انطلقت الدورة السادسة من معرض “آرت كايرو”، الحدث الفني الأبرز الذي يجمع بين عبق التراث وإبداعات الفن المعاصر.
يتجاوز “آرت كايرو” الذي يُنظم في رحاب المتحف المصري الكبير، في كونه مساحة لعرض الأعمال الفنية ليتحول مع مرور الوقت إلى منصة للحوار الثقافي والتواصل بين شعوب المنطقة. على مدار أربعة أيام، يجتمع عشرات الفنانين ومديري صالات العرض في القاهرة، لتقديم العديد من التجارب الفنية التي تعكس التنوع والثراء في المشهد الفني في مصر والعالم العربي. وقد تجسّد شعار هذه الدورة من “آرت كايرو” في لوحة أيقونية للفنان السوري نزار صابور، الذي قدم عملاً فنياً استثنائياً تتوسطه شجرة الزيتون، رمز السلام والصمود، بجذورها الراسخة وأغصانها الممتدة نحو السماء، وكأنها تربط بين الأرض وما تحمل من ألم وتحديات، والسماء التي ترمز للأمل والخلاص.
كشف صابور خلال المعرض عن مجموعته الجديدة “نواويس مصرية” التي تُعد امتداداً لمشروعه السابق “نواويس سورية”، التي أعاد فيها تعريف مفهوم الفنان ودوره في تخليد الشخصيات المؤثرة. استخدم صابور في أعماله تقنيات مستوحاة من التراث السوري والمصري، ممزوجة بلمسات معاصرة تعزز من قوة التعبير البصري، واستلهم مفرداته من الأيقونات المسيحية الشرقية، موظفاً الألوان الغنية والهالات المضيئة التي تمنح وجوه الشخصيات بعداً روحانياً فريداً. في هذه المجموعة، سلّط الفنان السوري الضوء على شخصيات مصرية وعربية بارزة مثل توفيق الحكيم وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، إلى جانب تكريم خاص لأسطورة الغناء اللبناني فيروز، تقديراً لمكانتها في قلوب المصريين والعرب.
ومن أبرز محطات المعرض هذا العام تكريم الفنان المصري الراحل سمير رافع (1926-2004)، أحد رواد الفن المصري الحديث، الذي استطاع أن يمزج بين السريالية وجوهر التراث المصري بطريقة خلابة. وُلِد رافع في حي السكاكيني بالقاهرة، وتأثر في بداياته بإرشاد الفنان حسين يوسف أمين، ليصبح لاحقاً من الأسماء الرائدة في حركة الفن والحرية. وقد مزج رافع في أعماله بين الأسطورة المصرية القديمة والأشكال المعاصرة الجريئة. ويأتي تكريم سمير رافع هذا العام ضمن تقليد آرت كايرو للاحتفاء برموز الفن الذين ساهموا في تشكيل هوية الفن المصري والعربي، مثل عمر النجدي وصبري منصور في دورات سابقة.
من بين الأنشطة المميزة هذا العام، يبرز مشروع بودكاست “قعدة فن”، وهو برنامج حواري جديد يسلط الضوء على نجوم الساحة الفنية في مصر والمنطقة العربية. يستضيف البرنامج العديد من الشخصيات المؤثرة في مجال الفنون البصرية في مصر لمشاركة تجاربهم ورؤاهم الفنية، مما يخلق مساحة حيوية للنقاش وتبادل الأفكار. ويتضمن المهرجان أيضاً العديد من الأنشطة الأخرى من ندوات ولقاءات وجولات فنية في أنحاء القاهرة.
تميزت الدورة السادسة بمشاركة واسعة من قاعات عرض فنية من أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع حضور قوي ولافت لدول مثل لبنان والأردن وقطر والإمارات والسعودية والبحرين والكويت والمغرب وتونس، وتركيا لأول مرة. هذا التنوع يعكس رؤية المعرض في تعزيز الحوار الفني الإقليمي وخلق جسور من التواصل بين الفنانين والجماهير من مختلف الثقافات. وفي هذا السياق، يقول محمد يونس، مؤسس “آرت كايرو” ومديره إنهم كانوا حريصين كل الحرص أثناء التجهيز لهذه الدورة، على تمثيل الثراء الفني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للجمهور المحلي والدولي. وقد أثبت المعرض الذي يُنظم للعام السادس على التوالي، مكانته كحدث فني مهم في العالم العربي، فهو لا يكتفي بتقديم الفن كمنتج بصري فقط، بل كوسيلة للتعبير عن الهوية والثقافة والإنسانية. ففي كل ركن من أركان المعرض، هناك نبض خاص يعكس روح القاهرة، هذه المدينة التي تجمع بين التاريخ العريق والحيوية المعاصرة.