تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » بليغ حمدي… “الطير المسافر” ورسول التلحين

بليغ حمدي… “الطير المسافر” ورسول التلحين

بليغ حمدي... "الطير المسافر" ورسول التلحين

 

الملحن المصري الراحل بليغ حمدي مولود في حي شبرا الشهير بالعاصمة القاهرة عام 1931، وترك خلفه مئات الألحان وبصمات روائع لا تنسى لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ووردة وميادة الحناوي وعزيزة جلال وسميرة سعيد ونجاة وشادية وغيرهم من أبرز الأصوات العربية.

بإبداع موسيقي وعبقرية نغمية وخيال واسع حجز الملحن المصري الراحل بليغ حمدي أحد مقاعد الصدارة بين أساطير التلحين العربي على مدار ما يقترب من قرن فهو المداح للقمر والطير المسافر والموعود في روايات عمالقة الغناء.

بليغ الذي ترك علامة بارزة في تاريخ الموسيقى العربية، ورحل في الـ 12 من سبتمبر (أيلول) 1993، أعادت دار الأوبرا المصرية إنعاش موسيقى الألفية الثالثة بإنتاج فيلم وثائقي عنه حمل عنوان “الطير المسافر”، كتبته الناقدة فايزة هنداوي وأخرجه وصوره حسين بكر، وأنتجه المركز القومي للسينما.

والملحن المصري الراحل مولود في حي شبرا الشهير بالعاصمة القاهرة عام 1931، وترك خلفه مئات الألحان وبصمات روائع لا تنسى لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ووردة وميادة الحناوي وعزيزة جلال وسميرة سعيد ونجاة وشادية وغيرهم من أبرز الأصوات العربية. أما الفيلم الوثائقي فتناول قصة حياة بليغ وأهم المحطات الفنية في حياته وعلاقته بأبرز المطربين والمشاهير العرب حتى رحيله عن عمر ناهز الـ 62 سنة.

مشكلات مؤثرة

تقول مؤلفة الفيلم فايزة هنداوي في حديثها لـ”اندبندنت عربية”، “كان من أهم أحلامي أن أقدم عملاً عن هذا العملاق الفني الذي ترك بصمة لم ولن تتشابه مع أي ملحن آخر في العالم، فهو من أهم الملحنين على مدار التاريخ وتميز بالثراء الفني والتنوع بين أنواع وجمل الموسيقى المختلفة، بخاصة أنه تأثر كثيراً بالألحان الفلكلورية الشعبية، وطبعت في وجدانه مع موهبته اتجاهاً جديداً نحو تحديث الموسيقى الشرقية من دون أن تفقد هويتها، فجمع بين الرقي في الألحان والشجن والبساطة والثراء والتميز في آن واحد، وهذا ما جعله يترك فارقاً كبيراً في ألحان أي مطرب مهما كان مؤثراً وكبيراً، فكانت ألحان بليغ تضع المطرب في إطار جديد يبهر الجمهور ويطرب الأسماع”.

هزيمة الظلم

تعود هنداوي إلى الوراء متحدثة عن أن مشكلات بليغ الشخصية أثرت في محبيه فحزنوا وتوحدوا مع آلامه، وكان كلما مر بمشكلة يتأثر جمهوره بسبب قلة إنتاجه الذي يقدمه، ومن هنا كان الجميع دائماً متعطشاً للمزيد من ألحانه.

وأشارت إلى أن بليغ ظلم كثيراً وتعرض لمشكلات عرقلت حياته المهنية مثل اتهامه في حادثة سميرة مليان – مطربة مغربية عُثر على جثتها ملقاة على مقربة من شرفة شقة حمدي عام 1984 – والذي أدى إلى سفره خارج مصر، وعند عودته كان مهزوماً، وتدهورت حالته الصحية والنفسية بشكل كبير جداً لعوامل كثيرة، موضحة أنها قررت أن يكون العمل متضمناً لهذه المشكلات لإلقاء الضوء على الأحداث التي لم يتعمق فيها أحد بدرجة كافية لكنها كانت شديدة الأثر في مسيرة الموسيقار الراحل.

وأكدت مؤلفة “الطير المسافر” أنها حصلت على معلومات خاصة غنية من عدد من المقربين من الموسيقار الراحل والتي جمعتهم ذكريات، والبعض الآخر ممن عاصروا أشخاصاً يعرفونه عن قرب ولديهم تفاصيل عن حياته الشخصية والفنية، كما عمقت البحث والتدقيق في ما يخص بليغ واستعانت ببعض أغراضه الشخصية لظهورها بالفيلم.

غزارة الألحان

لا يختلف اثنان على أن بليغ حمدي من أكثر الملحنين العرب إنتاجاً للأغنيات، وعلى رغم ظروف صعبة كثيرة مر بها لحن ما يقارب ثلاثة آلاف لحن، لكن الناقدة فايزة هنداوي تضيف “للأسف تم سرقة ألحانه من البعض محلياً وعالمياً”. وأكدت أن الملحن الراحل أسهم في اكتشاف عدد كبير جداً من المطربين وقدمهم في أفضل أعماله ليصبحوا نجوماً لامعين مثل علي الحجار وسميرة سعيد وعفاف راضي وميادة الحناوي ووردة الجزائرية، وإن كانت تجاربه مع عبدالحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم ومحمد رشدي ومحمد العزبي الأبرز في مشواره. ولا يمكن نسيان تجربته مع الأغاني الدينية مع الشيخ سيد النقشبندي.

ونبهت إلى أن موهبة بليغ المتفردة في الموسيقى منحته حاسة مهمة جداً وهي فهم صوت وإمكانات كل مطرب وتقديم أفضل لحن ممكن لطبقاته وإحساسه، وبالتالي ظهر كل صوت في أفضل حالة يمكن أن يطل بها في تاريخه الفني بواسطة موهبة وإحساس وألحان بليغ حمدي، ولهذا يجب أن تعرف عنه الأجيال الجديدة الكثير من المعلومات باعتباره من أهم الشخصيات في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة.

صديق العود

منذ صغره بدا بليغ حمدي شغوفاً بالموسيقى، وأتقن العزف على العود وهو في التاسعة من عمره، ثم في سن الـ 12 من عمره حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى إلا أن سنه الصغيرة حالت دون ذلك فالتحق بمدرسة شبرا الثانوية، في الوقت الذي كان يدرس فيه أصول الموسيقى في مدرسة عبدالحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، وتتلمذ على يد درويش الحريري وتعرف من خلاله إلى الموشحات العربية.

وأكمل دراسته الجامعية فالتحق بكلية الحقوق، وفي الوقت نفسه درس بشكل أكاديمي بمعهد فؤاد الأول للموسيقى وهو حالياً المعهد العالي للموسيقى العربية.

بدأ بليغ حياته كمغنٍ لكنه سرعان ما تحول إلى التلحين، وبرع في تقديم قوالب موسيقية جديدة في منتصف الخمسينيات، وغنت له أم كلثوم العديد من الأغنيات الشهيرة ومنها “حب إيه” و”سيرة الحب” و”أنساك” و”فات المعاد” و”بعيد عنك” و”ألف ليلة وليلة” وغيرها من الأغنيات.

تعرف إلى أم كلثوم من طريق الموسيقار محمد فوزي، ففي أحد الأيام اصطحب فوزي بليغ إلى أمسية في بيت الدكتور زكي سويدان أحد الأطباء المصريين المرموقين آنذاك وكانت كوكب الشرق من أهم المدعوين. قدم فوزي “بليغ” لأم كلثوم، وأكد لها أنه ملحن رائع، ثم طلب منه أن يغني لها من ألحانه، فغنى “حب إيه” ثم فوجئ بأم كلثوم تجلس على الأرض إلى جواره وسط ذهول الجميع، وطلبت منه أن يزورها في اليوم التالي، وعندما ذهب إليها طلبت أن تسمع الأغنية كاملة وقررت أن تغنيها في ديسمبر (كانون الأول) 1960، وحققت نجاحاً ملموساً.

في العام التالي وتحديداً في ديسمبر عام 1961 كان من المفترض أن يلحن محمد فوزي أغنية “أنساك” لأم كلثوم ومن كلمات مأمون الشناوي، لكن خلال زيارة بليغ إلى منزل فوزي الأب الروحي له قرأ كلمات الأغنية فأخذ العود وبدأ في بلورة لحن لها. عندما عاد فوزي من استقبال ضيوفه كان بليغ انتهى من تلحين الأغنية. اعتذر بليغ لفوزي عن تلحينه للأغنية، لكن الأخير استقبل الأمر برقي واتصل بأم كلثوم وأخبرها أن “بليغ لحن الأغنية أفضل مني”، وتنازل لبليغ عن اللحن على رغم أن التلحين لكوكب الشرق كانت إحدى أمنيات محمد فوزي ورحل من دون تحقيقها.

حليم ووردة

ربطت صداقة قوية جداً بين بليغ وعبدالحليم حافظ وأثمرت بدورها عن أعظم أغنيات العندليب المصري، ومنها “تخونوه” و”موعود” و”زي الهوا” و”حبيبتي من تكون” و”جانا الهوى”. وتزوج بليغ من المطربة الجزائرية وردة وعقدا القران عام 1972 بعد قصة حب، وقدم لها العديد من الأغاني البارزة في مشوارها الفني. وتعتبر وردة أكثر من لحن لها بليغ في مسيرته، ومن أبرز ألحانه لها “حكايتي مع الزمان” و”مالي وأنا مالي” و”احضنو الأيام” و”العيون السود”.

وتكرر الأمر مع الفنانة المصرية الراحلة شادية ولحن “قولوا لعين الشمس” و”أه يا سمراني اللون” و”يا حبيبتي يا مصر”. وقدم أغنيات مهمة لعزيزة جلال منها “مستنياك” و”حرمت الحب عليا”، و”حبيبي يا متغرب” لفايزة أحمد. أما صباح فتعاونت معه في الكثير من الأعمال من أبرزها “عاشقة وغلبانة” و”زي العسل” و”أمورتي الحلوة”.

وكان تعاون بليغ مع الفنانة السورية ميادة الحناوي من أهم الثنائيات في عالم الطرب فقدم لها نخبة من أنجح الأعمال باللهجة المصرية مثل “مش عوايدك” و”أنا الحب اللي كان” و”أنا بعشقك” ومما لحن لها أيضاً “فاتت سنة”.

وتعتبر سميرة سعيد من أبرز مطربات جيلها الذين غنوا من ألحان بليغ، وأول أغنية قدمها لها كانت أغنية “زي البحر حبيبي” عام 1978. وفي عام 1979 قدمت معه ألبومين.

مسرحيات ومسلسلات

لم تكن الأغاني وحدها هي بصمات بليغ حمدي فقط، بل اقتحم عالم الموسيقى التصويرية لكثير من الأعمال الفنية منها أفلام (إحنا بتوع الأتوبيس، وشيء من الخوف، وأبناء الصمت). ومن المسرحيات (ريا وسكينة، وزقاق المدق، وتمر حنه). ثم في المسلسلات (أفواه وأرانب).

وكان لحن مسلسل (بوابة الحلواني) هو آخر عمل لحنه في حياته، وهذا اللحن هو أكثر ما ساعد على نجاح المسلسل وسبب شهرته وشعبيته.

وداع مؤثر

على غرار مشواره الموسيقي لم تخل حياة بليغ حمدي من الأزمات وكانت أبرزها سقوط الفنانة المغربية الصاعدة آنذاك سميرة مليان على مقربة من شرفة منزله عام 1984. وما تردد حينها أنه ترك عدداً من الفنانين في منزله وذهب للنوم، ليتفاجأ بحادث سقوط مليان.

حصل بليغ حمدي على براءة لاحقاً في تلك القضية عام 1989 بعد أن أثيرت ضده خلال هذه الفترة الكثير من الاتهامات والإشاعات. غادر بليغ مصر إلا أن المرض نال منه كثيراً خلال فترة الغربة التي تنقل خلالها بين باريس ولندن وعواصم أخرى. وفي عام 1993 رحل بليغ أو مداح القمر متأثراً بمرض الكبد.