تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » شهادة بصرية للحب في «عائلة كوبلي»

شهادة بصرية للحب في «عائلة كوبلي»

 

جون سينجلتون كوبلي (1738-1815) رسام أنجلو أمريكي نشط في الفترة الاستعمارية البريطانية للقارة الأمريكية، ولد في بوسطن، ماساتشوستس، لريتشارد وماري سينجلتون كوبلي، وكلاهما أنجلو أيرلندي. بعد أن ذاع اسمه كرسام بورتريه للطبقة الثرية في نيو إنجلاند الاستعمارية انتقل إلى لندن عام 1774، ولم يعد إلى أمريكا مرة أخرى. في لندن، حقق نجاحاً كبيراً كرسام بورتريه لعقدين متتاليين، كما رسم عدداً من اللوحات التاريخية الشهيرة، التي ابتكر من خلالها موضوعات حديثة وعصرية. وتلقّى جون سينجلتون كوبلي تعليمه المبكر في الرسم على يدي زوج أمه بيتر بيلهام، وباستثناء ذلك ليس هناك مصادر توثّق فترات تعليمه خلال الطفولة والشباب، وتكشف رسائله التي يرجع أقدمها إلى 30 سبتمبر 1762 عن رجل متعلم بشكل جيد، ويتقن بمهارةٍ أساسيات رسم البورتريه، وقد كان جون في الخامسة عشرة من عمره قادراً على ممارسة فن الحفر والنقش، وكان يتميز في استخدام فرشاة الرسم.

قبل بلوغه سن العشرين كان كوبلي متمكناً في حرفة الرسم، وقدّم لوحات فيها الكثير من الدقة والبراعة، وهذا يعني أنه احترف الرسم قبل بلوغه سن الرشد.

في يونيو 1774، عندما كان يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً قرّر كوبلي أنه يجب أن يذهب إلى أوروبا. على الرغم من أنه كان ينوي قضاء فترة كافية لتطور تجربته الفنية إلا أن الثورة الأمريكية غيرت خططه. درس في روما وتوقف في العديد من المدن الأوروبية، ووصل كوبلي إلى لندن في أكتوبر 1775، وهناك انضمت إليه زوجته، وأطفاله، ووالد زوجته ريتشارد كلارك؛ وهو أحد تجار حزب المحافظين الذين تم إغراق استثماراتهم في البحر. أرسل 43 لوحة إلى معارض الأكاديمية الملكية للفنون بلندن، التي انتُخب عضواً مشاركاً فيها، قبل سنتين من انتخابه للعضوية الكاملة عام 1783، وفي 1791 انتُخب عضواً فخرياً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.

من اللوحات الشهيرة لكوبلي والتي يتوقف عندها النقاد كثيراً واحدة بعنوان «عائلة كوبلي» 1777، الموجودة اليوم في المتحف الوطني للفنون.

تفاصيل

يعبر كوبلي في هذه اللوحة عن سعادته بلم شمله مع عائلته، وهو يُعنى بإبراز ستة من أفراد عائلته القريبين إلى نفسه، بينهم ثلاثة أشخاص بالغون وهم: (الفنان وزوجته، ووالدها ريتشارك كلارك، إضافة إلى أطفاله الأربعة).

يصوّر كوبلي نفسه وهو بعيد قليلاً عن العائلة مع حزمة من رسوماته، متكئاً على قاعدة خشبية، ويظهر وكأنه ينظر إلى المتفرج بنظرة فضولية… تميل زوجته سوزانا إلى الأمام لعناق ابنهما جون جونيور البالغ من العمر أربع سنوات. وفي الرسم هناك ابنته ماري، التي كانت أصغر من شقيقها بسنة، وتظهر في اللوحة وهي ترقد على الأريكة وتحاول لفت انتباه والدتها، في حين تقف إليزابيث البالغة من العمر ستة أعوام في مقدمة اللوحة، وتبدو واثقة من نفسها لكونها الأكبر بين الأولاد، وتظهر في اللوحة وهي تحدق في المشاهد بريبة وكأنها تواجه شخصاً غريباً.

شهادة بصرية للحب في «عائلة كوبلي»

وهناك الطفلة الصغيرة التي سُميت على اسم والدتها سوزانا التي تحاول أن تلفت انتباه جدها بصخب.

تبدو خلفية اللوحة خيالية بما فيها من فضاء مفتوح على الطبيعة، وقد حرص كوبلي على أن يكون أميناً في تأثيث هذه اللوحة، بما فيها من عناصر وإكسسوارات؛ إذ يبدو المنظر التصويري بحسب معاصري كوبلي مثالياً، ويشير إلى بساطة الطبيعة، ومن ناحية أخرى يشير إلى جمال تأثيث البيت بما فيه من سجاد وأرائك تدل على أن عائلة كوبلي في هذه الفترة كانت تعيش بحبوبة اقتصادية.

اللوحة بحسب النقاد، تعبر عن نقلة جديدة في حياة الرسام كوبلي، وقد حققت عدة أهداف في وقت واحد؛ هي أولاً بمثابة شهادة بصرية على حبه وإخلاصه لعائلته، بعد مرور نحو 15 عاماً على تشتت هذه العائلة، وخلال تلك الفترة كان اتصال كوبلي مع عائلته يقتصر فقط على المراسلات خاصة مع والدته وأخيه غير الشقيق هنري، وأيضاً زوجته سوزانا التي كان يشير إليها بمودة باسم (سوكي) وكانت تلك المراسلات مليئة بالإشارات إلى خوفه على سلامتهم في مدينة بوسطن التي تعيش فترة سياسية واجتماعية هشة ومضطربة.

وبشكل عام، يُظهر المشهد التصويري أفراد العائلة وهم يعيشون أجواء من المحبة والفرح والحنان، ويرتدون ملابس عصرية تعبر عن ذروة الموضة التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

واللوحة في نهاية المطاف تعبر عن قدرة كوبلي الشديدة على رسم تراكيب معقدة وغنية من الناحية النفسية.

وفقاً لمؤرخ الفن بول ستيتي، كان كوبلي الرسام الأعظم والأكثر تأثيراً في أمريكا الاستعمارية؛ إذ أنتج نحو 350 عملاً فنياً هي بحسب نقاد الفن تُعد من أجمل ما تركه الفن الكلاسيكي الواقعي في زمنه، وقد امتد إرثه البصري طوال القرن التاسع عشر، بوصفه أحد رموز فناني الذوق الأمريكي مثل: فيتز هنري لين وويليام هارنيت، وفي بريطانيا استمر في رسم صور للنخبة، وكانت له إنجازات مهمة تحسب في رصيد تطوير لوحات التاريخ المعاصر.

شهادات

في عام 1783 نصب جون كوبلي كأكاديمي في المعرض الذي ضم أشهر لوحاته «موت تشاتهام»، وكان قد أرسل نسخة من هذه اللوحة إلى الرئيسين جورج واشنطن وجون آدامز، فكتب الأول عنها: «ما يبعث على الإجلال في نظري أن أتذكر أن أمريكا أنجبت الفنان المشهور الذي رسم تلك اللوحة»، في حين كتب جون آدامز: «سأحتفظ بنسختي كدليل على عربون صداقتك، وكدليل ثابت على العبقرية الأمريكية».

كانت تجارب كوبلي في الرسم التاريخي هي الأكثر نجاحاً بسبب جهوده الدؤوبة للحصول على لوحات واقعية تشبه الشخصيات التي يرسمها، وهذا التشابه يمتد للتعبير عن التفاصيل الحقيقية التي كانت تعيشها تلك الشخصيات، فبرع في إظهارها كما هي من حيث الأزياء، والأثاث، والإكسسوارات، وغير ذلك.

على فترات متقطعة في الاستوديو الخاص به رسّخ جون كوبلي سمعته كرسام تاريخي مبدع بعد أن ذاع صيته بعد رسمه ل(موت تشاتهام). ومن لوحاته الشهيرة في هذا الإطار (معركة جيرسي 1783)، و(موت الميجر بيرسون 1781)، و(هنري لويس 1782)، و(جون أدامز 1783)، و(كولونيل جورج لويس 1794)، و(صامويل أدامز 1772 )، وغيرها الكثير.