تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » قراءة انطباعية في لوحة (المَشّاء) للفنانة السعودية سلوى حجر

قراءة انطباعية في لوحة (المَشّاء) للفنانة السعودية سلوى حجر

أحمد هادي*

من خلال الجرد البصري للوحة نشاهد بأنها تتكون من منظر طبيعي يتوسطه طريق وسط أشجار يابسة وصورة من الخلف لشخص يسير في منتصف الطريق ووجه بالاتجاه الآخر وعلما يبدو أنه ترك كتبه ودفاتره وراء ظهره وانطلق في المشي نحو الأفق البعيد
اعتمدت الفنانة في أسلوبها على الواقعية الجديدة في الفن التشكيلي الحديث فقد ارتبطت هذه المدرسة بالكثير من المفاهيم الفلسفية والفنية والتي اعتمدها أنصار هذه المدرسة كركيزة وأساس في صياغة العمل الإبداعي
حيث يؤمنون بأهمية التعبير عن الواقع بكل ما يحتوية من سلبيات وايجابيات والتركيز على المضمون والأسلوب في الأداء
وكذلك الاختلاف عن الوقعية في الإعتماد على تقنيات وخامات جديدة.
ولعل أبرز سمات هذه المدرسة أنها تحتاج مستوى عالٍ وبراعة فنية فائقة في المحاكاة وتجسيد الانعكاسات على السطوح ودقة هندسية بالغة بعقلية المراقب الذي يدرك لكل الجزيئات والتفاصيل وكذلك الاختيار الواعي للمضاهر الواقعية الغير مستقرة.
فكرة اللوحة ومضمونها ؟
تطرقت الفنانة في موضوعها الفني أفكار جمالية فلسفية تجسد معاني ومضامين ذات قيمة فنية وجمالية معبرة-بأسلوب ورؤية- مميزة.
حيث تتنوع فيها المنجزات الإبداعية وتنفتح على أكثر من مستوى باستحضار مكثف لتقنيات- ومدارس – وخامات- التشكيل الزاخرة- بالتنوع- والعمق.
حيث يعتبر المشي عند الفلاسفة – ليس مجرد انتقال- من نقطة إلى أخرى
أو مجرد نشاط- للمرور بين الطرقات- ووسط الغابات.
بل هو – لدى الكثير من الفلاسفة :طقس يساعد على الاتصال بالنفس- واكتشاف مكامنها الإبداعية-
واستلهام الأفكار- المبتكرة.
باعتبار المشي عملية تأملية- أساسية لعملية الإدراك- والاتصال – لدى الفنان المبدع.
ويساعده في تكوين الإدراك الشامل- لمحيطه المرئي – واتصاله الجسدي- والنفسي – بالكون وبالبئية المحيطة.
ولهذا فقد اشتهر الكثير من الفلاسفة والأدباء – من أبرزهم كانط وروسو ونيتشه وثورو – بممارسة المشي التي أصبحت عادة لديهم اعتبروها أساسية لكتاباتهم ولأفكارهم بأبعادها المختلفة. يقول الكاتب الأميركي هنري ديفد ثورو، على سبيل المثال، أن “لا جدوى من الجلوس للكتابة إن لم نقف لنعيش”، ويقول نيتشه في “أفول الأصنام” إن “وحدها الأفكار التي تأتينا ونحن ماشون لها قيمة ما”
. فقد كان تلامذة أرسطو يسمونه “المشاء” لأنه كان يعلم الفلسفة وهو يمشي، وأُطلِق على المدرسة الفلسفية التي استمدت أفكارها منه اسم “المدرسة المشائية”.
أما من حيث البناء والتكوين للوحة فقد
اعتمدت الفنانة على قواعد المنظور بشكل متقن
لتظهر عمق المشهد
ولهذا نشاهد أن القواعد توضح نقطة الانطلاق وخط السير- وكانهما يلتقيان عند نقطة تلاشي- على خط الافق – الذي يقع على مستوى النظر.
و ان كل الخطوط الواقعة على مستوى النظر تجري إلى الأعلى نحو نقطة التلاشي فيما تنحدر الخطوط الواقعية فوق مستوى النظر لتصبح الأشجار والأشكال البشرية أصغر كلما ابتعدت عن النظر
وهذا يبعث الاحساس لدى المشاهد بالحركة الاندفاعية والايقاعات المستمرة اللامتناهية
بينما تحدد اتجاه الخطوط وحركتها الكامنة فواصل زمنية ونقلات لونية متجددة في قيمها الضوئية.
اما من حيث الملمس يتمظهر السطح الخارجي للوحة حيث شكلت الفنانة خصائصه من خلال طريقتها واسلوبها في ترتيب وتنظيم أجزاء المفردات الجمالية أنشأ نسق يتضح من خلاله السمات العامة للسطوح كالملامس الطبيعة والايهامية
للتواحد تلك المفردات الجمالية المفعمة بالمشاعر والأحاسيس شكلاً ولوناً ومضموناً ودلالة إضافة إلى وعيها وادركها في الاستخدام
المناسب للخط والشكل والفراغ – والاضواء- والظلال.
ولهذا يمكن القول
بان إدراك الفنانة واستجابتها لموظوعها الجمالي : يتضح في اللوحة من خلال النمط الترابطي في اللوحة والذي يمثل نوع من المعطيات الحسية – المرتبطة بتجارب حياتية- وخبرة فنية – وابداعية كبيرة
فقد أصبحت هذهِ المدركات لها معنى سواءً كانت اشكالاً أو الواناً وفق ما تثيره في النفس من تداعيات وليس مجرد صدفة وتجريب مستمر.
ومن السمات الجمالية والفنية في اللوحة
إمكانية تفسيرها وتأويلها على أكثر من وجه وقفاً لخبرة وذوق المتلقي نظرا لما تحتويه مضمون فلسفي عميق كونه يحمل دلالات
متنوعة للموضوع
وموضوع المشاء تطرق له العديد من المبدعين من شعراء وتشكليين وفلاسفة
وتطرقوا كل فنان بطريقته واسلوبه ومن بين من تطرق لهذا الموضوع الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني
في الأبيات التالية :
إنسقتُ … لا أدري الطَّريق
ولا الطريقُ يعي انسياقي
وبدون توديعٍ ذهبتُ
كما أتيتُ بلا اتفاقِ
ونسيتُ بيتَكِ والطريقَ
نَسيتُ رائحة الزُّقاقِ
لم أدرِ من أين انطلَقتُ
ومن لقيتُ لدى انطلاقي
حتى المصابيحُ التي
حولي تُعاني كاختناقي
كان اللِّقاُء بلا وجوهٍ
والفِراقُ بلا مآقي
فلتتركيني للنَّوى
أظما وأمتصُّ احتراقي
وبرغم هذا الجدب لن
أأسى على الخلّ المُراقِ.

*فنان وكاتب يمني