزمن الحاضر، الذي بدأت هذه الأزمة تتعمق وتتخذ أبعاداً جديدة مع دخول صناعة الفيلم مرحلة السينما الرقمية”.

إن المشكل الوحيد الذي يطرحه موضوع الاهتمام بمفهوم التقنية داخل العمل السينمائي يتمثل في البعد الفني للصورة. إذ يستحيل مشاهدة فيلم يفتقر إلى شروط الصناعة الجمالية. بل إن ضعف التصوير وهشاشة الصوت قد تنفر الجمهور من عملية المشاهدة. من هنا بالضبط تكمن صعوبة العلاقة، بخاصة في وقت تتطور الصورة يوماً بعد يوم وتصبح تقنية اليوم متجاوزة غداً.

هذا الأمر يجعل عديداً من المخرجين يتابعون من كثب آخر صيحات الكاميرا وعدسات التصوير وآلات حفظ الصوت. وهي عناصر تقنية مؤثرة في بنية العمل السينمائي ويكاد عدم الاهتمام بها يضعف من قيمة الفيلم وجمالياته.

عربياً لا تزال كوكبة من المخرجين يتعاملون مع التقنية باعتبارها مجرد آلة لا تفكر ولا تؤثر بقوة في متخيل الفيلم. في حين أن بعض التجارب السينمائية الغربية تؤكد عكس ذلك، بل تكاد التقنية فيها تصبح جوهر العمل السينمائي، وهي تروم عبر التصوير إلى اجتراح صورة شعرية مذهلة للفيلم السينمائي.