تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الصراع وتأثيره على التراث الغنائي في اليمن

الصراع وتأثيره على التراث الغنائي في اليمن

جابر يقدم ورقة بحثية عن الموسيقى اليمنية الشعبية في المؤتمر العام للمجمع العربي للموسيقى

 

جابر علي أحمد*

 

للصراعات عمومًا تأثير سلبي على الحياة الثقافية في أي مجتمع، ومن ثمَّ يجب التمييز بين شكلين من الصراع: الصراع ضد مغتصب الأرض، والصراعات الأهلية؛ فالأول يعد نزاعًا مقدسًا والشرعية الدولية تقر بذلك، وفي مثل هذه الصراعات يصبح الغناء عنصرًا معنويًا مهمًا لإذكاء روح المقاومة ضد الأجنبي الغاصب. من هنا نفهم كيف شاعت أغنيات وطنية بين الناس كزاد معنوي حيوي يعمِّق روح مقاومة الدخيل، ولنا في تجربة النضال التحرري لأبناء الجنوب اليمني ضد المستعمر البريطاني أسوة حسنة؛ إذ كان المواطنون يرددون أغاني مثل (برع يا استعمار) للفنان محمد محسن عطروش، و(أخي كبَّلوني) للفنان محمد مرشد ناجي، و(قال بو زيد) للفنان محمد سعد عبد الله، و(يا شاكي السلاح) للفنان أحمد يوسف الزبيدي، إلى غير ذلك من أغانٍ أذكت روح المقاومة وقوَّت من علاقة المواطنين بالثورة وقيمها.

أما الصراعات الداخلية فتتعقد فيها الأمور إلى أن تصبح أهلية، واليمن اليوم يعيش مثل هذه الصراعات التي تتراوح ضراوتها بين أشكال باردة وأخرى ساخنة. ومنذ 2014 والشعب اليمني يعاني هذا الصراع الذي برز فيه تياران: تيار رأى في الفن الغنائي رجسًا شيطانيًا، وبنى ضده موقفًا عدميًا تجمدت معه حركة الغناء في أجزاء من اليمن. وراح هذا التيار يستبدل الموروث الغنائي الضخم بـ”زوامل شعبية” ذات صبغة مناطقية، وجعل من الأناشيد الوطنية الجادة التي صيغت حبًا في الوطن والشعب فعلًا مشينًا، وترتب على ذلك إهمال الفن وأهله، ولم يعد هناك أي جديد أو تجديد.

أما التيار الآخر فيعد منحدرًا من منابع فكرية ومصلحية متباينة، فلم تتبلور معه رؤيا فنية نابعة من فلسفة وطنية تكون محل إجماع عام. ومع هذا التيار شاعت روح غاب عنها الإحساس بالمسؤولية تجاه مكون ثقافي اجتماعي مهم اسمه التراث الفني، ومع هذا التيار باتت قنوات الاتصال الجماهيري -خاصة المرئية- ساحة مباحة لكل الانحرافات الفنية المضرة بهويتنا. ومع هذا التسيب واللامبالاة بات تراثنا الغنائي في مهب العبث، وتعرض للسطو على كلماته وألحانه ونسبها إلى غير مبدعيها، وتحريف ألحانه عن سياقاتها الخاصة بها، واستنساخ ألحان شعبية بطرق مزاجية شتى.

والحقيقة أن مثل هذه السلوكيات بدأت في سبعينيات القرن الماضي، عندما سجل الفنان الكويتي عبد المحسن المهنا باسمه موشح (يامنيتي) للشاعر والملحن أحمد فضل القمندان، ومنذ ذلك الوقت والمؤسسات اليمنية المعنية عاجزة عن فعل ما يجب عليها فعله. على أن الأمر اليوم استفحل كثيرًا مع الشلل الذي أصاب المؤسسات الثقافية والإعلامية في ظل أجواء الصراع الأهلي القائم.

وفي مثل هذه الحالة، يبرز دور منظمات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تهتم بحقوق الملكية الفكرية؛ إذ عليها أن تنمي وعيها بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالحماية الفكرية وتقوم بنشرها حتى يتبلور موقف مجتمعي واعٍ بهذه المسألة. ومن المعلوم أنه في ظل الصراع الأهلي يتراخى دور المؤسسات الرسمية، على الصعيدين الإجرائي والعلاجي، وهنا تأتي أهمية تقوية الصلات بالمنظمات الدولية المعنية بالحقوق الفكرية، وعلى رأسها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) التي باتت محل الاهتمام العام دوليًا.

إن الاهتمام بقضايا الملكية الفكرية في المجتمعات المتخلفة أمر بالغ الصعوبة، خاصة من حيث القابلية المجتمعية لأمر كهذا؛ إذ يتمتع مواطنو المجتمعات المتقدمة بقابليات مرتفعة للتعايش مع الحقوق، على عكس المجتمعات التي لم ينشأ مواطنوها على المبادئ المدنية الخاصة بالحقوق والواجبات. وهذا يعني أن جهود تنمية الوعي بحقوق الملكية الفكرية في المجتمعات المتخلفة يتطلب جهودًا مكثفة من قبل المؤسسات الأهلية ذات العلاقة.

وضع الموسيقى في اليمن قبل الصراع وبعده

من الأشياء المحمودة في اليمن أن التراث الغنائي ظل متداولًا عبر التناقل الشفهي، على أن هناك حالات تتعرض فيها المادة الغنائية التقليدية لبعض الانحرافات الناجمة عن تصرفات فنية لبعض المحترفين أو الهواة. وهذه الظاهرة تضخمت كثيرًا في الوقت الحاضر؛ إذ يسعى كل فنان لإبراز شخصيته من خلال تنويعات لحنية تنأى بالعمل عن طبيعته، وهذا أمر مضر بالمواد الغنائية التراثية.

وإذا قيَّمنا حال التراث الغنائي قبل الصراع وبعده فسنلاحظ أن الحياة الموسيقية اليمنية قبل الصراع كانت تسير بغثها وسمينها على الصعيدين العملي والنظري، وكانت المناسبات الوطنية ميدانًا لاهتمام رسمي بفن الموسيقى؛ إذ ترصد الميزانيات اللازمة للأنشطة الفنية التي تحتفي بتلك المناسبات. واللافت أيضًا أن الأنشطة الغنائية الخاصة كانت تجري على قدم وساق، وكانت تحظى برعاية إجرائية من قبل وزارتي الثقافة والإعلام، من خلال تشكيل اللجان الخاصة بتقييم الجودة، ومن خلال مواد غنائية تُبث إذاعيًا وتلفزيونيًا. على أن الاهتمام بالبنى التحتية الموسيقية لم يدخل في نطاق الاهتمام الرسمي لأسباب تتعلق بصراعات مراكز النفوذ في اليمن.

قبل الوحدة تأسس في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية معهدان: معهد جميل غانم للفنون الجميلة في عدن، ومعهد محمد جمعة خان للفنون الجميلة في المكلا. المؤسف أنهما تعرضا لضربات موجعة بعد 1994؛ فقد هُمش معهد غانم بشكل كبير، وأصبح معهد خان في خبر كان. ومع التطورات السياسية التي بدأت في 2011 وما صاحب ذلك من مناكفات سياسية وصلت أحيانًا إلى حد كسر العظم، أُديرت دفة الأمور إلى ما نعيشه اليوم من وضع يمني شاذ وضع الموسيقى على الرف حتى ميعاد آخر.

مفهوم التراث الغنائي

التراث الغنائي معطى ثقافي يتم تداوله من السلف إلى الخلف عبر التناقل الشفهي، ويندرج في إطار التراث اللامادي (الحسي)، وينقسم التراث الغنائي في اليمن إلى صنفين: التراث الغنائي الشعبي، والتراث الغنائي التقليدي.

التراث الغنائي الشعبي منتشر في كل البقاع اليمنية، وهناك غناء للمهن وغناء للمناسبات، وتتعدد عناوين هذا الغناء تعددًا هائلاً خاصة أنه مرتبط بالبيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية. وتؤدى الأغاني الشعبية من قبل الجماعات المهنية والمناسباتية بشكل فردي أو جماعي، معبرة عن الحاجات المعنوية والشعورية للجماعة.

أما الغناء التقليدي فهو غناء يتمتع بتقنيات فنية خاصة تؤدى لغرض الاستمتاع الجمالي من قبل فنانين محترفين أو هواة ماهرين. وللغناء التقليدي قوالب محددة، وفي اليمن يوجد قالبان يرددهما الفنانون التقليديون، هما: الموشح والقصيدة.

وعن تاريخ التراث الغنائي يبدو أنه لا مندوحة من الإشارة إلى أنه ليس للغناء الشعبي تاريخ محدد؛ فهو ينشأ مع الجماعة ويترعرع في أحضانها، وهو من أهم مؤشرات العلاقة العضوية بين الإنسان والغناء. فيما ظهر الغناء التقليدي في اليمن في القرن الثالث عشر الميلادي من خلال الموشح الذي بدأ يتبلور مع الدولة الأيوبية، واستمر في التبلور حتى يومنا هذا. وغالبًا ما يستدل على ذلك من خلال شعراء الموشح اليمني، ويطلق على هذا اللون الشعري مصطلح (الشعر الحميني).

أما عن المقامات فيمكن القول إن الأغاني الشعبية لا تخضع دائمًا لسياقات مقامية معروفة في النظام الموسيقي الشرقي؛ فثمة أغانٍ تؤدى من درجة موسيقية واحدة، وأخرى من درجتين أو أكثر، على أن هناك من الأغاني الشعبية ما تقترب مساحتها الصوتية من الديوان الموسيقي (الاوكتاف).

وإذا انتقلنا إلى الأغاني التقليدية اليمنية المتداولة فإنها تنتسب مقاميًا إلى المنظومة الصوتية العربية، أو -إن شئت- الشرقية. ومن أهم المقامات:

(الراست) كما في موشح (يا مُنجِّي)، من كلمات وألحان الشيخ جابر أحمد رزق، وغناء إبراهيم محمد الماس.
(السوزناك) كما في موشح (طرب سجوعه)، كلمات عبد الرحمن الآنسي، وغناء أحمد عبيد قعطبي.
(نيرزراست) كما في موشح (يا الله يا رب لاطف)، كلمات شاعر مجهول، وغناء أحمد عبيد قعطبي.
(عقد نُوا أثر) كما في موشح (يا مكحل عيوني بالسهر)، كلمات شرف الدين، وغناء عبد الله المسلمي.
(بياتي) كما في موشح (فرج الهم)، كلمات ولحن الشيخ جابر رزق، وغناء إبراهيم محمد الماس.
(بياتين) كما في قصيدة (أنا من ناظري)، كلمات ابن هثيمل، وغناء علي أبي بكر باشراحيل.
(الحسيني) كما في موشح (الغويدي)، كلمات الغويدي، وغناء إبراهيم محمد الماس.
(الصَّبَا) كما في مطلع قصيدة (لشذا)، كلمات القاضي أحمد بن حسين المفتي الزبيدي وتلحين حسن صديق، ويؤديه المسمِّعون في تهامة.
(الحجاز الكبير) كما في موشح (رب حُسْن امَّختم)، كلمات ولحن الشيخ جابر رزق، ويؤديه المسمِّعون في تهامة.
(السيكا) كما في موشح (ليت شعري)، كلمات عبد الرحمن الآنسي، وغناء إبراهيم الماس.
(العراق) كما في موشح (انظر إلينا)، كلمات ولحن الشيخ جابر أحمد رزق، ويؤديه المسمِّعون في تهامة.
(الهُزَام) كما في موشح (وامغرد) كلمات علي بن محمد العنسي، وغناء علي أبي بكر باشراحيل.

التراث الغنائي اليمني والثقافة اليمنية

ثمة علاقة وثيقة بين الإبداع الموسيقي والإبداع الثقافي عمومًا، والحديث عن هذه العلاقة يطول، وهناك صور في التاريخ اليمني تبرز أن هذه العلاقة في حال تحركها في مناخ فلسفي إيجابي عام تكون النتائج طيبة. وهنا يمكن الإشارة إلى حالتين: حالة الازدهار العام التي سادت في دولة سبأ وانعكاسها على الموقف الثقافي العام، وعند هذه النقطة تثبت النقوش القديمة أن المشهد الموسيقي اتسم بحيوية شديدة صدَّرت صورة زاهية عن حياة اليمنيين الثقافية. والحالة الأخرى حدثت في ظل الدولة الرسولية التي شهدت نهوضًا ثقافيًا عامًا استجابت له الموسيقى استجابةً جعلت من اليمن حاضرة ثقافية مهمة في القرن الخامس عشر. ولعل مجلد (نور المعارف) الذي حققه الأستاذ عبد الرحيم جازم يقدم الدليل القاطع على ما ذهبنا إليه. ومجمل القول إن الازدهار الموسيقي يصدر للآخرين صورة زاهية عن الشعب الذي أنتجه.

وأتمنى في هذا الصدد أن يأتي اليوم الذي تتوفر فيه ظروف حقيقية لانتعاشة يمنية كبرى تُمكننا من فعل ثقافي نستعيد به صورتنا الإيجابية التي تآكلت بفعل مآلات الصراعات الأهلية القائمة.

التراث الغنائي والبعد الاقتصادي

بالنظر إلى ما تزخر به اليمن من تراث متنوع ومتميز، فقد أجمع المؤرخون الموسيقيون على تلك القيم الفنية الرفيعة التي تميِّز هذا الموروث منذ الممالك اليمنية القديمة. ولا شك أن الاهتمام به ورعايته والحفاظ على قيمه، من خلال آليات عملية ونظرية، سيكون له أكبر الأثر في جعله أحد عناوين الجذب والتشويق الداخلي والخارجي، مما سيمكنه من أن يكون أحد المصادر الاقتصادية التي من شأنها تنويع موارد الخزينة العامة، وتشغيل قطاع واسع من الناس ذوي العلاقة.

وفي ذات السياق سنجد القطاع الخاص يشحذ همته للانخراط في هذه العملية من خلال استثمارات فنية تتحرك معها العجلة على نحو يجعل من هذا المصدر عنصرًا أساسيًا في التنمية، لا سيما أن الصناعة الفنية اليوم باتت واحدة من مقومات الحركة التجارية، وإهمال هذا العامل سيحرم الوطن من مورد مهم في تنشيط الدورة الاقتصادية. ثم إن إدخال الموسيقى في تلك الدورة من شأنه تفعيل الصناعة السياحية، خاصة أن اليمن عرفت بكونها كنزًا ثقافيًا إنسانيًا يسعى إليه كثير من الباحثين عن الجذور التاريخية للثقافة والحضارة.

على أن ذلك كله لن يتأتى إلا في ظل وضع آمن ومستقر، وفي ظل توفر بنى تحتية تستجيب لتنشيط الاستثمارات الفنية. ولنا أن نتخيل اليوم كيف ستكون اليمن لو باتت إحدى المراكز السياحية الإقليمية بما تحتويه من مواقع أثرية متنوعة، وتراث غنائي غني ورفيع، ومحميات طبيعية، ولهجات ولغات مثيرة للفضول الإنساني، وجزر منعشة للخيال، وكل ذلك بمصاحبة معاملة إنسانية تتسم بالرقي وسلوك حضاري يحبب إليه الجميع في الداخل والخارج.

دور المنظمات في الحفاظ على التراث الغنائي

باتت منظمة اليونيسكو في باريس المعنية عالميًا بالحفاظ على أشكال التراث المادي واللامادي. وهناك منظمات دولية أخرى لكنها غير رسمية، وهي منتشرة في أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية… إلخ. على أن هذه المنظمات لا تقدم مساعداتها إلا عبر أوعية حكومية أو غير حكومية.

وأود هنا أن أتوقف عند تجربة لي عندما كنت مديرًا عامًا لمركز التراث الموسيقي اليمني، الذي كان لي شرف تأسيسه بدعم من وزارة الثقافة عام 1998، إذ صدر حينها قرار وزاري بإنشاء مركز التراث الموسيقي اليمني. ظل الأمر قرارًا على الورق، فتوجَّب عليَّ آنذاك البحثُ عن المكان وتجهيزه واختيار الكوادر من موظفي ديوان الوزارة. لقد كان من المهم أن يصبح لدى وزارة الثقافة وعاء معني بالتراث، إلا أنه تم تغيير وزير الثقافة حينها؛ الأمر الذي خلق مشكلات تتعلق بعدم دراية الوزير الجديد بتفاصيل مهام المركز وآليات عمله، ولذا فقد نظر إلى المركز كإدارة تابعة لديوان الوزارة وكفى! وصار هذا هو شأن كل الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة حتى العام 2012.

مع ذلك، فإنه يحسب لمنظمة اليونيسكو أنها وافقت على تمويل (مشروع الحفاظ على الغناء الصنعاني)، وأوكلت تنفيذ المشروع إلى مركز التراث الموسيقي اليمني. وبصفتي مدير عام المركز حينذاك، فقد أصبحت المنسق الوطني للمشروع الذي اشترك في تمويله الصندوق الاجتماعي للتنمية كجهة وطنية.

تمكن المركز حينها من وضع خطة للجمع المسحي الذي بموجبه جُمعت الكثير من الأسطوانات السمعية، ومن مصادر متنوعة في شمال الوطن وجنوبه. وفي المحصلة تمكن المركز من جمع 300 نص غنائي تراثي، وبعد إجراء الوصف والتحليل والتصنيف أُرشفت إلكترونيًا.

الجدير بالذكر أنه في العام نفسه من تأسيس مركز التراث الموسيقي اليمني بالوزارة تأسست مراكز ومنتديات وجمعيات أهلية تُعنى بأشكال التراث الشفهي، وقدم مركز التراث الموسيقي لها ما تيسر من المساعدات الاستشارية اللازمة.

هذه تجربة كان يمكن أن يبنى عليها لو لم ندخل في دوامة صراع الأطراف السياسية، وهو صراع ما زال يفت في عضدنا مخلفًا آثارًا مدمرة على كل الأصعدة.

يوم الأغنية اليمنية

في الأول من يوليو من كل عام تنشط وسائل التواصل الاجتماعي، وبدرجة أقل بعض القنوات الفضائية اليمنية، في الاحتفاء بما أطلق عليه (يوم الأغنية اليمنية). أنا -شخصيًا- تمنيت لو أن هذا اليوم كان يومًا للموسيقى اليمنية، تُراجع فيه الملفات الخاصة بالحياة الموسيقية في اليمن. لكن أصحاب الفكرة لم يدر بخلدهم أن الحياة الموسيقية عمومًا فيها ما هو عملي ونظري، ولأصبح هذا الحدث احتفاء بالموسيقى وليس بالأغنية فقط، التي تعد مجرد عنوان صغير في كتاب كبير.

ما يزال الأمر قابلاً للتدارك، من باب اشتمال أي نشاط احتفائي بالموسيقى على كل العناصر والعناوين التي تندرج تحته، وحينها تكون الفعاليات التي يمكن أن تنظم داخل الوطن أو خارجه وقفات تقييمية لما يكتنف المشهد الموسيقي من عوامل محفزة على الحركة أو عوامل معوقة لها. ومن هذا المنبر أتوجه إلى القائمين على (يوم الأغنية اليمنية) بتطوير الفكرة حتى تصبح (يوم الموسيقى اليمنية).

التوصيات

بالنظر إلى اتساع رقعة اليمن وتباين تضاريسها، فقد قاد ذلك إلى تنوع غزير في الأغاني الشعبية وإلى غنى في أفانين الغناء التقليدي. وحتى نتمكن من المحافظة على هذا الإرث الثمين، ثمة واجبات تقع على عاتق الجهات الحكومية، وهي كالآتي:

تأسيس مراكز للتراث الموسيقي في المحافظات الرئيسية وتزويدها بما يلزم للقيام بمهام المسوحات الميدانية والجمع المسحي.
تأمين كادر مؤهل للقيام بالعمليات المتعلقة بالوصف والتصنيف والتوثيق والأرشفة.
عند تشكيل الفرق الميدانية المناط بها إجراءات المسح الميداني أو الجمع المسحي يراعى الاهتمام بالتخصص الدقيق، ولا يضير الاستعانة بخبرات خارجية في هذا الصدد.
تأمين مكتبة ورقية تحتوي على مجلدات وموسوعات وكتب ودراسات ذات علاقة بقضايا التراث ومشكلاته، إلى جانب تأمين مكتبة سمعية تحتوي على مواد غنائية تراثية يمنية متنوعة.
تشكيل فرقة تقليدية من العازفين والمؤديين الماهرين، مهمتها المحافظة على تقنيات التراث الغنائي اليمني؛ لنجنِّب هذا التراث المزيد من العبث بمكوناته.
تفعيل مادة التربية الموسيقية في المدارس، على أن يتلازم ذلك مع توعية الطلبة بتراثهم الفني وسبل المحافظة عليه.
تأسيس كليات للتربية الموسيقية في بعض الجامعات اليمنية؛ حتى يتم تأمين الكادر التربوي الموسيقي للمدارس.
الاهتمام بالنشاط التراثي الموسيقي في المدارس، وذلك وفق أسس فلسفية تربوية تراعي المراحل العمرية للأطفال وتراعي كذلك الاحتياجات الجمالية لهم.
التوصيات الخاصة بالقنوات الفضائية

للإعلام دور مؤثر في الحياة الثقافية للمجتمع، ومع ظهور القنوات الفضائية تجاوز هذا التأثير حدود المكان والزمان، وبالتالي بات على القنوات الوطنية، العامة منها والخاصة، مضاعفة جهودها للقيام بما يمليه الواجب الثقافي تجاه المجتمع. ومن باب إيضاح الصورة أرى ما يلي:

التأكد من وجود خبرات موسيقية رفيعة في أجهزة التنسيق بالقنوات الفضائية تقوم بما يلزم أثناء اختيار المواد الغنائية المُعَدة للبث.
على القنوات الفضائية تحري ما تنتجه الشركات الفنية الخاصة قبل الشروع في تبني ذلك الإنتاج، وخاصة الإنتاج ذي الصلة بالتراث الغنائي اليمني. وهذا أمر يدخل في نطاق مهام الإدارات العامة للتنسيق.
تبني برامج نوعية تعنى بالتراث الغنائي اليمني، ويندرج في ذلك إجراء المقابلات التلفزيونية مع من تبلورت في عقولهم قضايا ذلك التراث ومشكلاته.
القنوات الفضائية اليمنية معنية بالتقييم الدوري لما تقدمه للناس من مواد غنائية ذات علاقة بالتراث الغنائي، كما يتوجب على هذه القنوات تقديم المقترحات اللازمة لتطوير الأداء في مجال التعامل مع التراث الغنائي.

*فنان وناقد موسيقي يمني

 

نقلا عن موقع “صوت الأمل”