تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » عودة معهد الفنون الجميلة تبعث الأمل في اليمن

عودة معهد الفنون الجميلة تبعث الأمل في اليمن

في مدينة عدن، المدينة الساحلية الجنوبية التي شوهتها الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات في اليمن، بعثَ إعادة افتتاح معهد للفنون الجميلة آمال الكثيرين في قدرة القوة التصالحية للفن على المساعدة في علاج الانقسامات في بلد يشهد الكثير من المعاناة والانقسامات العميقة.

في مطلع العام 2015، أُجبر معهد جميل غانم للفنون الجميلة على الإغلاق عندما خاضت المليشيات حرباً للسيطرة على المدينة وما نجم عن ذلك من توقف للتمويل الحكومي.

الآن، ومع عودة الهودء نسبيًا إلى عدن، مقارنة بالدمار الذي أصاب أجزاء أخرى من البلاد التي تواجه ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يمثل المعهد نقطة انبعاث جديدة وإحياء لأحلام العشرات من الأطفال والشباب الذين يدرسون الموسيقى والمسرح والرسم والفن والرقص.

قال فؤاد مُقبل، مدير المعهد، “شباب عدن يبحثون عن الفن والحياة.” يعتقد مُقبل أن المعهد يحمل أيضًا رسالة علاجية تتمثل في نشر التسامح في المجتمع، وتشجيع الشباب على العمل معًا لإعادة بناء بلدهم ومجتمعهم.

تتفق أسرار عبده، المدرسة في المعهد، مع ذلك. إذ تشق طريقها إلى المعهد من حي المعلا في عدن كل يوم بحماسة، وهي تتطلع لتدريس طلابها مادة التصوير الزيتي. قالت “افتتاح المعهد نافذة لغرس حب الفنون في جيل جديد،” مضيفة أن الطلاب يريدون دراسة الفن، وذويهم مقتنعون بأهمية هذه الرسالة. لا يمكن اعتبار هذه الرسالة أمرًا مفروغًا منه، إلا أن المدينة لا تزال غير مستقرة، في ظل توترات بين الفصائل المتبقية تتفجر في بعض الأحيان مولدة أعمال عنف.

كما عززت سنوات القتال يد الجماعات المتطرفة مثل القاعدة والتي تروّج لتفسيرات متشددة للدين تقلل من قيمة الفن وتفرض الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات. في المدارس الثانوية، يعتبر الفن مادة “غير أساسية”، ويمنع العديد من الآباء أطفالهم من دراسته. وكانت عبده، التي تم توظيفها في المعهد هذا العام ودرّست في المدارس المحلية منذ العام 2005، قد شهدت مثل هذه المواقف بشكل مباشر. تعتقد عبده أن الإقبال المتزايد على الدراسة في المعهد بمثابة انعكاس لتقدير أهالي عدن للحياة. قالت “على الرغم من تهديدات القاعدة بعدم فتح المعهد والعادات والتقاليد التي تحرّم الفنون، فإننا لسنا خائفين.

لقد مللنا من الموت.” تركز دراسة الفنون في اليمن على الفنون التشكيلية، مثل النحت والسيراميك، والموسيقى. كما قامت بعض الجامعات بإضافة أقسام لتدريس الفنون المسرحية والدراما. بحسب عبد السلام عامر، المدير الأسبق لمعهد جميل غانم، لم تعرف اليمن الدراسات الأكاديمية للفنون حتى النصف الثاني من القرن العشرين، بعد حصول جنوب اليمن على استقلاله عن الحكم البريطاني عام 1967.

(وكان شمال اليمن قد أصبح جمهورية قبل ذلك بخمس سنوات، وتوحدت الدولتان عام 1990، لكن الاتحاد كان مضطربًا.) بدأ معهد جميل غانم بقسم الدراسات الموسيقى عام 1973، وأضاف برامج الفنون الجميلة والمسرح في العام التالي. قال عامر، الذي ترأس المعهد في الفترة من 2016 وحتى آذار/ مارس الماضي، إن المعهد “أحد أهم المؤسسات التي ساعدت على خلق أجيال فنية مختلفة من الفنانين في مجالات الغناء والموسيقى والمسرح.” حيث أصبح خريجوه الطلاب والأساتذة في كليات الفنون الجميلة الناشئة في جامعات اليمن.

من الناحية المالية، شهد المعهد أوقاتاً عصيبة في عام 2015، بحسب سهل ابن إسحق، أحد المدراء السابقين للمعهد. إذ فشلت الحكومة المركزية في الموافقة على ميزانية المعهد، ولم يتلق المعلمون رواتبهم وهاجر الكثير منهم إلى الخارج، بينما استقال آخرون لإيجاد وظائف أخرى في اليمن. في تلك الفترة، بقي عدد قليل من الموظفين بدون أجور، فضلاً عن عدد قليل من الطلاب. لكن، ومع توقف برنامج الدراسات المنتظمة، انخفض عدد الطلاب إلى 40 طالبًا وأقل من 10 في بعض الأحيان، مقارنة بأكثر من 420 طالبًا في العام 1996. هذا العام، يشهد المعهد ازدهارًا من جديد. ففي أيلول/ سبتمبر 2018، أعيد افتتاحه مع وضع جديد ودعم من وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية.

ويدرس الآن 70 طالباً وطالبة في الدراسات المنتظمة وأكثر من ذلك في الدراسات غير النظامية. يشعر مُقبل، مدير المعهد، بالتفاؤل بخصوص ارتفاع اعداد الملتحقين. كما يعني الوضع الجديد للمعهد باعتباره ثانوية فنية أن بإمكان الطلاب الالتحاق به بعد الصف التاسع ودراسة الفنون الجميلة والموسيقى وعدد من المواد الأخرى لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم الحصول على شهادة تخصصية ثانوية معتمدة رسميا من قبل وزارة التعليم اليمنية. تشهد الدراسات غير النظامية نموّاً أيضاً. قال مُقبل “لدينا إقبال كبير على قسم الموسيقى على وجه التحديد، لكن قسمي المسرح والفنون التشكيلية يتمتعان بشعبية كبيرة أيضا. فقد تقدم أكثر من 77 طالباً بطلب للتدريب في أقسام المعهد الثلاثة في الشهر الماضي.”

وبحسب مُقبل، فإن وزارة الثقافة وعدت بإعادة ترميم المعهد وتوفير ميزانية تشغيلية لموظفيه كمؤسسة تابعة للوزارة. وتشمل الخطط للسنة القادمة تجديد المبنى وبناء مسرح صيفي، بالإضافة إلى بناء أربعة قاعات دراسية جديدة واستوديو فني متكامل. وصفت هيفاء سبيع، الفنانة التشكيلية المقيمة في صنعاء، إعادة افتتاح المعهد بأنه “مقاومة لثقافة الحرب.” وأعربت عن أملها في أن تواصل الحكومة تشجيع هذا العمل الذي يقوم به أشخاص موهوبون والعمل على افتتاح مراكز ومعاهد للفنون في جميع أنحاء اليمن، “بإمكان الفن تجاوز العديد من العوائق.”

يلتحق كل من البالغين والأطفال على حدٍ سواء بقسم الدراسات غير النظامية بالمعهد. التحقت انتصار محمود، الحاصلة على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع، بقسم الفنون التشكيلية التابع للمعهد بهدف تنمية موهبتها في الرسم. قالت ” دُفنت [موهبتي] لفترة طويلة.” تتطلع محمود إلى دمج موهبتها في الرسم مع تخصصها الجامعي لخلق أسلوب جديد لتحفيز الشباب على المساعدة في إصلاح الأوضاع الاجتماعية في اليمن. قالت “أريد أن أخدم مجتمعي، ولهذا يتعيّن عليّ أن أعمل في مجال تخصصي وموهبتي.” تبدو لمياء، أحد الأطفال في قسم الدراسات غير النظامية، شغوفة بالغيتار. قالت “عندما أعزف على الغيتار، أشعر بالحياة.”

يعتقد عامر، المدير السابق، أن الفنون أداة مهمة لاستعادة الاستقرار النفسي بعد صدمة الحرب. ففي عام 2015، أقام ورشاً فنية ودورات تدريبية ومعارض تشكيلية. قال “نحن ندرك أن للفنون أهمية قصوى في تخفيف الأثر النفسي بعد الحرب.” تعتقد أسرار عبده أيضاً أن بإمكان الفن المساعدة في تخفيف المعاناة، حيث توفي شقيقها ووالدها في الحرب، وأصيب منزلها بقذائف المدفعية. قالت “أحبطت الحرب أهالي عدن في كل بيت، هناك شهيد أو جريح في كل أسرة. كان الرسم متنفسي الوحيد.” تحلم عبده بالحصول على منحة دراسية لإستكمال دراسة الماجستير في الفنون الجميلة في مصر. قالت “بعد افتتاح المعهد، عادت الحياة إليّ من جديد. لديّ هدف لاستكمال درجتي الماجستير والدكتوراه، وسأحقق ذلك. لن تقضي الحرب على أحلامنا.”

للأطلاع
المصدر