طرح مزاد كريستيز العام 2018م لوحة (إدماند دي بيلمي) فحققت نجاحا مدهشا فاق قيمتها المقدرة بعشرة آلاف دولار لتحقق مبلغ 432٫500 دولار، ليست المرة الأولى التي تسيء المزادات تقدير قيمة لوحة فنية، لكن المختلف هذه المرة أن اللوحة التي تمثل صورة رجل بوجه غير واضح الملامح، رسمت بالذكاء الاصطناعي.
لم تتوقف قدرة الذكاء الاصطناعي عند المحادثة ومحاكاة الكتابة الإبداعية، إنما حققت تقدما كبيرا في مجال الصور الرقمية، وقد وظفت التقنية لأغراض شتى من أخطرها صناعة الأخبار الكاذبة، حتى استعصى على الذكاء الاصطناعي نفسه التفريق بين الصور المزيفة من الحقيقية، ولا تختلف نماذج الذكاء الاصطناعي في معالجة الصور عن النماذج اللغوية كثيرا، حيث يتدرب على صور حقيقية أو فنية يصنع منها محتوى جديدا.
تدرب النموذج الذي أنتج لوحة (دي بيلمي) على خمسة عشر ألف لوحة فنية من عصور مختلفة ابتداء من القرن الرابع عشر إلى العصر الحديث، لفتت الأنظار إلى اللوحة التي تظهر رجلا بوجه مشوش كما لو أنه خرج من ضباب شفيف يرتدي ملابس من القرن الثامن عشر، لمزجها بين المدرسة الكلاسيكية والحديثة ممثلة في البصمة الرقمية التي تظهر في خطوط اللوحة، كان الغموض الذي يحيط بصناعة لوحة مميزة من هذا النوع وراء قيمتها المرتفعة كأول لوحة من هذا النوع تعرض في مزاد كبير.
مثلت نماذج الذكاء الاصطناعي منهجيات متنوعة في الوصول إلى إنتاج لوحة جديدة، من أكثرها بداهة منهجية المزج الشبكي، في منهجية المزج الشبكي، يعالج النموذج لوحتين واحدة طبيعية مثلا وأخرى فنية لينتج لوحة ثالثة لها ملامح اللوحتين، وتشيع نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم بين المستخدمين حيث تتوفر على الأجهزة الذكية ضمن تطبيقات مجانية أحيانا.
بعد أن حققت لوحة (دي بيلمي) نجاحا غير متوقع، عادت إلى السطح إشكاليات الذكاء الاصطناعي والفن، فقد بني التقدير الأولي لقيمة اللوحة من منظور قيمة الفنان، كما لو أن وجود فنان حقيقي وراء اللوحة يمثل قيمة بحد ذاته، على العكس من ذلك، فقد عبر المشاركون في المزاد أن في غياب فنان تقليدي خلف اللوحة قيمة لما تثيره من دهشة لأصالة اللوحة فنيا.
تثير الأسئلة حول قيمة اللوحات الرقمية الفنية والنقدية جدلا يعود بالنقاش إلى معنى الفن والأصالة، لا يختلف الذكاء الاصطناعي في هذه المسألة عن الفنانين الذين يستعينون بأدوات ميكانيكية أو ينثرون الطلاء عشوائيا دون اعتبار لفكرة محددة سوى اللون والشكل، الخطر الذي يراه كثير من النقاد أن فن الذكاء الاصطناعي يذهب بندرة الفن حين يصبح مشاعا فيهدده تهديدا وجوديا، إضافة لما يثيره من تحد حول دور مشاعر الفنان في تشكيل اللوحات الفنية، حيث يخلف الذكاء الاصطناعي وحشة يصعب تجاوزها.