تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الرأي السياسي للفنان لغم على أبواب الشهرة

الرأي السياسي للفنان لغم على أبواب الشهرة

الرأي السياسي للفنان لغم على أبواب الشهرة

 

العلاقة بين السياسة وأهل الفن في العالم العربي شائكة، فلا شك أن الفنان مثل أي مواطن عادي يحق له أن يبدي رأيه في كل الأمور التي تحيط به، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، أو غيرها، ومع ذلك تبقى مسألة السياسة تحوي ألغاماً يخشى أن تنفجر في وجه الفنان الذي ينخرط في الشأن السياسي.

دروع فنية

على مر الأزمنة كان هناك عدد من الفنانين شكلوا الدرع الواقية لأهل السياسة في بلدهم، إذ كانوا يقدمون أعمالاً فنية تدعم أهل السلطة، سواء على صعيد الغناء أم التمثيل، لكن في هذا العصر اختلف الوضع، وبات الفنان، وتحديداً العربي، يخاف من إبداء رأيه في الشؤون السياسية لأنه بذلك يخسر فئة من الجمهور أو يمنع من العمل في حال كان على عداء مع حكومة بلده، ومن هذا المنطلق، استطلعنا رأي بعض الفنانين والنقاد العرب حول خطورة تغلغل السياسة بأهل الفن.

المخرج المصري خالد يوسف الذي خاض معارك عدة بسبب انخراطه في عالم السياسة تحدث عن علاقة المبدعين إجمالاً بالوضع السياسي قائلاً “الموضوع لا ينظر إليه من زاوية ضيقة، بل هو أشمل وأوسع من طرح سؤال هل يحق للفنان أن يتحدث في السياسة؟ فمنذ الأزل هناك نقاش في دوائر الفكر حول وظيفة المثقف، فهل يكون مثقفاً عضوياً مثلما قال كارل ماركس، أي أن يكون الإنسان مشتبكاً مع القضايا العامة والجماهير، أم أن يكون دور الفنان أو الأديب أو المفكر محصوراً في إبداعاته بعيداً من الاشتباك مع القضايا الشائكة؟”.

مدارس فكرية

يشرح يوسف كلامه بقوله “هناك مدرستان في هذا الإطار الأولى يجسدها فكر الأديب العالمي المصري نجيب محفوظ الذي ابتعد عن الواقع واتخذ قراراً أن يكون أدبه هو الواقي له من الاشتباك وبعيداً من أي صراعات مع السلطة أو المجتمع، لأن في رأيه الأجدى أن يكون الفن والإبداع اللذان يعدان أكثر جمالاً من الواقع هما المسيطرين”، لافتاً إلى أنه عندما منعت رواية محفوظ “أولاد حارتنا” من البيع لم يثر أي جدل، واكتفى بالسكوت ليقينه أنها ستصل إلى الناس مع الأيام.

وأشار المخرج المصري إلى أن “المدرسة الثانية يمثلها قاسم أمين وهدى شعراوي اللذان ناديا بتحرير المرأة وضرورة خروجها إلى العمل، ومثل هؤلاء اصطدموا بمفاهيم المجتمع التي كانت سائدة، واعتبرت أفكارهم خارجة عن مجتمعهم، وهذه المدرسة تندرج في ما يعرف بالمثقف العضوي الذي يعمل مع الواقع ويؤمن بأن التأثر والتأثير بينه وبين المجتمع والناس أهم من حياته ولو دفع أثماناً باهظة، وحصد غضب الجماهير والسلطة فعليه أن يكون راضياً بهذه الأثمان إيماناً منه بتطلعاته”.

وأضاف يوسف “أعتبر نفسي من النموذج الثاني، حيث أؤمن بأن الفنان عليه أن يشتبك مع واقعه، ويحاول تطوير الواقع الذي يعيشه بأفعال، وليس من خلال فنه فقط، ودفعت أثماناً كبيرة نظير اشتباكي مع واقعي، منها ما كان مؤذياً من السلطات التي عارضتها لسنوات طويلة، كما أن حملة تشويه كبيرة أديرت ضدي بهدف تشويه سمعتي واغتيالي معنوياً، وتأثرت شريحة كبيرة من الجمهور بهذه الحملة، ولم يعودوا ينظرون إلى أعمالي الفنية بالاعتبارات السابقة نفسها، إذ كانت أفلامي تحظى بإشادة كبيرة من النقاد والناس، لكن هذا الأمر تراجع بسبب الحملة الشعواء التي شنت ضدي وضد أفكاري السياسية”.

أطراف متعددة

بدوره يرى الممثل اللبناني طوني عيسى أن “السياسة أمر حساس، والفنانون لا يستطيعون أن يدلوا بآرائهم في هذا الشأن، وتحديداً في لبنان، لأن هناك أطرافاً سياسية متنوعة، لذا عليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يتفوه بأية كلمة، لأن الجمهور منقسم، وإذا اتخذ الفنان جهة معينة وناصرها على حساب أخرى فحتماً سيخسر، مما سيؤثر سلباً في فنه ومصدر رزقه”.

وتابع عيسى “أفضل الابتعاد عن الأمور السياسية، أما إذا كان موضوعاً وطنياً وعليه إجماع فلا أتأخر في التعبير عن وجهة نظري، لأن أي إنسان، وليس الفنان فقط، يتمنى أن تصل أفكاره إلى الناس في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، ومنها الاقتصادي والاجتماعي، لكن الحرص على العمل والجمهور متنوع الانتماءات يحتم علينا الابتعاد عن التدخل في السياسة والاكتفاء بحب الوطن”.

حرية شخصية

من جهتها تعتبر الممثلة اللبنانية ساشا دحدوح أن الفنان مواطن مثل أي إنسان يعيش في هذا المجتمع، وهذه الأمور تصب في إطار الحرية الشخصية، لكن على رغم هذا “لا تسمح بدخول الشق السياسي حياتها” لأنها ترى أن الفنان هو من يقرر إذا أراد أن يخسر فئة من الجمهور على حساب فئة أخرى، مؤكدة أنها لا تتردد في التعبير عن وجهة نظرها إذا كان الأمر يتعلق بقضية إنسانية، مثلما حدث وقت انفجار مرفأ بيروت”.

الممثلة السورية جيني أسبر أكدت أن “الفنان مواطن مثل غيره، ومن حقه أن يعبر عن آرائه السياسية، لكن محبيه الذين ينتمون إلى اليمين واليسار يجبرونه على البقاء على مسافة واحدة من الجميع، ويجب ألا يخوض الفنان غمار السياسة بعمق، بل المطلوب منه أن ينادي بالسلام لأن السياسيين أنفسهم في هذه المرحلة غير قادرين على حل المشكلات السياسية”.

في المقابل، قالت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله “إن الفنان مثل أي مواطن ينبغي أن يقول رأيه في ما يدور حوله وفي بلاده من مواقف سياسية واجتماعية وإنسانية، لكن المشكلة الكبرى أن هذا الفنان لن يعاقب من الجمهور فقط، لكن أيضاً من نظام البلد الذي يعيش فيه، فيعاقبه إذا ما كان مسيطراً على العمل، إذ يمنعه من ممارسة مهمته، سواء في التمثيل أو الغناء، بل ويحد من استمراريته ويتعامل معه بقسوة شديدة”.

ونوهت الناقدة المصرية حنان شومان بأخطار حالة الاستقطاب في المنطقة العربية عموماً وفي مصر تحديداً، مشيرة إلى أنها تضع الفنان في موقف شائك جداً إذا تحدث في السياسة لأن الاستقطاب يشبه موجات تسونامي، لا سيما أن الدولة هي المحتكر الوحيد للإنتاج الفني والعرض، سواء في التلفزيون أو السينما.

مأزق حاد

وأوضحت شومان أن هذا الأمر يضع أي فنان صفاً أول كان أم ثانياً في مأزق حاد، حيث يقف حائراً بين مهنته أو استمراره في العمل، بخاصة إذا كانت آراؤه مخالفة للدولة، لافتة إلى أن الفنانين واقعون بين مطرقة الحكومة وسندان الجمهور، لأن فكرة الاستقطاب عالية جداً وتتحول إلى حالة تطرف، من ثم إذا قال الفنان رأيه سيصطدم مع الملايين الذين يختلفون مع وجهة نظره، ومنهم من سيكرهه ويتهمه بالعمالة والخيانة، وسيصفق له آخرون، والفنان الذي هو من يصمد وسط هذه الحالة الاستقطابية، لأننا في العالم العربي لا نشبه الولايات المتحدة وأوروبا التي يطل بهما الفنانون على المنابر ويعلنون مواقفهم السياسية والانتخابية دون أي رادع”.