جمال حسن
كرست الثقافة الدينية نظرة ملتبسة يملأها الشك نحو الموسيقى، بسبب فتاوي التحريم. وهذا ترك تأثيرا جتى بالنسبة لكثير ممن يستمعون للموسيقى، وحتى بالنسبة لمن يمارسها. ولعل فضل شاكر نموذجا في فترة مؤقتة عندما اعلن توبته عن الغناء. ففي لقاء مع المغني الشاب الجزائري عبدالرؤوف دراجي Soolking. فاجأني في اجابته حول ما يتمناه، قال التوقف عن الغناء، كما لو أنها خطيئة.
لكن هل الاسلام حرم الموسيقى والغناء؟ وما هي النصوص الدينية التي يتبنوها؟
وأرى ان ما يتناوله المتشددون في موضوع الموسيقى كفيلا بمنحنا فكرة حول كثير من ثقافة مغلوطة، ولن نتحدث بأنها مغالطة مقصودة بقدر انها مغالطة معتنقة وموروثة. وهم بطبيعة الحال يستدلون بنص قرآني هو “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم…”.
وبخلاف ان “لهو الحديث” واضحة المعنى بحيث ليس لها صلة بالموسيقى والغناء، فإنها تتعرض للبتر من سياقها، اذ تكتمل الآية بقول “… ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين”. وهذا يتضح بأن المقصد من يهزأ بنصوص قرآنية. وهذا يحيلنا إلى كثير من المغالطات.
بينما هناك نص شديد الوضوح يقول “ورتلوا القرآن ترتيلا”. والتراتيل؛ نوع من الغناء الديني، مع ان هناك انكار في التراث لمعناه اللغوي، والذي تفسره القواميس العربية بأنه شكل من الالقء المنتظم، مع انه يمكن اضافة له الالقاء المنتظم الملحون وبصورة تجمع بين اظهار جمال الصوت وتجويده.
وبصورة عامة تقتصد التراتيل باللحن فلا تسرف بالزخارف، وتستند الى التعبير الذي يتسم بالجلال، فلا تسمح لترقيص النغمات، او المبالغة بتلاعب الصوت. وهذا ما يخص نصوص دينية، لأن ذلك لا يشمل الغناء. حتى الغناء الديني، يتسم ببعض القواعد، فالغرض منه تحفيز الجانب الروحاني.
خلافا للنص القرآني، يستدل رجال الدين بالأحاديث المنسوبة للرسول تمارس التحريم، كما ان هناك أحاديث مغايرة أيضا. وكتب التراث تتحدث عن ازدهار الغناء في المدينة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وكان على سبيل المثل جعفر بن ابي طالب وهو ابن عم الرسول ومن الصحابة، يضاعف ثمن الجواري اللواتي يجدن الغناء والضرب على العود. ولو كان محرما لما شاع في وقته. ولن نتحدث عن استقبال الرسول في المدينة بالنشيد، وان كان لا يصاحبه الموسيقى، فهذا على صلة بممارسات انشادية وغنائية شائعة في جزيرة العرب لا يصاحبها الموسيقى. خصوصا وان استخدام الآلات لم يكن مزدهرا في حينه هناك.
