محمد اللوزي/
أعطى للفن معناه، قدمه رسالة أخلاقية، جعل من ريشته عالما مبللا بالحب والرؤية إلى ما يجب. هكذا نجد في لوحاته إبداعا يعكس نبض الواقع بكل اعتمالاته، يرتقي به ليكون في مستوى الرؤية الجمالية بمضامين إنسانية، في لوحاته احتجاج على الرتيب وعلى الواقع المتخلف والممارسات السلبية التي تعيق الحياة، وتحد من قدرة الإنسان على الإنجاز..(علي الذرحاني ) وفق هذا المنظور أكثر حميمية مع العوالم التي تدهشنا بها ريشته، لنكتشف من خلال فنه رؤي متنوعه، لا تقف عند الباهت، قدر ما هي استحضار للأجمل، لما نريده عطاءا بروح فنية عالية، فهو تارة ناقد للواقع، وأخرى محتج، وثالثة يستقر على الأنقى ويهادن الجميل، يقدم ما يراه قابلا للفرح، في فنه المتنوع قيما أخلاقية واجتماعية وثقافية، هي محصلة معايشته للمجتمع من منظور فنان، ومثقف فاعل، وقدرة إبداعية لا تجف. لاشك ان تجربته الطويلة في مضمار الفن التشكيلي وثقافته النافذة الى خبايا الواقع، وتعدد الرؤى والتصورات، والرغبة في التصالح بين الذات والواقع والمستقبل. كل ذلك جعل منه فنانا تشكيليا حاضرا في قلب المشهد الفني. من الثمانينات أتابعه وارقب أعماله وفاعليته وحذاقته في استخدام الريشة وإصراره على ان يكون للفن قيمة أخلاقية ورسالة سامية، لأجده فنانا ظهر بقوة من وقت مبكر ليحصد العديد من الجوائز والشهادات التقديرية والفوز في المسابقات، وفي المعارض التي يقيمها ذات خصوصية بتوقيع فنان متميز.
(علي الذرحاني ) وفق هذا المستوى يشتغل في لوحاته بأسلوب يتميز بالهدوء والبساطة والقدر ,التعبيرية والقيمة الفنية المتناغمة مع ذات البعد الدلالي، كأننا أمام مبدع يؤكد قولة: أن الفنان لديه شهوة إصلاح العالم من خلال الوقوف عليه والتعمق فيه ، ليقدم رؤيته الفنية الهادفة والناقدة والنافذة..( الذرحاني ) أعماله الفنية كثيرة من الصعب حصرها، ولعل الجيل الثمانيني وهو واحد منهم إن لم تخني الذاكرة، قد استطاع أن ينجز إبداعا متقدما بوعي خلاق، وقدرة على ضبط الإيقاع اللوني وعلى استلهام البيئة اليمنية، ليعكس ذلك في اعماله التشكيلية. لعل المتابع له يجد أنه اشتغل على التنوع وإثراء اللوحات بمضامين غزيرة، إلى جانب كونه من أمهر الخطاطين وأكثرهم دراية بالحرف العربي وتشكيلاته وما يفضي إليه من أسرار ومعارف ومضامين، كما في لوحة( الوحدة) التي رسمها من ذات الأحرف في حركة دائرية تشي بذات المعنى وتفضي الى الإنسجام والى الإنتماء العربي باعتبار الحرف هوية أمة، بما يعني أنه جعل من مفردة( الوحدة) تشكيل يوازي المعنى ويعبر عنه بلغة الضاد نفسها. نحن إذا أمام لوحة تشير الى مهارة فنان تشكيلي وخطاط يستغل البعد( السيكولوجي) للحرف وما يؤدي إليه من معنى (أبستمولوجي) يكشف الهوية الحضارية و(الديمغرافية ).
في لوحة أخرى بعنوان (الأرض وجهي) يقدم (الذرحاني علي) إبداعا مبهرا فيها نقراء الإنتماء العميق للأرض بعطائها وخصبها وتاريخها وحيوية الإنسان فيها وتناغمه معها بحيث يشكلان حضور عطاء خلاق. في لوحة ثالثة بعنوان (الساعة السليمانية ) نجد المعنى السلبي لشجرة القات التي تأخذ من الإنسان جهده ووقته وصحته وماله، وسلبه القدرة على الانتاج والركون الى الدعة والاسترخاء والضياع. في لوحة أخرى بعنوان (هكذا وضعنا ) نجد أننا امام تشكيل آخر فيها نكتشف الإنسان اليمني المغترب عن ذاته وواقعه وركونه الى الماضي والبقاء فيه مأسورا مشدودا إليه عاجزا عن الإنتاج والإبداع، محتميا بالماضي الذي يحجب عنه ما يجب ان يكون عليه، إنجاز مهام الحاضر، هو إذا استقراء عميق لحال الإنسان اليمني الذي استغرقه الماضي كثيرا، وأفقده قدرة العطاء، باعتبار أن الأصالة لا ينبغي ان تلغي المعاصرة او تهيمن على التفتح والانطلاق والتعايش مع الآخر.. نحن إذا إزاء فنان لديه رؤيا قوية واستبصار متمكن، قارئ للبعد الإنساني الذي نكتشفه في العديد من لوحاته، والتي تقدم نفسها وتكشف عن مضامينها دونما كبير عناء. إنه يعير المجتمع انتباهه، ويسخر البصري لما يعبر عن المجتمع بسلوكياته وثقافته وما ينبغي ان يكون عليه، بهذا المعنى يكتنز المفاهيم ويقولبها في المرئي لنا، لنجد أن السمو في هذا الفن هي لغته القوية وقدرته أن يكتشف الأبعد في الهوية الثقافية والحضارية. بذات الإبداع نجده خطاطا محترفا لنسق وتكوينات الخط العربي وإيقاعاته وأبعاده الزمنية ودلالاتها وما تفضي إليه من بصري مدهش، يعبر عن أمة لها إرثها الحضاري، وفن الزخرفة لديها ثري وخصب واقرب الى التجريدي. الوان (علي الذرحاني ) تتجلى في كل هذه التناغمات بروعة فنان يقدم ما يستحق أن نكترث له. في احدى لوحاته المعنونة (الحرب والدمار ) تبرز تجلياته في استنطاق الواقع بصريا بفعل الدمار الذي يحل بالأرض والإنسان، حيث الحرب مصدر الشرور والآثام والخراب والخروج عن العصر. هكذا يقدم رسالته الفنية باحتجاج عال وقوة ضمير وانتماء الى الحياة، ورغبة في الخروج من واقع مزري لحرب لامعنى لها سوى إنها إنهاك للبلاد والعباد،. في كل الاحوال غزارة إبداعه تجعلنا نقف لماما على بعض ما انجزه من إبداعات فيها اللوحة التشكيلية والخط العربي بتكويناته المتعددة، والكاريكتور كرسالة قوية لاعتمالات الواقع، والملصقات التي تسهم بمعانيها في المناسبات المهيأة لذلك وتؤكد قدرته على استلهام المعنى المراد والانتقال به الى معنى يجيده، وقد حصد بذلك عدة جوائز.(الذرحاني )يحط رحاله في أعماله الفنية على مواضيع ذات أهمية نكتشف كن خلالها عالمه الجميل الذي يفيض حبا في أشد الحالات ألما.