تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » مازن الرفاعي.. الطبيعة تلك اللوحة الأُولى

مازن الرفاعي.. الطبيعة تلك اللوحة الأُولى

مازن الرفاعي.. الطبيعة تلك اللوحة الأُولى

 

لا تنفصل لوحة مازن الرفاعي (1957) عن منسوجاته؛ إذ تسري في الاثنين روحٌ ولونٌ واحد، وهذا ما نلاحظه في معرضه “ألوان عشقية”، الذي افتُتح الخميس الماضي في “غاليري أجيال” ببيروت، ويتواصل حتى الثاني والعشرين من شباط/ فبراير المقبل، ويتألّف من 24 لوحة مشغولة بالأكريليك على القماش، و13 عملاً نَسجيّاً.

يُؤطّر الأسلوب التجريدي وتقنياتُه موضوعات الأعمال المعروضة. هناك مَزج كثيف للألوان، لكنّ الحدود فيه تبقى بيّنة، وكأنّنا أمام أرخبيل من الجُزر، واضحٌ في ملامحه وعتباته. مع ذلك، يمكن ملاحظة الطبيعة اللبنانية بشكل مُوحٍ من خلف اللوحة. لدينا بحر وسماء يتركّبان من قطعٍ زرقاء ثقيلة وخفيفة، وسهول وجبال تتآلف من قِطَع بُنّية وصفراء وخضراء. كلُّ لونٍ قطعة تحتفظ بمساحة معيّنة على اللوحة، ومن دون أن تتمدّد أبعد من ذلك المقدار أو تمتزج بغيرها.

تُذكِّر تقنيات صاحب معرض “هيك السهول” (2019) بأسلوب سبق أن قاربَه تشكيليّون لبنانيّون عديدون، في المقام الأول صليبا الدويهي (1915 – 1994)، وإلى حدّ ما، رفيق شرف (1932 – 2003)، حيث تنداح الكتل اللونية لتخلق خطوطها بنفسها على اللوحة، وهو أسلوب ظلّ معتمَداً طوال مرحلة “النهضة التشكيلية اللبنانية”، التي بلغت ذروات عدّة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وإن لم يعُد هذا الأسلوب اليوم متسيّداً المشهد الفنّي. بهذا يمكن القول عن لوحة مازن الرفاعي إنّها عملية استحضار ووَصْل، تربط، وإن بشكل غير مباشر، بين سمات مرحلتين.

بالعودة إلى مروحة الألوان التي يتحرّك من خلالها الرفاعي، نجد أنّ الهدوء هو المتحكّم الفعلي في توازناتها، فلا مبالغة ولا لزوم لما لا يلزم، بل أبعد مدىً من التناقض يُمكن أن تذهب إليه هو ما تسمح به الطبيعة لتعبِر عن نفسها، لتتنفّس. بمعنى آخر، يُمكن القول إنّ الطبيعة هي تلك اللوحة الأُولى التي يتّخذها الرفاعي نموذجاً أصليّاً لأعماله.

وبالانتقال إلى قسم المنسوجات في معرض “الألوان العاشقة”، نجدها تقف أمام مرآة اللوحات التشكيلية، هي “الأرخبيلية اللونية” ذاتها، ولكنّها مشدودة بالخيوط بدل الألوان، وتسير وفق منطق القِطَع المركّبة، لتؤكّد كلمة الطبيعة، لا من خلال الأكريليك فقط. مع ذلك فإنّ التوازن والهدوء لا يصدُران عن إيقاع هندسي مدروس (رغم أنّ الرفاعي حاصل على إجازة في الهندسة)، بل عن تراسُل عفوي أقرب إلى الصوفية، كما ينبّه الشاعر طلال حيدر في تقديمه للمعرض، يتشرّب الكون بكامل تناقضاته، فيُلخّصه بقطعتين لونيّتين، وإن تعدّدت تدرّجاتها.

وُلد مازن الرفاعي في بعلبك، وحصل على إجازة في التصميم الداخلي من “الجامعة اللبنانية”، وإجازة في الفنون الجميلة من “أكاديمية ماسيرتا” الإيطالية. شارك، منذ 1981، في عدّة طبعات من “معرض الخريف” الذي ينظّمه “متحف سرسق” في بيروت، إلى جانب معارض أُخرى في لبنان وخارجه. صدر له كتابان: “بعلبك بالأسود والأبيض” (2007)، و”بعلبك 1981 – 2011″ (2011).