تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الموسيقى.. الدرس الغائب في النقد السينمائي العربي

الموسيقى.. الدرس الغائب في النقد السينمائي العربي

الموسيقى الدرس الغائب في النقد السينمائي العربي

 

الاهتمام بالموسيقى عموماً والموسيقيين خصوصاً داخل الفيلم يظل النقد السينمائي بمنأى عنه، مع العلم أن الموسيقى تعتبر من العناصر المهمة التي يتأسس عليها المشهد السينمائي.

معرفياً، لم ينشغل درس النقد السينمائي بتشريح صورة الموسيقيين في السينما ورصد سيرهم وآلامهم في درب الفجيعة والنسيان. ذلك أن النقد السينمائي العربي يتعامل على مستوى الكتابة مع موضوعات وسياقات ومفاهيم، ولا ينشغل إطلاقاً ببعض العناصر الفنية التي تكون مؤثرة في تضاريس المشهد السينمائي. غياب كهذا يضمر في ذاته هشاشة هذا الوسيط النقدي، إذ لم يستطع إلى حد الساعة أن يكون صلة وصل بين العمل السينمائي والتلقي. وهو أمر يعود إلى المؤسسات الفنية، فهي لا تدفع النقاد إلى الحفر عميقاً في بنية الأفلام وتفكيك تضاريسها وجمالياتها. ذلك أنها تلخص عمل الناقد في التغطيات والحوارات والمراجعات، مع أن هذا العمل مرتبط أكثر بشيء اسمه “صحافة فنية” وليس نقداً سينمائياً يحتكم إلى القراءات الجدلية والتأملية التي يمتح معينها الفكري من العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية.

فالاهتمام بالموسيقى عموماً والموسيقيين خصوصاً داخل الفيلم يظل النقد السينمائي بمنأى عنه. مع العلم أن الموسيقى تعتبر من العناصر المهمة التي يتأسس عليها المشهد السينمائي. إذ لا يوجد فيلم معاصر من دون موسيقى تصويرية تحاكي جماليات الحوار وفتنة الأداء. فكل هذه المكونات الفنية تتصادى في ما بينها لتكون خليطاً بصرياً مذهلاً. وهذا التركيب الفسيفسائي هو الذي يجعل من السينما وسيطاً بصرياً تركيبياً له القدرة أكثر من أي فن آخر على احتواء قوالب فنية وأساليب جمالية تتبلور على عرش الصورة.

وهج التجريب

يعثر المشاهد للسينما الغربية على نماذج كثير من الأفلام التي استلهمت سير الموسيقيين وجعلت منهم مادة للكتابة والتخييل. وهو اختيار ينبني على قناعة فنية تتجاوز أفلام الحروب والعصابات والأكشن صوب الاهتمام بما يسمى “الفيلم الفني”، إذ تروي الفيلموغرافيا سيرة التشكيليين والموسيقيين والمخرجين وغيرهم. توجه كهذا يجعل الصورة السينمائية مفتوحة على الواقع ومشرعة في وجه التحولات التي تطاول الفن السابع. تتعامل هذه الأفلام مع السير الموسيقية على أساس أنها مادة بصرية قوية قابلة لأن تصبح حكاية سينمائية تتفرع عنها قصص صغيرة يروي سيرتها أبطال ونجوم.

غير أن الاهتمام بالموسيقيين في السينما بالنظر إلى التجارب التي قدمتها السينما الغربية يختلف من فيلم إلى آخر. لكنها في مجملها أفلام مبنية على براديغم “السيرة الذاتية”، بحيث يستطيع المخرج عبر هذا الشكل الفني أن يبلور حكاية يتتبع لقطاتها ومشاهدها عبر العنصر السيري. وهذا الأمر يبقى سهلاً بالنسبة إلى كاتب السيناريو الذي يجد نفسه محاطاً بسلسلة من المراجع العلمية التي تسهل عليه عملية تخييل السيرة. ويتميز هذا النوع من الأفلام بكثافة السرد ومتعة الحكي، إذ تحاكي الصورة السينمائية خطاب السيرة. غير أنه بسبب طبيعة الصورة السينمائية وانفتاحها الدائم على التأويل، يأخذ مفهوم السيرة منعطفاً تخييلياً أكثر من كونه واقعياً.

والحقيقة أن هذا الغنى الذي تتميز به السينما الهوليوودية يجعلها تبتدع دوماً أشكالاً مختلفة وقوالب نوعية تدفعها إلى التجريب. هذا الأخير يعد صفة ملازمة للسينما الغربية في مسار حداثتها، في حين تبقى السينما العربية جامدة، وحتى إن حاولت تحديث صورها وميكانيزماتها وصناعتها وموضوعاتها تبقى مرهونة بالسينما الغربية نفسها، فهي لا تسعى إلى التعبير عن جراح الواقع بلغتها وصورها وعلاماتها، بقدر ما تستوحي الآخر للتعبير عن ذاتها.

غياب غير مبرر

لا يتوفر العالم العربي على أفلام سينمائية تستعرض سيرة بعض الموسيقيين والمغنين داخل الفيلم السينمائي. فهذا أمر يعتبر في عرفها ضرباً من الفانتاستيك الساحر، ما دامت هذه السينما تتهجى مبادئ الحداثة السينمائية، وتحاول من طريق أفلام شبابية أن تنفض عنها عباء التقليد وتشتبك مع قضايا وإشكالات ذات صلة بمسام الواقع العربي. كل هذا في وقت تحبل به الثقافة العربية بعديد من التجارب الموسيقية الكبيرة التي تستحق أن يعاد تخييلها وفق صور درامية. ذلك أن استلهام هذه التجارب الفنية يعطي العمل السينمائي قيمة فنية كبرى، لأنه يغدو مؤمناً بأهمية الموسيقي وأصالة تجربته والإمكانات الجمالية التي تتيحها سيرته على مستوى التخييل.

وإذا كان الفكر العربي، الحديث منه والمعاصر، منغلقاً على ذاته ويعيد تدوير الموضوعات، فالسينما العربية نفسها لا تخرج عن بعض القضايا التي تعدها مركزية في الواقع. وغالباً ما ترتكز الأفلام على حكايات ذات صلة بالسياسة والتاريخ والذاكرة والمجتمع، وكأن الفنانين لا يمتون بصلة إلى المجتمع. مع العلم أن الفنانين على اختلاف مشاربهم الإبداعية هم أكثر الناس الذين يتأثرون بالحروب والثورات، كونهم حساسين تجاه التغيرات السياسية التي تطاول المجتمع.

داخل التجربة الفنية المصرية نعثر على بعض من ملامح ما ندعو إليه، حين نجد عديداً من الأعمال التلفزيونية التي حاولت استعراض سيرة بعض الفنانين. وكمثال على ذلك مسلسل “العندليب: حكاية شعب” (2006) للمخرج المصري جمال عبدالحميد، من تأليف مدحت العدل وأداء كل من عبلة كامل وكمال أبو رية ومحمد الشقنقيري ولقاء الخميسي وغيرهم. ويحكي العمل التلفزيوني قصة المطرب عبدالحليم حافظ في علاقته بعالم الغناء وطريقة تحقيقه الشهرة في وقت مبكر داخل مصر وخارجها.

وبصرف النظر عن حسن نية العمل وطاقمه، فإن مثل هذه السير الشامخة لا تأخذ حقها داخل المسلسلات، لأن الوسيط التلفزيوني لا يعطي للسيناريست والمخرج الحرية على مستوى الكتابة والإخراج، في حين يتمتع المخرج السينمائي بقدرة كبيرة على الخوض في الموضوعات اللامفكر فيها، واستعراض القصص والحكايات وتخييلها بأية طريقة يريد. أما العمل التلفزيوني فيظل محكوماً بأخلاقيات المؤسسة، لذا لا يستطيع المخرج أن يطرق باب بعض القضايا الحساسة التي تتصل بسيرة عبدالحليم، لا سيما حين يتعلق الأمر بشركات الإنتاج والإرث والحب وغيرها من الأمور المثيرة للجدل في سيرته وحياته.

 

نقلاً عن موقع “اندبندنت عربية”