تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التشكيلي محمد سبأ: اليمن يمتلك آثارًا تمزج بين حضارتين

التشكيلي محمد سبأ: اليمن يمتلك آثارًا تمزج بين حضارتين

التشكيلي محمد سبأ: اليمن يمتلك آثارًا تمزج بين حضارتين

 

أمنية حجاج
د. محمد سبأ، أحد الفنانين التشكيليين اليمنيين المهتمين بالثقافة والفنون والموروث الشعبى اليمنى وتقديمها من خلال مؤلفاته ومعارضه وأبحاثه الفنية، لما له من رؤية فنية خاصة من خلال دراسته للماجستير والدكتوراه فى الفن التشكيلى، وأسلوبه الخاص فى توزيع الألوان والوحدات المختلفة داخل اللوحة والأسلوب الفنى الذى يميز الفنان عن غيره من حيث التنوع.. فى هذا الحوار نتعرف على مسيرته وأسلوبه الفنى.

< ماذا عن نشأتك وكيف وصلت إلى تلك المكانة العلمية من الإبداع الفنى التشكيلى؟
نشأت فى محافظة “إب” مدينة جبلة ومحافظة إب تقع وسط اليمن ويحب اليمنيين تسميتها اللواء الأخضر لما تتمتع به من مناظر وأودية وجبال خضراء، بالإضافة إلى القرى المعلقة فى الجبال والمنازل المزخرفة.. كل ذلك ساعد فى أن أستلهم من الطبيعة الجميلة التى خلقها الله خلق الله من حولى، ومن حسن الحظ أن بيتنا فى القرية يطل على جبال، وأتساءل وفى طفولتى كنتُ أتساءل كيف استطاع اليمنى أن ينحت هذه الجبال ويحولها إلى مدرجات وزراعة ويحصد منها زراعته.
أتذكر أنى كنت أرسم تلك المناظر التى أشاهدها أمامى، وفى المدرسة كنت أشارك فى الإذاعة المدرسية والفعاليات التى تقام بين المدارس، وفى الجامعة التحقت بقسم التربية الفنية وبدأت أطور من موهبتى العادية إلى موهبة أكاديمية بعد أن تعلمنا على أيدى أساتذة مصريين وعراقيين فى كلية الفنون بشكل عام، وأيضًا الاهتمام بالموروث اليمنى بعمل أبحاث عن الموروث الشعبى فى اليمن، وهكذا تنامت عندى حب الموهبة للفنون، واليمن أيضًا دولة غنية بالثقافة والفنون لكنها لم توثق ولم يُكتب عنها.

< كل فنان تشكيلى عنده رمز يسير على نهجه ليس بالتقليد، لكنك معجب بمدرسته، تأثرت بأى مدرسة فى الفن التشكيلى؟
لدينا فى اليمن فنانون كُثُر، مثل الدكتور صلاح ردمان، رئيس قسم التربية الفنية، وأيضًا الفنان عبد الجبار نعمان، وحكيم العاقل، وهاشم على وغيرهم، ومن الفنانات آمنة النصيرى، كنت أطلع على لوحاتهم بشكل عام، وتأثرت بهم، لكنى فضلت أن تكون لى تجربتى التى تعتمد على رؤية بصرية وألوان خاصة، وفى بعض لوحاتى استلهمت عدة أساليب من خلال دراستى للفن التشكيلى فى مختلف الدول الأوروبية والمدارس الفنية والتشكيلية، ولدى محاولات فى المدرسة التعبيرية والتجريدية وأحيانًا أعمل مزج بين أكثر من مدرسة، بحيث تكون مميزة ولها أسلوب وطابع خاص يجمعها وحدة مشتركة من حيث الألوان والأسلوب الفنى الذى يميز الفنان عن غيره، فجمالية الفن فى التنوع وألا يكرر الفنان عمل فنان آخر.

< هناك ثقافة وقواسم فنية مشتركة بين اليمن وبعض دول القارة الإفريقية .. ما تلك الروابط الثقافية المشتركة فى رأيك؟
فعلاً، هناك روابط ثقافية مشتركة بين اليمن وبعض دول القارة الإفريقية القريبة مثل إريتريا، وجيبوتى، والصومال، وإثيوبيا، والسودان، ومصر، والمغرب العربى، ومعروف بأن الشعب اليمنى كثير الهجرة منذ زمن بعيد وقبل الإسلام، وإلى وقتنا هذا هم يعملون بالتجارة فى هذه البلدان، وحتى الهند وماليزيا وإندونيسيا، وانتقلت الثقافة الشعبية اليمنية إلى هذه البلدان ودول شرق إفريقيا بواسطة هذه الهجرة. ولدينا كتاب فى هذا الشأن عن الثقافة الأفرويمنية سلطنا فيه الضوء على العديد من العناصر المشتركة فى الثقافة والفنون بين اليمن ودول القارة الإفريقية من رقصات شعبية وفنون الغناء والأزياء والعمارة والحكايات الشعبية والمعتقدات والموروثات.
وبحكم إقامتى فى مصر لاحظت أن هناك عناصر ثقافية مشتركة فى التراث الشعبى أبرزها السيرة الشعبية التى ذُكر فيها البطل سيف بن ذى يزن، وهو ملك يمنى مشهور قبل الإسلام وموجود فى النقوش اليمنية مثله مثل ملوك مصر رمسيس وأمنحوتب وتوت عنخ آمون وغيرهم وقد ورد ذكره فى سيرة شعبية شهيرة فى تراث مصر وهى سيرة سيف بن ذى يزن، وهناك أيضا الكثير من القطع الأثرية فى اليمن التى تأثرت بملامح الحضارة المصرية، وذُكرت مصر فى العديد من النقوش اليمنية، وهذا يدل على أن الثقافة والحضارات القديمة كانت بها تداخلات كبيرة ومشتركة، وأيضًا الذين جاءوا مع عمرو بن العاص إلى مصر من الفاتحين كانوا من اليمن وسكنوا مصر حسب الروايات وأصبحوا جزءًا من الشعب المصرى، ومن هنا ربما تكونت السيرة المشتركة ما بين الثقافة المصرية واليمنية.

< بالنسبة للمرأة فى حياة الفنان التشكيلى محمد سبأ، كيف تأثرت بها فى معظم لوحاتك، خصوصًا لوحة الملكة اليمنية “بلقيس” ملكة سبأ؟
المرأة عندى ترمز إلى الأرض، فهى الأم الحاضنة والمربية، وأيضًا حاملة للتراث اليمنى المتمثل فى الأزياء والحُلى، وعندى لوحات للرجال والنساء، لكن اهتمامى بالمرأة أكثر فى لوحاتى لأنى مهتم بالتراث الشعبى وزى المرأة بالذات، لكن وجدت أن أزياء المرأة لم تعد متداولة، بينما كانت الصور فى الستينيات والسبعينيات حتى عام 2000 كانت المرأة ترتدى حليها فى المدن والقرى، لكن بدأت هذه العادات فى الاندثار وارتدت اللبس الأسود الذى يغطيها بشكل كامل، وأنا دائمًا أحاول أن أتذكر الزمن الجميل للبس اليمنى، وأعرف الأجيال الجديدة به من خلال كل منطقة بالرسم للمرأة أو لوحات تضم الرجال والنساء سواء فى الحقول والوديان وحتى المدن، وأهتم بعرض المبانى القديمة والتراث المعمارى فى اليمن بزخارفه وتنوعاته من حيث الخامات وأنواع المواد المستخدمة والإبداع فى التصميم المعمارى.
أما بالنسبة للوحات التاريخية مثل لوحة بلقيس ملكة سبأ وملكات اليمن السابقين الذين أثروا فى التاريخ اليمنى بشكل كبير، وقد ذكر القرآن الكريم مملكة سبأ فى سورة النمل، وأيضًا الملكة أروى التى استطاعت أن تحكم اليمن، ووصلت إلى حدود ما هو خارج اليمن، فلوحة بلقيس حاولت أن أتخيل وصول رسالة لها من نبى الله سليمان كما جاء فى القرآن الكريم وأن أتخيل هذه المواقف وأرسمها وأستعين بالمواقع الأثرية التى كانت فى هذه الحضارة.

< بما أنك باحث فى التراث الشعبى اليمنى ومؤلف لأكثر من كتاب تناولت فيه الموروث الشعبى اليمنى.. ما المقصود بالموروث الشعبى من وجهة نظرك؟
من الكتب التى أتحدث فيها عن الموروث الشعبى كتاب: “فنون التشكيل الشعبى فى اليمن”، تناولت فيه الفنون الشعبية من عمارة وحلى وأعمال الخشب والنباتات، والاستفادة من هذه الفنون أيضًا فى البناء بالأحجار والطين وغيرها، تناولت أيضًا صناعة الفخار والمنسوجات، كنت أحاول دائمًا توثيق التراث الشعبى، وفى الماجستير الذى حصلت عليه من أكاديمية الفنون بالقاهرة خصصت رسالة الماجستير حول دراسة الأزياء والحلى اليمنية بوصفها جزءا مهما من التراث الثقافى اليمنى كما لدى كتاب جمعت فيه الحكايات الشعبية فى اليمن من كبار السن، وللأسف فإن الجيل الجديد لا يهتم بهذا التراث لكن اهتمامه الأكبر بالإنترنت واليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي.
أيضًا، لدى كتاب عن الأزياء والحلى التقليدية التى تتميز بها اليمن، فالحلى الفضية اليمنية مشهورة، وتعتبر من أجود أنواع الفضة فى العالم بسبب أنها غنية بالأحجار الكريمة مثل العقيق، واليمنيون ماهرون فى صناعتها وزخرفتها فى نمائم صغيرة جدًا، ولدينا كتاب جديد مشترك مع الدكتور نزار غانم عن الثقافة الأفرو-يمنية نتناول فيه النقاط التى تلتقى فيها الثقافة اليمنية مع الإفريقية من عدة زوايا خاصة فى الفنون والعناصر الشعبية المختلفة.

< كيف أثرت الحرب على الموروث الشعبى فى اليمن؟
لا شك فى أن الحرب لها تأثير على الدولة بسبب الصراعات، خاصةً على الموروث الشعبى لما فيه من تراث ثقافى فى المتاحف والمبانى الأثرية والصناعات الحرفية وعلى المواطن نفسه فالحرفى الذى يحمل هذا التراث هاجر إلى الخارج، بعد توقف الكثير من المشروعات التى تدعم هذا التراث والمبدعين بشكل عام والمدرسين والأكاديميون وأساتذة الجامعات يعانون من توقف رواتب أغلبهم، ناهيك عن توقف المؤسسات الثقافية والفعاليات الفنية. كل هذا أثر على الثقافة والفنون بشكل كبير، أصبح الكل مشغولا بالحرب لأكثر من خمس سنوات، لكن الآن بدأت الأمور فى الانتعاش من جديد بعد توقف الحرب، ونأمل ألا تعود مرة أخرى، لكن لا تزال اليمن بحاجة لاستعادة عافيتها ولملمة ما دمرته هذه الحرب فى الكثير من المدن.

< كيف ترى المشهد الأدبى والثقافى فى اليمن الآن؟
المشهد الثقافى والأدبى فى اليمن حاليًا يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتعافى، فقد توقفت القاعات والمعارض والفعاليات والفنانون عن عرض الإبداع، ويجب أن يستعيد الوطن عافيته من أجل عودة انتعاش العمل الثقافى، لأن الوضع لا يزال صعبًا، وأغلب الفنانين التشكيليين هاجروا إلى الخارج، فمنهم من سافر إلى كندا ودول أوروبا وبعضهم طلب اللجوء فى الدول العربية أو استقر فى بلدان أخرى، ومن بقى فى اليمن أصبح بدون فعاليات لعدم وجود أى دعم من الجهات الرسمية. فأعتقد أن المشهد الثقافى مشلول، ولكى نتخلص منه يحتاج لوقت طويل ليتعافى ويعود من جديد.

< هل يهدد الذكاء الاصطناعى الفن التشكيلى؟
الذكاء الاصطناعى لم يهدد الفن التشكيلى فقط، بل على مستوى المعلومات والأبحاث والمتخصصين فى مختلف المجالات، لأن الذكاء الاصطناعى أصبح يدخل فى كل المجالات الحياتية، أما بالنسبة للفن التشكيلى فعندما يطلب شخص منه أن يرسم له لوحة أو يصمم له منظر فهو يستعين بالذاكرة المحفوظة فى جوجل أو الوسائل المختلفة ليُكَون بعدها الصورة المطلوبة، وفى النهاية فإنه لا يعطى النتيجة بدقة لأنه يعتمد على المعلومات المتاحة، وفى بعض الأحيان يتخيل شكل الملوك أو الملكات فى مصر القديمة بأزيائهم وملابسهم أو صور من التوابيت واللوحات الجدارية والنقوش القديمة التى لا علاقة بها بالحضارة المصرية وربما بعض الملامح.
وإذا استعان الجيل الجديد بهذه الطريقة فإنه سوف يضر بهذه الفنون، أو ربما لا يقدم الفكرة الحقيقية، وفى حال استلهام الذكاء الاصطناعى منها وغير فى أشكالها، أعتقد بأن الفنان سيكون هو الأفضل، لأن الرسم اليدوى فيه ضربات فرشاة الفنان، وفيه أثر العمل اليدوى، بعكس العمل بواسطة الذكاء الاصطناعى.

< أنت كفنان تشكيلى غير موجود فى اليمن وتقيم فى القاهرة، كيف تعمل على إحياء التراث اليمنى والمحافظة عليه؟
التراث اليمنى متنوع، وكان لى تجربة فى موضوع الأزياء اليمنية فى رسالة الماجستير واستعنت بعرض الأزياء فى بعض المناطق باليمن يعملون فيها بطريقة يدوية جميلة، فقررت أن أُعيد صناعتها حتى لا نترك هذا التراث يندثر، وهذه كانت البداية، فعثرت على قطع قديمة من تلك الأزياء وأعدت تصنيعها بطرق حديثة، واستعنت فى ذلك ببعض المصممين الخبراء فى هذا المجال، وأيضًا أصحاب الحرف اليدوية سواء فى الخياطة أو صناعة الحلى والإكسسوارات، وبدأنا فى إحياء أزياء مناطق قد اندثرت، فكانت فكرة ناجحة جدًا، وبدأ الناس يتابعوننا ويرون جهودنا فى إحياء هذا التراث.
ومن هذا المنطلق بدأت أوجه الباحثين لإحياء التراث الثقافى بكل جوانبه من عمارة وشعر وموسيقى وغناء وهى دعوة لتوثيقه والحفاظ عليه، وأعتقد أن محاولة تجديد هذا التراث بما يتناسب مع العصر الحديث سيسهم بشكل كبير فى إحيائه وإعادته ونقله إلى الأجيال المقبلة.

نقلا عن موقع “بوابة الاهرام” المصرية