تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ماذا تعرف عن أشهر الآلات الموسيقية اليمنية؟

ماذا تعرف عن أشهر الآلات الموسيقية اليمنية؟

ماذا تعرف عن أشهر الآلات الموسيقية اليمنية؟

 

عبد الإله سُميح

بين أزقّة مدينة شبام التاريخية، في قلب محافظة حضرموت جنوبي اليمن، ينكبّ النجار أحمد عبد الله زبير، على نحت قطعة خشبية من جذع شجرة “الطنب”، مستلهمًا العبق الأثري الزاخر الذي يحيط به، ليحولها إلى إحدى أقدم الآلات الموسيقية الوترية، التي عُرِفت في حضارة اليمن باسم “القنبوس” أو “الطُربي”، وتجسدت في النقوش السبئية القديمة في عصور ما قبل الميلاد.

يمزج الخمسيني أحمد شغفه في النجارة بولعه في الموسيقى، عن طريق حرفته المكتسبة وراثيًّا عن أجداده؛ ما يجعله مع حِرفي آخر في صنعاء القديمة، يحتكران صناعة آلة الطرب الأولى في اليمن خلال العقود الأخيرة، ويتفردان بأسرارها إلى ما قبل عامين.

يقول النجار أحمد، وهو ابن شقيق الفنان الحضرمي المعروف بدوي زبير، إن صناعة “القنبوس” الواحدة تستغرق نحو شهر؛ بسبب تكونها من قطعة خشبية صمّاء واحدة، تُجوَّف بعناية فائقة عبر النحت، قبل أن يُغطى بطن الآلة بجلد الماعز، ويضاف إليه الأوتار الأربعة المصنوعة قديمًا من أمعاء الماعز، وهو ما يميز هذه الآلة عن العود الشرقي.

خلال العقود الماضية، كان النجار أحمد زبير، عضوًا في فرقة “الموسيقى والفنون الشعبية في “شبام” إلى جانب عضويته في الفرقة التابعة لمكتب وزارة الثقافة اليمنية في مديريات وادي وصحراء حضرموت؛ ما جعله يشير إلى أن “القنبوس” الذي بدأت صناعته التقليدية في شبام حضرموت خلال عام 1895، يعدّ مهدًا للعود العربي التقليدي الذي مرّ بعدة مراحل من التطور، حسب وجهة نظره.

ويصنِّع النجار الحرفي آلة “القنبوس” حسب الطلبات التي تصله من فنانين وموسيقيين يمنيين داخل البلاد وخارجها، إلى جانب الطلبات الأخرى الواردة من كويتيين، وإماراتيين، وسعوديين، ومصريين، وقطريين، والتي يقول إن بعضها “يطلب إضافة تعديلات على الأوتار وعددها، مع الحفاظ على الشكل التقليدي العام للآلة”.

جزء من الهوية

ويحتدم الجدل بين المؤرخين حول تاريخ ظهور “القنبوس”، الذي انتشر بشكل أكبر في صنعاء القديمة وحضرموت، حتى بداية أُفول نجمه في أوائل القرن العشرين في صنعاء، إبان عهد الإمام يحيى حميد الدين.

ويرى مؤسس ومدير “البيت اليمني للموسيقى والفنون”، فؤاد الشرجبي، أن آلة “القنبوس” تمثل جزءًا مهمًّا من الهوية اليمنية، إذ تحمل رمزيتها عدة سمات تاريخية وفنية وحضارية؛ “كون عمرها يصل إلى أكثر من 3 آلاف عام، ووجدت في نقوش دولة سبأ، وهي تعكس حضارة اليمن القديمة، إذ لا ترتقي الفنون إلا بوجود دولة متحضرة ومتقدمة سياسيًّا، وثقافيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا”.

ويقول ايضا، إن هذه الآلة الوترية “صاحبت الغناء الراقي في تلك الحقبة من التاريخ، وعبّرت عن أجمل ما يبدعه الإنسان الخلّاق لترجمة مشاعره الإنسانية السامية، خصوصًا أن القنبوس امتاز بطريقة صناعته كمنحوتة يستخدم فيها جلد الماعز المدبوغ بقليل من مادة النحاس، لزيادة جودة الرنين، فضلًا عن استخدامه ريشة النسر في النقر على الأوتار، ما يمثل حالة إبداعية متكاملة فنيًّا”.

رحلة العودة وكان “البيت اليمني للموسيقى والفنون” من الجهات السباقة إلى إحياء “القنبوس”، بهدف حمايته من الاندثار ونقله إلى الأجيال القادمة، عبر مشروع “عودة إلى السطح” الذي دعمته اليونسكو في عام 2022، لتدريب الحرفيين على صناعته، والموسيقيين على إجادة العزف عليه.

ويؤكد فؤاد الشرجبي، أنه يمكن استعادة دور آلة “القنبوس” أو “الطُربي” من خلال إحياء صناعتها ودعمها فنيًّا، وتدريب الشباب على العزف عليها بالتكنيك الخاص بهذه الآلة الوترية النادرة، إلى جانب إدماجها ضمن الآلات الموسيقية للفرق الرسمية التابعة للدولة.

وأشار إلى أن جميع فعاليات “البيت اليمني للموسيقى والفنون”، باتت تشهد حضورًا قويًّا لـ”القنبوس”، حتى خلال المشاركات الخارجية، التي كان آخرها الفعالية الفنية في المؤتمر الدولي الذي نظمته الأمم المتحدة في الدوحة، العام الماضي.

وعلى الصعيد الدولي، عاد “القنبوس” للظهور مجددًا عام 2022، في القاهرة، خلال فعاليات “السيمفونيات التراثية”، التي يقودها الموسيقار اليمني الشاب، محمد القحوم، في جولة جابت مؤخرًا مصر، وفرنسا، والكويت، عبر مقطوعات فنية تراثية.

الفنان اليمني حسين محب يعزف على القنبوس في حفلة السيمفونيات التراثية في القاهرة
ويقول القحوم إنه استطاع خلال مشروعه الفني، دمج كثير من الآلات الشعبية المحلية، منها “القنبوس” الذي وصفه بالآلة القديمة المرتبطة بالأصالة اليمنية العميقة، بالموسيقى الغربية الأوركسترالية، على نحو يخلق مزيجًا يحافظ على هوية النغمة التراثية اليمنية.

تحدي الحاضر الموسيقي في المقابل، يعتقد رئيس اتحاد فناني حضرموت، طارق باحشوان، أن عودة “القنبوس” كآلة أساسية يمكن الاعتماد عليها في الأغاني، “هي عملية صعبة في ظل إمكانياتها ومساحتها الصوتية المحدودة، كآلة مكونة من أربعة أوتار، ومع وجود العود الأكثر تطورًا ومساحة، وتكنولوجيا التوزيع الموسيقي التي باتت منتشرة”.

وقال باحشوان، إن إحياء هذه الآلة الوترية القديمة حاليًّا، سيكون محدودًا ومستخدمًا في “الصولوهات”، مثل استخدام آلة المزمار، وتبقى “القنبوس” محتفظة بوجودها كآلة لها صوت مميز.

وأضاف أن التراث دائمًا يكون حيًّا، وإن لم يكن كذلك ويتفاعل مع المجتمع، “فإنه يصبح شيئا جامدا، وبالتالي يتحول إلى المتحف بهدف زيارته فقط”.

وحول ارتباط “القنبوس” باللونين الغنائيين الصنعاني والحضرمي، يرى باحشوان أن ذلك يعود لكونهما لونين تاريخيين عكس الألوان الغنائية المحلية الأخرى؛ إذ ارتبط “القنبوس” باللون الحضرمي حتى نهاية القرن الثامن عشر، قبل أن يحل محله العود، “ولهذا جاء لون غنائي في تلك الفترة بحضرموت يدعى (العوادي)، نسبة إلى العود الجديد الذي بدأ يظهر”.