«ماري كاسات» (1844 – 1926) فنانة أمريكية تخصصت برسم بورتريهات النساء اللائي يعتنين بالأطفال، قضت جل حياتها في فرنسا في القرن التاسع عشر، ولكونها امرأة فقد كان من الصعب عليها تصوير الموضوعات المتاحة للفنانين الرجال كالمقاهي والنوادي والأماكن المفتوحة، فاقتصرت أعمالها على الموضوعات المنزلية، فصار من السهل عليها تناول موضوعات الأمومة والأطفال وأفراد الأسرة، وحتى في الموضوعات النسوية سعت إلى تجنب الجوانب القصصية والعاطفية، وتغلبت على هذه القيود من خلال منح رسوماتها هيكلية راسخة واهتمام دقيق بالألوان.
في عام 1872، كونت ماري كاسات، صداقة حميمة مع الشابة لويزين إلدر، وهي جامعة فنون، وهاوية للرسم الانطباعي، وزوجة هنري هافيميير، «بارون السكر» من العصر الذهبي الأمريكي، وكون لويزين امرأة ذات ذوق مميز وثروة هائلة، فقد ساعدت ماري كاسات، لإنجاز مجموعة من اللوحات الانطباعية التي تم التبرع بالكثير منها للمتاحف الأمريكية، وأسهمت بشكل كبير في تشكيل الذوق العام، لما أصبح منذ ذلك الحين الأكثر شعبية بين جميع أنماط الرسم.
ركزت بورتريها ماري كاسات على تصوير الأمهات والأطفال في أوضاع مريحة وليست رسمية، وكانت أول فنانة أمريكية تشارك في معارض الانطباعيين الفرنسيين في باريس. سافرت لأول مرة إلى أوروبا مع عائلتها عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، وعند بلوغها ال 16 عاماً قررت أن تصبح فنانة محترفة، لم توافق عائلتها على هذا القرار، لكنهم رضخوا في النهاية، وسمحوا لها بالالتحاق بأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة. لم يعجبها التدريب الرسمي في الأكاديمية، وعادت إلى فرنسا، واستقرت أخيراً هناك في 1870، لكنها اعتبرت نفسها أمريكية وكانت فخورة بجذورها في فيلادلفيا.
كانت صديقة مقربة من الرسام الفرنسي إدغار ديغا «1834 – 1917» الذي دعاها للعرض مع الانطباعيين في عام 1877. قبلت بفرح شديد هذه الفرصة التي ربطتها أيضاً بعلاقة صداقة مع الفنانة الفرنسية نيرث موريسو (1841-1895) وبعد سنوات قليلة، توقفت عن الرسم، بسبب انشغالها بالعناية بأمها وأختها المريضتين في باريس، في عام 1885 عادت إلى الرسم لكن ليس في إطار الانطباعيين. فهي لم تحبذ الانتماء لتيار فني بعينه؛ بل جربت عدة أساليب في رسم، وكانت العديد من لوحاتها في تلك الفترة تتناول موضوع العلاقات العائلية وخاصة علاقة الأم مع ابنتها.
ومن لوحاتها البارزة في هذا المجال واحدة بعنوان «الخياطة وابنتها».
اللوحة
تصور لوحة «الخياطة وابنتها» فتاة صغيرة تتكئ على ركبتي والدتها، التي تظهر وكأنها تمارس حرفة الحياكة، بينما تحدق الطفلة في المشاهد بشكل مباشر وعفوي، رسمت كاسات الأم وابنتها جالستين إلى جوار النافذة الموجودة أمامهما مباشرة.
ترتدي الأم ثوباً منزوعاً مع مئزر أخضر يغطيه، ينعكس على العشب المرئي من النافذة. يشير العمل المعروض في باريس إلى أن ماري استخدمت نموذجين مختلفين من التكوين لكل من الأم وابنتها، والقطعة الفنية منجزة بتقنية القماش والألوان الزيتية.
إحدى النوافذ مفتوحة وتضيء المكان بالضوء، وتظهر اللوحة بصورة واقعية حتى مع الحد الأدنى من التظليل المرئي للعمل الفني، وقد استفادت ماري كاسات من الألوان الأكثر نعومة مع الزخارف الظاهرة من الفساتين وكذلك من الخشب. في الخلفية، توجد مجموعة من الزهور البرتقالية في إناء مرئي يحمل الماء بشكل واضح خلف المرأة على نفس السطح الذي يحمل إناء الزهرة. مع كل هذا، يبدو أن الأم حريصة على كل ما تقوم بخياطته للسماح للفتاة الصغيرة بالاستمتاع بحضورها.
في النقد
تبدو ساحة العشب في خلفية اللوحة نظيفة، وتتميز بقليل من الأشجار الممتدة على مدى الفناء المرئي، الفتاة تجد الراحة في أحضان والدتها، ولا يبدو أنها تشغل الأم، هذه الأم التي بدورها تبدو منهمكة بالحياكة. الاثنتان تبدوان في غاية السعادة في هذه اللحظات التي يسودها شعور جاد ورصين.
تم شراء هذه اللوحة بالذات في عام 1901 من قبل لويزين هافيميير لما لمسته من صدق في التعبير الفني.
نجاح
في 1890 بلغت كاسات ذروة نجاحها، فعرضت عام 1891 عدة لوحات في فرنسا، وأصبحت قدوة يحتذي بها الفنانون الأمريكيون خاصة الهواة، والمبتدئين، وفي عام 1904 حصلت على وسام جوقة الشرف الفرنسي عن نشاطها الفني. وقررت في عام 1910 زيارة مصر؛ حيث تأثرت بالفن المصري القديم. بعد وفاة شقيقها، توقفت مرة أخرى عن الرسم حتى عام 1912. في عام 1911 تم تشخيص إصابتها بمرض السكري والروماتيزم، وفي 1914 ساء نظرها كثيراً، فتوقفت عن الرسم.
شفافية
ولدت كاسات في بنسلفانيا، لوالدين متعلمين، درست في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، وأنهت فيها 5 سنوات متواصلة، قررت استكشاف عالم الفن في باريس، وهناك وبسبب الحرب بين فرنسا وبروسيا اضطرت للعودة إلى مسقط رأسها؛ حيث رفضت عائلتها تقبّل حياتها الفنية أو تمويلها. ومع ذلك، وفي عام 1871 عرض عليها رئيس أساقفة بيتسبرغ الفرصة لنسخ أعمال فنية في إيطاليا، فعادت إلى أوروبا في جولة جديدة أنجزت خلالها مهمتها الفنية، كانت خلال هذه الفترة قد اطلعت على كثير من الأعمال الفنية، وبدأت مرحلة جديدة من دراسة الفن في أكاديمية الفنون في باريس أسوة بكامي بيسارو، وعندما عرضت أعمالها في المعرض الرسمي بباريس، أثنى على تجربتها نقاد الفن الذين وصفوا أعمالها ب «الشفافة والبسيطة».
وسام الشرف
كانت فترة تسعينات القرن التاسع عشر فترة ذهبية لماري كاسات، وأنجزت خلالها العديد من اللوحات التي تختص بعوالم المرأة والطفولة، ومن ذلك مثلاً لوحتها الشهيرة «الأم الخياطة وابنتها»؛ وذلك في 1891، وقد عرضت اللوحة مع كثير من لوحاتها المشابهة في أكبر المعارض الفرنسية، كما أصبحت قدوة تحتذى خاصة للفنانين الأمريكيين الشباب، وبحلول عام 1904 حصلت على وسام جوقة الشرف الفرنسي عن نشاطها الفني.
في عام 1910 زارت مصر وتأثرت بالفن المصري القديم، وبعد وفاة شقيقها، توقفت مرة أخرى عن الرسم حتى عام 1912. في 1911 تم تشخيص إصابتها بمرض السكري، والروماتيزم، وعدة مشاكل عصبية، غير أنها لم تتوقف عن الرسم، واضطرت في عام 1914 للتوقف نهائياً عن ممارسة الرسم بعد إصابتها بحالة قريبة من العمى، بعد ذلك انخرطت في مطالب تدعم حقوق المرأة، وقدمت عدداً من لوحاتها لدعم هذا الاتجاه في عام 1915.