تعد «الواقعية» في الفن التشكيلي أم مدارس الفن الحديث، وقد ظهرت في مفهومها الحالي، منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ اعتبرت إحدى مخرجات عصر النهضة في القارة الأوروبية.
ويأخذ مختصون ونقاد على فناني هذه المدرسة، تجردهم من الخيال من خلال نقلهم الواقع كما هو، لدرجة يصعب معها على العين البشرية تمييزها عن الصورة الفوتوغرافية، في زمن حققت فيه هذه الأخيرة، في شقها الرقمي، تطوراً هائلاً، في حين يرى آخرون، أن ليس بمقدور الاتقان الرقمي منافسة الخيال الملهم الذي يمثله الفنان الموهوب.
«البيان»، استطلعت آراء عدد من التشكيليين والنقاد حول هذا الموضوع، حيث اعتبر التشكيلي عبد الله أبو عسلي، الذي ظل مخلصاً للتصوير الواقعي، حتى لقب بملك الواقعية المُفرِطة في سوريا، أنه مهما كانت قدرة الكاميرا، والمصور الفوتوغرافي، فلن يستطيعا إيجاد وبعث ما يبثه الفنان عبر لوحته، فالكاميرا، برأيه، تضبط المشهد.
وقد تضيف له بعض التعديلات عبر الفوتوشوب، لكن اللوحة لها معايير فريدة وخاصة جداً تتعلق بالفنان ذاته، وتختلف من واحد لآخر، فكل له رؤيته، وإحساسه الخاص، لذلك تكون أقرب للمشاهد والمتلقي من صورة الكاميرا.
نقل
ويرفض أبو عسلي الرأي القائل: إن اللوحة الواقعية تعتمد على النقل، ويؤكد أن للخيال الدور الأكبر مع المقدرة على الرسم في تجسيد العمل الفني.
وفي معرض الدفاع الذي يقدمه الفنان التشكيلي هنري صايغ عن الواقعية، يوضح أن الفن جاء أصلا من فن الرسم، الذي يخط ويحدد الأشياء بشكلها الحقيقي.
مشهد حي
ويرفض صايغ أي مقارنة بين الواقعية في الرسم وبين التصوير الفوتوغرافي، أو القول بأن هذا النوع من الرسم مضى زمنه، ويرى أن هذه المقارنة من الأخطاء الشائعة، ويصف الواقعية بالمشهد الحي، وهي مختلفة كلياً عن صورة الفوتوغراف الجامدة، «في الرسم الواقعي يتجلى حضور الفنان في المكان وزمنه وليس مجرد نقل تسجيلي لما يدور حولنا».
التشكيلي عمار الشوا، يتخذ موقفاً وسطياً على الرغم من النهج الواقعي في معظم نتاجاته، ويقول في هذا السياق: «إنه لا يعطي أسلوب المدرسة الأهمية الكبرى، فالأهم، برأيه، أن يكون العمل مشغولاً بصدق ومليئاً بالأسئلة».
نظرة مختلفة
الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم يقدم نظرة مختلفة عن الرسم الواقعي، حيث يجد فيه التباساً، وإشكالية تفوق التي نجدها عند الفن التجريدي، ومثيله التركيبي، والتجهيزي، واللوحة المخبرية، والضوئية، وغيرها من الاتجاهات الفنية المتطرفة في حداثتها.
وينطلق مخزوم في وجهة نظره من أن التطور الرقمي المذهل أعطى من وصفهم، أدعياء الفن الواقعي وسائل، وطرقاً، غير محدودة للوصول إلى لوحات واقعية رسمها الكمبيوتر، دون أي تدخل منهم. لكنه يستثني من هذا الاتهام، من يعملون في إطار الفنون الرقمية كفن معترف فيه.
وحسب مخزوم: أدى شيوع هذه البرمجيات إلى زيادة كبيرة جداً في عدد الذين يرسمون الواقعي بدقة متناهية، بصورة تدعو إلى الشك، وشكلت نسبة اللوحات الرقمية المنتجة، ثلثي ما يرسمه البشر بالوسائل الكلاسيكية.