رغم ما يقرب من نصف القرن على رحيل أم كلثوم إلا أن الفنانة السورية نور الكوا لا يزال لديها الفضول لمعرفة سر النجاح المبهر لكوكب الشرق، حتى إنها بحثت عنه فى لوحاتها التشكيلية، واستطاعت أن تحتضن روح سيدة الغناء العربى، من خلال إبراز نظارتها السوداء المرصعة بالألماظ، والمنديل الأيقونى الذى يتراقص بين أصابعها والفساتين المزركشة والمجوهرات الكلاسيكية التى تحمل طابع الزمن الجميل، وجمهورها أثناء الاستمتاع بغنائها على خشبة المسرح، وفرقتها التى رافقتها بكل حفلة.
تقول «نور الكوا»، لـ«المصرى اليوم»: «الفن التشكيلى فن بصرى، وممكن يعكس روح الموسيقى، لو عرفنا كيف نرفق هذا الفن البصرى بلغة عالمية تفهمها كل الشعوب؛ لذلك حاولت تجسيد موسيقى كوكب الشرق لتصبح فى لوحة وبرفقة أعظم آلة لعرض كلماتها مع ألوان منقوشة داخل اللوحة لتعطى بهجة، وأسلوبى المفضل عند رسم شخصية الست هو الأسلوب التجريدى التشخيصى، حيث لا أمثل تصويرًا دقيقًا للواقع المرئى، بل أتواصل مع الجمهور من خلال الأشكال والألوان والخطوط».
وأضافت: «فى بعض الأحيان أستخدم عناصر موجودة بالواقع، وبإمكانى إضافة عناصر تزيد من جمالية المشهد، وتدعمه ثقافيًّا، وتحرض فضول الجمهور مثل (الطربوش)، فهو جزء من الهوية الثقافية الشرقية، ورغم أنه فى أعمالى لن تجد حضورًا لبعض التفاصيل فى ملامح الوجه، فإننى أحاول توصيل إحساسها من خلال أدواتها المرتبطة بالذاكرة السمعية لدى الجمهور، فكل فستان لديها مرتبط بكلمات ولحن محدد، مثل فستانها الأبيض المرصع باللؤلؤ لأغنية الأطلال، وهذا ما أقوم بالبحث والعمل عليه بمجموعة أم كلثوم الجديدة».
وتحاول «نور» فى لوحاتها ربط الإيقاع الموسيقى بطبيعة بناء المساحة التشكيلية للوحة، حيث وضحت: «أبحث دائمًا عن البقع اللونية والكتل والصورة التى تتقابل بين شدة اللحن الخافت والقوى وما بينهما، وهنا أنقل إلى المشاهد مفهومى الخاص وأبقى على مساحته الخاصة، والفن له دور مهم فى الحفاظ على التراث الثقافى للموسيقى العربية، ويصون الهوية الإنسانية، ويمكننا الاستفادة منه للتعرف على ثقافات أخرى وتخليدها».
واستطردت قائلة: «وفى أعماقى الآن مازلت أرى أعمالاً تُسردُ أمامى لكوكب الشرق ربما تظهر للعلن قريبًا، ودائمًا أحاول توصيل رسالة من خلال أعمالى الفنية لأم كلثوم، هى أن الفن البصرى يمكنه اختزال الصوت والكلمات، وترك بصمة متداخلة بينهما، ولعلى أستطيع أن أسترجع قليلًا ذلك الزمن الجميل بدسامته الإبداعية».
واختتمت «نور» حديثها عن مشوارها الفنى بشكل عام، قائلة: «رغم كل الأسى ببلادنا، لدىَّ إحساس عالٍ بالحب والخير والرضا والثقة بريشتى وأدواتى لخلق مناخ صحى وممتع، وكان لدىَّ إيمان بضرورة الفن لأدخل عالمًا لا يقيدنى فيه أحد، وعندما انتهيت من الدراسة لم أحمل بذاكرتى سوى أنشطة المدرسة وكيف كان عقابى لتقصيرى بالدراسة والمشاغبة أن أرسم على الجدران الخارجية للمدرسة، وحينها تأكدت أنه لم يكن عقابًا، لقد كان القدَر يهدينى إلى بداية الطريق، وبدأ إصرارى على العمل بمجال الفنون، وعملت مُدرِّسة للفنون مع ذوى الاحتياجات الخاصة».