أحمد هادي
لا يوجد فنان يمكنه أن يعمل من الفراغ، فالعملية الإبداعية تمتد قبل التنفيذ وما بعد التنفيذ وحتى بعد خروجها إلى الوجود في أشكال إبداعية ولها أبعادها فهي عملية معرفية وإدراكية ووجدانية وأدائية تتم على عدّة مراحل، ولا يوجد شخص مبدع وآخر غير مبدع، فالعملية الإبداعية موجودة لدى الجميع، ولكن الفرق في أن المبدع سبق الآخرين في سلم الإبداع وكرّس وقته وجهده في اكتشاف مكامن الإبداع لديه من خلال الاطلاع على التجارب المتراكمة، والمعارف الواعية، والممارسة العملية بشكل مستمر، والجمع بين الخيال والتجربة والاختبار. حتى وصل إلى مرحلة من الإلهام والتبصر والخيال الإبداعي داخل دائرة العقل.
هل يمكن للفنان أن يكون متأثرًا بتجارب الآخرين؟ وما مدى هذه الأثر على إنتاجه الفنيّ؟ وكيف يمكن تعزيز مقوّمات الخلق والابتكار في نشاطه الفني بشكل أصيل ومتفرد؟ وما الشروط الموضوعية التي يمكن الاستعانة بها؟
كل الفنانين يتأثرون بما يرونه حولهم وأعمال من سبقوهم ومن عاصروهم، وهناك شروط موضوعية هي بمثابة معطيات يستعين بها الفنان في تكوين تصوراته الفنية، ومحتوى خبرته الإبداعية، ويعزز مقومات الخلق والابتكار في عمله الفني، وهذا يجعل أعماله ضربًا من المشاركة في الممارسة الفنية التي تؤدّي إلى اندماج نتاجه الفنيّ في صميم التراث الجمالي؛ فهو يُشيد فوق أعمال من سبقوه، وفوق التجارب والمعارف المتراكمة التي وصلته وما فيها من تنوع وثراء على كافة المستويات، وما فيها من تجديد مستمر في استحداث المدراس الفنية، وتنوع الطرق والأساليب والخامات والأدوات؛ فالفنان لا شكّ أنه يتأثر بحركة التاريخ بموضوعاته الحياتية ذات العمق الفكريّ والحضاريّ والثقافيّ والفلسفيّ والفني سواء أدرك ذلك أم لم يدرك.
فهو لا يعيش في معزل عن البيئة المحيطة فكلّ فنان يواجه تراث عامراً ومتنوعاً وعريقاً سواء كان ممثلاً في تراثه الوطني أو العالمي والإنساني.
فهو مطالب بأن يخلق علاقة تشاركية مع التراث الحضاري لبلاده بشكل خاصّ ومع التراث الإنساني بشكل عام…
علاقة تشاركية تقام وفق طبيعة تقديرية لكون النشاط الإبداعيّ هو ذاته ذو طبيعة قيمية، (معيارية)، لا يخرج عنها مهمّة تتجلى في عملية تواصل تراكمية مدركة، جراء الاطلاع والاستلهام، تجارب مختلفة ينتج عنها حالة إبداعية خاصة..
حتى إن مفهوم الخصوصية أو الأصالة للفنان لا يستقي مع إنكار التجارب السابقة، أو نكران التراث وإشاعة النظرة الرافضة له، فالتراث يتمثل في عدة “نماذج أو أمثال أو نوعاً من الإشارة من ذلك تبدو عملية التواصل بتجارب الفن عبر الأجيال المختلفة وفي عصور مختلفة سمة أصيلة في العملية الفنية، لا شكّ أن الفنانين يتأثرون بمن حولهم لكنهم يخضعون كذلك لطائفة من المؤثرات، وأعمال من سبقوهم أو من يعاصرونهم سواء كانت أعمالهم عظيمة أو غير ذلك..
إذن مفهوم الخصوصية والأصالة لا يعني الاستفادة من التجارب المتراكمة والمعارف المختلفة دون إضافة أو تغيير، إنّما أن يتمّ إدراكها وفهمها وفق مواقف معرفية ووجدانية وذهنية خاضعة لتصورات الفنان الذاتية الخاصّة التي تتسم بطابعها الفريد، بحيث ينقل كما يراه عقله لا كما تراه عينه وما يعرفه ويشعر به معبرًا عن حالته الشعورية، والوجدانية، وخيالاته، وانفعالاته، بالأسلوب والطريقة التي يراها مناسبة.
كاتب يمني