شوقي نعمان
مما لا شك فيه أن الدراما اليمنية على الرغم من محدودية الإنتاج وموسميته، تحقق تطورا ملحوظا بين الموسم والآخر في جوانب كثيرة بالذات الجوانب الفنية وإن كان ليس بالشكل المأمول والمرجو من جمهورها، لكن هنالك مشاكل كثيرة ما تزال تعاني منها الدراما اليمنية ويتحتم علينا- من موقع المشاهدين والجمهور دون ادعاء النقد وصوابية الحكم في الفن- أن نطرح انطباعاتنا عليها لعلها تلقى اهتماما كبيرا من شباب بلدنا المبدعين العاملين في مجال الدراما، وهم أكثر حرصا منا وأجدر بتنقيح هذه الانطباعات والاستفادة منها، ومن هذا المنطلق دعونا نفكر بصوت عال، حول أزمة النص الدرامي الذي تعكسه أغلب الأعمال في هذا العام والأعوام الماضية.
إحدى أزمات الدراما اليمنية عدم وجود أفكار وسيناريو قادرة على الاقتراب من مشكلات المجتمع وواقعه، والخروج من القوقعة والروتين والتكرار إلى عالم التحدي والإبداع، وذلك يعود لعدم وجود كتاب “سيناريست” لديهم الشجاعة الكافية والإرادة لتجاوز الحاضر المتسم بالملل والاجترار.
غالبا ما تكون مهنة الكتابة إبداعية وقائمة بذاتها بعيدا عن التدخل المتطفل من الجهات المنتجة، يكون كاتب السيناريو مسؤولاً عن البحث عن قصة وتطوير السرد وكتابة النص، ثم تسليمها بالصيغة المطلوبة للمنفّذين، وهذا يعني أن لكتاب السيناريو تأثير عظيم على التوجهات الإبداعية، والتأثير العاطفي على النص وعلى الفيلم المنتج، فهم إما يعرضون أفكارهم الأصلية على المنتجين أملاً في بيعها أو تبنيها كعمل محتمل، أو أن يطلب منتج من كاتب سيناريو العمل على إنتاج نص من قصة حقيقية، أو فكرة أو من عمل سابق أو من عمل أدبي كرواية أو مسرحية أو قصيدة أو كتاب هزلي أو قصة قصيرة.
لذا ليس من المنطق أن نطلب من المخرجين والممثلين أداء جيدًا وهم لا يمتلكون نصًا حقيقيًا لتمثيله أمام الكاميرا، فكما ذكر ستانسلافسكي ليس على الممثل سوى أن يتمتع بالجاذبية الطبيعية لاسيما التأثير الفطري والحضور والقابلية التي هي الكاريزما حتى يصدقه الناس، كما يجب أن يستطيع تقمص الشخصيات على اختلافها التمتع بالمرونة الجسدية (البلاستيكا) والإنسيابية والحيوية كما وصفها، القدرة على تخيل المكان والتماهي مع مفهوم منظور الشخصية ومنظور الدور ويجب على الممثل أن يتأقلم مع الدور وتشخيص الأداء المناسب لكي يتلقاه المشاهد بصور عفوية وواضحة ريثما تتشرب نفسه الإقناع من إبداع الممثل في تجسيد ومحاكاة شخصية النص المكتوب في الأدب لتظهر في قوة وحضور الممثل والأداء، فالنص لا يجب أن يكون مجرد إفراغ لدقائق وأيام وإسقاط واجب أمام الداعم والمعلنين لا أكثر.
ماذا لو تساءلنا عن القيمة المضافة والمعنى الحقيقي لكل المسلسلات اليمنية هذا العام..؟ لا يمكن أن يحصل المشاهد والمتابع على إجابة حقيقية شافية كافية لهذا السؤال سواء في تكرار وظهور اسم الشركة المعلنة التي مولت العمل. ليس للممثل أي ذنب في الأداء هو قام بأداء الدور حسب المطلوب منه والنص ذاته لا يتجاوز مساحة الأداء التي قام بها الممثل، سواء كان قام بها الممثل المتدرب او أي شخص آخر أوكل له الدور.
لا يوجد كاتب سيناريو شجاع وجري استطاع أن يكتب نصًا عن قضايا جوهرية حقيقة تعالج واقع الحال، رغم تعدد القضايا وبساطة الأمر فيما يتعلق بالحبكة الفنية وتقديمها بقالب درامي محترم، وفي السنوات الأخيرة برزت ظاهرة أن يكتب الاعمال الدرامية هواة بعيدين عن حقل الكتابة والتأليف، وهي ظاهرة تنم عن جهل بقيمة وأهمية السيناريو الذي أصبح مهنة سهلة لمن لا يدرك عظمتها وأهميتها ودورها.
يختلف التفكير من كاتب إلى آخر ومن بلد إلى آخر، ففي اليمن من يكتب السيناريو يفكر بالدعم والمعلنين في المسلسل وكيف يتلاشى ويهرب من الأمور السياسية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية حتى يكسب رضا الداعمين والمعلنين ولا يقع في أتوان التصنيف السياسي الوخيم، حيث يشتكي الكثير من كتاب السيناريست بتعرض أعمالهم للحذف والتشوية وزيادة منسوب التسلية من قبل الجهات المنتجة، نتيجة للعوامل التي أشرنا لها في السابق.
وهنالك ظاهرة أخرى، لا تقل كارثتها عما ذكر، وهي سرقة الأفكار والنصوص الدرامية التي يشتكي منها الكثير من الكتاب والمؤلفين، والتي كان يمكن الحد منها لو وجد طابع مؤسسي وتقاليد واضحة لتقديم وتوثيق الأفكار.
بالمجمل لا يمكن الفصل بين مشكلات الدراما بالواقع، لكن تركيزنا هنا على أزمة السيناريو والأفكار، لأنها محورية وفارقة في صناعة أي عمل درامي، وهي دعوة للكتاب والمؤلفين إلى التحلي بالشجاعة والإرادة لتجاوز الواقع الموجود في الساحة، وإنتاج أعمال تقترب من قضايا مجتمعهم، ولا يجب أن ينتظروا تغيير المناخ المحيط بهم، بل عليهم أن يصنعوا هم مناخا ينطلق من واقعنا كمشاهدين ويقودنا إلى الغايات السامية للفن، والمتمثلة في إرساء قيم الحرية والمواطنة والعدالة والسلام والحب.
نقلا عن موقع “ريشة”