تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فنّ التشكيل يعزِّز الجمال والهوية المعمارية اليمنية

فنّ التشكيل يعزِّز الجمال والهوية المعمارية اليمنية

فنّ التشكيل يعزِّز الجمال والهوية المعمارية اليمنية

 

أفراح بورجي

أصبح الفن المعماري اليمني محط اهتمام العديد من الفنانين التشكيليين في الآونة الأخيرة؛ إذ يركزون على رسم المعالم الأثرية والعمارة التقليدية الجميلة، التي تزين البلد، وتصويرها؛ ويهتم هؤلاء الفنانون بتسليط الضوء على جماليات العمارة اليمنية، وخاصة الجص الأبيض، الذي يميز صنعاء، بدلًا من رسمها بشكل واقعي، ويرى الفنانون أنّ هذا النوع من الفن يسهم في الحفاظ على الهوية اليمنية والتراث الثقافي الذي يتلاشى تدريجيًّا.

وتعكس اهتمامات الفن التشكيلي بالعمارة اليمنية الجميلة جوانب متعددة من التطور والتقدم الذي شهدته المجتمعات السابقة، بغض النظر عن واقعها الحالي، ويحرص الفنانون في أعمالهم على إبراز معالم العمارة بزوايا مختلفة ودقة في التفاصيل، ممّا يحث المشاهدين على الانتباه والتأمل في هذه الجماليات، كما يمكن عَدّ رسوماتهم مرجعًا لإعادة ترميم المباني في حال تعرضها للتلف أو الانهيار.

عمارة صنعاء يزينها (الجص الأبيض)

وفي هذا الخصوص، تضيف الفنانة التشكيلية راوية العتواني: “مؤخرًا بدأت في رسم العمارة اليمنية، وتحديدًا رسومات صنعاء القديمة. ولكنني لم أرغب في رسمها بالمنظور والشكل الواقعي البحت، بل أردت التركيز على جوهر مدينة صنعاء، الذي هو اللون الأبيض (الجص)؛ لأنّ لديّ فلسفتي الخاصة بهذه النقطة، على النقيض من الفنانين الآخرين الذين يقومون برسمها كما هي بالضبط”.

اهتمام الفنان التشكيلي بالعمارة اليمنية

تقول راوية: “هذه النقطة مع الأسف، بالرغم من كثرة الأساليب الخاصة بالعمارة من منطقة لأخرى، فإنّه في الفن التشكيلي يظهر أكثر، تم تسليط الضوء على عمارة صنعاء، ولذلك لم يتم الاهتمام بها كثيرًا؛ بصراحة، من وجهة نظري، لا يتم الاهتمام بها كثيرًا بسبب وجود قضايا أخرى في الفن التشكيلي، أو بالأحرى الفنان التشكيلي مهتم بتلك القضايا أكثر من العمارة اليمنية؛ هناك قضايا إنسانية كثيرة؛ مثل: قضايا النساء، والأطفال، والصراع، وأمور أخرى. ولكن في الآونة الأخيرة، بدأ الشباب يركزون على الهوية والتراث، إذا استمروا بهذا الجانب، سنشهد زيادة الاهتمام بالعمارة اليمنية، إنّه أمر مهمّ أن نهتمَّ بالعمارة اليمنية، وكل ما يتعلق باليمن للحفاظ على هويتنا وتراثنا، الذي نشهده يومًا بعد يومٍ وهو يبدأ بالاختفاء والسرقة أمام أعيننا، وللأسف لا أحد يتحدث عن هذا الأمر”.

دور الفنان التشكيلي في إبراز العمارة اليمنية

العمارة اليمنية تتميز بجمالها في طريقة البناء والشكل الخارجي والتفاصيل. وعادةً ما تحظى بإعجاب الكثير من الفنانين الذين يحاولون رسم هذه التفاصيل في لوحاتهم وتعبيرهم عن المنظر. هكذا بدأ أسامة أشرف حديثه حول الدور الذي يقوم به في إبراز جمال الفن المعماري اليمني من خلال الفن التشكيلي الذي يمارسه.

وأضاف أسامة: في الوقت الحالي، يتجه الكثير من الفنانين لرسم العمارة اليمنية بسبب اختفاء طرق البناء القديمة مع التطور، يسعى الفنانون إلى تخليد هذا الجمال المعماري من خلال اللوحات، وكذلك يحاولون رسم لوحات تعبر عن مناطقهم، ويشاركون بها في المعارض المحلية والدولية، يساعد ذلك في نشر ثقافة البلد والفن المعماري؛ إذ تتميز كل منطقة بأسلوبها الخاص في البناء، وتختلف عن غيرها بناءً على الطقس وتوفر المواد. ويحاول كل فنان إظهار جمال منطقته والجمال المعماري الموجود فيها.

يقول الفنان التشكيلي مظهر نزار: “كفنان مثلي، تجذبني المدينة القديمة في صنعاء بتصميمها المعماري الجميل. والسبب بسيط، فأنا أرسمها كثيرًا، وأحاول التقاط كل حارة في المدينة بهذه الطريقة، أحاول الحفاظ على جميع أجزاء التصميم المعماري في عملي كذكرى”.

يعلن الفنان التشكيلي مظهر نزار: يحاول الفنانون الحفاظ على المظهر الجميل للمدينة مع مرور الوقت، ورغم اهتمام قليل يُولَى للحفاظ على المدينة القديمة في الوقت الحالي، يمكن للفن التشكيلي أن يذكّر المجتمع بمدى جمالها في الماضي من خلال الأعمال الفنية، التي يقوم بها الفنانون الأفراد لإظهار جمال المهندس المعماري. ولذا، يلعب الفن التشكيلي دورًا كبيرًا في تعزيز الهندسة المعمارية الجميلة للماضي. وأنا بنفسي أحاول الاهتمام بكل التفاصيل، وأسعى لإظهار جمال المدينة وإزالة أي مواد بناء حديثة مرغوب عنها.

العمارة اليمنية؛ أصالة وعراقة

في السياق، يرى الصحفي يحيى العكوري أنّ الفنَّ التشكيلي أسهم بشكل كبير في إثراء العمارة اليمنية قديمًا وحديثًا من نواحٍ عدّة، وأنه أضفى لمسات فنية عملت على تطور العمارة اليمنية وزادت من جمالياتها.

وأشار العكوري إلى أنّ هذا الفن لعب دورًا بارزًا في العمارة من خلال تشكيل الأحجار الطبيعية لتناسب استخدام المواطن اليمني وظروفه، متمثلة في تشكيل واجهات المباني، مثل العقود الحجرية في النوافذ والأبواب، وتشكيل أحزمة لتفريق الطوابق، وتشكيل الياجور الأحمر كمشربيات لتبريد المياه، و (الشاقوص) لتبريد الغرف ومساحات المعيشة.

وأضاف العكوري – وهو مهتم بالفن التشكيلي – أنّ استخدام الجبس لتشكيل أحد أهم عناصر العمارة اليمنية وهي (القمرية)، التي تعطي جمالًا ورونقًا للمنازل، وأيضًا استخدامه لتلوين الواجهات. كما أشار إلى وجود مواد أخرى استخدمت في تشكيل القلاع والقصور القديمة وأسوار المدن وبواباتها المبنية من الطين.

الفن التشكيلي يحافظ على أصالة الفن المعماري اليمني

ومن جهته يقول الصحفي وليد التميمي: “إن اهتمام الفن التشكيلي بالعمارة اليمنية يعكس تطور المجتمعات ورقيها، بغض النظر عن واقعها الحالي، يقوم الفنانون التشكيليون بتجسيد جماليات فن العمارة من مختلف الزوايا في رسوماتهم، يعدّون هذه الرسومات مرجعًا لإعادة ترميم المباني في حالة الانهيار أو التهدم، وتعزيز قيمة الانتماء والهوية الوطنية”.

ويبين التميمي: أنّ الفنان التشكيلي يسهم برسوماته في توثيق مزايا الفن المعماري ومقوماته، التي تختلف من محافظة لأخرى، فهو يستطيع رسم المباني والمعالم المهمة في المدينة، وبذلك يسهم في توثيق الهوية المعمارية للمكان، كما يمكن عدّ الرسوم مرجعًا لإعادة ترميم المباني إذا تهدمت أو انهارت؛ إذ يستطيع الفنان التشكيلي رسمها كما كانت في السابق للمساعدة في إعادة بنائها.

وأضاف وليد التميمي إلى ذلك، يمكن أن تكون الرسومات طريقة لرسم حدود فاصلة بين زمنين أو حقبتين مختلفتين؛ لقياس مستوى التقدم العلمي والهندسي بينهما. فهي تعكس التغيرات التي حدثت في الهندسة المعمارية عبر العصور، وتساعد في فهم تطور البنية العمرانية للمدينة.

وأيضًا، يعزز الفنان التشكيلي من قيمة انتماء الإنسان لوطنه، ويحصّن هويته بمنجزاته. فهو يسهم في إبراز جماليات المدينة، ويعكس ثقافة الشعب وتراثه من خلال رسوماته، وعندما يرسم المباني التاريخية والثقافية، يسهم في حفظ التراث والموروث الثقافي للمجتمع. في النهاية، يعدُّ الفن التشكيلي وسيلة فعّالة للحفاظ على الهوية والتراث المعماري في اليمن. ويسعى الفنانون من خلال أعمالهم للحفاظ على جمال المدينة القديمة، وإظهارها بأفضل صورة ممكنة، وذلك بإزالة أي عناصر معمارية حديثة غير ملائمة. فالفن التشكيلي يلعب دورًا مهمًّا في تعزيز الوعي بالتراث المعماري.

نقلا عن “صوت الأمل”