تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التقاطعات المحورية بين الفن التشكيلي وتقنيات الحوار الرقمي

التقاطعات المحورية بين الفن التشكيلي وتقنيات الحوار الرقمي

التقاطعات المحورية بين الفن التشكيلي وتقنيات الحوار الرقمي



مسعودة فرجاني *



◄ لم يعد العمل الفني التشكيلي محصوراً في أُطر اللوحة أو النحت.. بل بات يمتد إلى عوالم افتراضية وبيئات تفاعلية تتيح للمُتلقّي دوراً جديداً

◄ برامج التصميم الثلاثي الأبعاد والواقع المعزز والخوارزميات الذكية لم تعد وسائل مساعدة فحسب.. بل تحولت إلى مكونات عضوية من العملية الإبداعية



يعيش الفن التشكيلي اليوم مرحلة تحوّل جذرية، إذ تتقاطع معالمه التقليدية مع ابتكارات العصر الرقمي، لاسيما مع صعود تقنيات الحوار الرقمي وتطور وسائط التفاعل. لم يعد العمل الفني التشكيلي محصوراً في أُطر اللوحة أو النحت، بل بات يمتد إلى عوالم افتراضية وبيئات تفاعلية، تتيح للمُتلقي دوراً جديداً يتجاوز التلقي السلبي إلى المشاركة في بناء التجربة الجمالية والمعرفية.

أولاً: إعادة تشكيل علاقة المتلقي بالعمل الفني

تقنيات الحوار الرقمي، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والوسائط التفاعلية، غيّرت من طبيعة العلاقة بين العمل الفني والجمهور. في الماضي، كان المتلقي يكتفي بمشاهدة العمل وتأمل رموزه، أما اليوم فبإمكانه التفاعل المباشر معه، كما في المعارض الرقمية، التي تتيح للزائر التأثير في العمل عن طريق الحركة، الصوت، أو حتى البيانات الشخصية، هذا التفاعل يولّد تجربة جديدة، يصبح فيها المتلقي جزءاً من العملية الإبداعية، ويعيد تشكيل مضمون العمل وفقًا لزمن التلقي وظروفه.

ثانياً: أدوات الفنان الجديدة

أصبح الفنان المعاصر يمتلك طيفًا واسعًا من الأدوات التكنولوجية، التي تفتح آفاقًا جديدة في الإبداع. فبرامج التصميم الثلاثي الأبعاد، والواقع المعزز، والخوارزميات الذكية، لم تعد وسائل مساعدة فحسب، بل تحولت إلى مكونات عضوية من العملية الإبداعية. بعض الفنانين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتوليد أشكال جديدة بناءً على مدخلات مفهومية أو بصرية، فتنتج عن ذلك أعمال تتغيّر بتغيّر تفاعل الجمهور معها، أو تتطور مع الزمن، لتكسر بذلك المفهوم التقليدي للثبات في العمل التشكيلي.

ثالثاً: الحوار كمفهوم بصري وتجريبي

لم يعد الحوار مجرد عملية لغوية أو تواصل بشري مباشر، بل أصبح مفهوماً يمكن تجسيده بصريًا وتجريبيًا داخل الفضاء التشكيلي. فهناك أعمال تُبنى على استجابة العمل لمحيطه أو للزائر، مما يجعل من المعرض فضاءً حواريًا لا يقتصر على الكلمات، بل يمتد إلى الضوء، الصوت، الحركة، والبيانات. بهذا، يتحول العمل الفني إلى كائن حيّ يُصغي، ويتفاعل، ويُعيد إنتاج نفسه مع كل تجربة تلقي.

رابعاً: أمثلة ونماذج معاصرة

من أبرز الأمثلة على هذا النوع من التقاطع، أعمال الفنان التركي رفعت آتابيك، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء لوحات تفاعلية، تُغيّر من تكوينها حسب تعبيرات وجه المتلقي. كما تُعدّ تجارب متحف «الواقع الافتراضي للفن المعاصر» في اليابان نموذجًا فريدًا لجعل الزائر جزءاً من تركيب العمل. وهناك أيضاً مشاريع فنية عربية ناشئة، بدأت في استثمار الواقع المعزز لتفعيل العلاقة بين الفن والمدينة، بين الذاكرة والفضاء.

نحو فن «يتكلّم» ويُصغي

إن تقاطعات الفن التشكيلي مع تقنيات الحوار الرقمي لا تعني فقط إدماج التكنولوجيا في الفن، بل تشير إلى تحوّل فلسفي في طبيعة العمل الفني، وفي تعريف الفنان والمتلقي. فن اليوم هو فن تفاعلي، متحوّل، يحاور ويُحاوَر، ويتخذ من كل تجربة فردية مرآة لإعادة خلق ذاته. إننا أمام فن جديد، لا يكتفي بأن يُرى، بل يسعى لأن يُفهم، وأن يفهم، في دورة لا نهائية من التلقي والإبداع.

* كاتبة وصحافية جزائرية