تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » خطوط عربية قديمة.. رصانة الشكل وجلال المعنى

خطوط عربية قديمة.. رصانة الشكل وجلال المعنى

خطوط عربية قديمة.. رصانة الشكل وجلال المعنى

 

نظراً للتطوّر الذي شهده فن الخط العربي، حدثت الكثير من التغيرات في مجاله خلال عصوره المختلفة، فلم تعد بعض أنواعه تحظَى بما تستحقه من انتشار نتيجة انعدام العناية والاهتمام بها، وقلّة المشتغلين على كتابتها، حتى صارت مع مرور الزمن طيّ النسيان، وهو ما ينذر بانتهاء الأنواع المنتشرة الآن إلى نفس المصير، بل قد يكون تهديداً لفن الخط العربي بشكل عام.
لبعث عدد من أهم الخطوط المهجورة وتسليط الضوء عليها، وعلى ما تفرع عنها من أساليب وتقنيات، ينظم ملتقى الشارقة للخط معرضاً خاصاً بعنوان «إحياء الخطوط»، وذلك في إطار مقاربة قضايا الخط العربي للكشف عن المميزات الجمالية والإمكانيات الفنية التي تتمتع بها هذه الأنواع، من أجل تقديمها في حلل جديدة تضعها في مكانتها اللائقة بين الخطوط الأخرى.

ألق قديم
ورغم أن الخطوط المهجورة لم تشكّل أسلوباً أو نوعاً مستقلاً بذاته، فإنها باتت مرجعاً تأسست عليه الأنواع المعروفة بالخطوط الحجازية (المكي والمدني)، التي تطوَّرت نتيجة استخدامها في كتابة المصاحف، وتلاها الخط الكوفي بأساليبه المتنوعة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، حيث عرفت بالخطوط الموزونة، وتشمل كل الخطوط المصحفية الكوفية التي ظهرت في القرون الأولى للهجرة، وسبقت تلك المنسوبة حسب قاعدة ابن مقلة، ومهدت الطريق لظهور الأقلام الستة المعروفة، وما ظهر بعدها من أنواع الخطوط القديمة، كالتعليق القديم، وخط المسلسل.
ويهدف المعرض إلى إعادة ربط التاريخ المجيد لأنواع الخط العربي، والبحث في جماليات بعضها، وإنتاجها في حلل جديدة تحتفي بألقها القديم في المخطوط العربي، وفتح باب الاستفادة أمام مصممي الجرافيك والمعماريين للتعرف إلى الخصائص الفنية لتلك الخطوط واستخداماتها.
ويقام المعرض في دار الندوة في ساحة الخط، بمشاركة 5 فنّانين، هم: أحمد فهد من مصر، وجاسم معراج من الكويت، وحسين فيض آبادي من إيران، وعمران البلوشي من الإمارات، وهيثم سلمو من سوريا.

الخط المملوكي
ظل الخط المملوكي على مدار أكثر من 5 قرون يحمل من القيم الجمالية والتشكيلية ما يثير إعجاب المتلقي العادي والمتخصص العربي وغير العربي، لما له من قيمة تراثية وبصرية مختلفة ومتميزة عن خط الثلث العثماني الذي تطور أكثر منه بكثير، لذا، كان التناول الفني والبصري المختلف للثلث المملوكي لأحمد فهد، ويقدم مجموعة متباينة من الأعمال ما بين التقليدي وما بين الجديد في كل عناصره أو ما هو تقليدي في الشكل، وحداثي في اللون والمعالجة البصرية، وتولّدت لديه فكرة العمل على هذه الحروف، واستخراج ما يشبه المشق التقليدي منها، ما ساعده في إنتاج أعمال تجمع تقليدية الشكل، وحداثة اللون الذي يأتي معبراً عن مضمون النص، حيث يكون بمنزلة الوسيط الوجداني الذي ينقل الإحساس بين المبدع والمتلقي، فكان العمل التقليدي من حيث الشكل (الرنك) المملوكي الشهير، وأيضاً من حيث اللون الأسود والتقليدي والمعبر عن رصانة الشكل وجلال المعنى، ومن أعماله التي يشارك بها في المعرض لوحتان، إحداهما بنص قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، والثانية بنص الدعاء «يا حيُّ يا قيُّوم».

خاصيّة
اهتم الكويتي جاسم معراج منذ العام 2016 بخطي الرقاع والتوقيع، فبذل فيهما جهداً من الدراسة والتدريب، والبحث في مصادرهما، فاقترب من أصولهما محاكياً حيناً، وباحثاً عن أسلوب مختلف أحياناً أخرى، فتراكمت لديه عدة تجارب ولوحات، كانت مدخلاً إلى عوالم هذين الخطين، فهو يرى أن خاصية غياب التقعيد الصارم والأصول المستقرة من أهم ما يمتاز به هذان الخطان، وقد منحه ذلك مساحة رحبة للارتجال واتباع سياقات مختلفة، دون التقيد بسلسلة منتظمة ومنطقية جامدة من الخطوات، فأفضت إلى تشابه النتائج إلى حد كبير، بسبب اتباع ذات الأُسس الصارمة عند كتابة العمل الفني، كما أن هذه الحرية في الارتجال والخروج على القوالب الجامدة ساعدته على كتابة سطور طويلة نسبياً في خطي الرقاع والتوقيع، ومن ثم تنوع مساحات الأعمال، وتعدد أفكار توزيع النص على تلك المساحات، كما يأتي حضور الذهب في غالبية لوحاته استمداداً من عبق الممارسات الفنية القديمة في المصاحف والمخطوطات، لما يرمز إليه من نورانية، وما يضفيه من رونق يتجلى بالضدية بين بريق الذهب وسواد الحبر، ومن أعماله التي يشارك بها في المعرض واحدة بعنوان «شهر التنزيل» والثانية «ويرضى لرضاه».

أسلوب
يشارك السوري هيثم سلمو في المعرض بعدة أعمال بخطي المحقق والريحاني، وتتضمن أعماله خطوطاً كلاسيكية على نهج السلف وتتجلّى الكلاسيكية في شكل أسطر متتالية، ككتابة بضع صفحات من القرآن الكريم، استخدم في غالبيتها الأسلوب المملوكي في ضبط ورسم الآيات القرآنية، لتظهر ما هو مثبت وما هو محذوف، كما كتب سورة «يس» بخط المحقق على مواد طبيعية، مُزَيِّناً إياها بزخرفة مملوكية تناسب عصر ازدهار وتطور هذا الخط.
كما نفذ بعض اللوحات بخط المحقق، ولكن بطريقة معاصرة، تعتمد على التركيب الفنّي، وفكرة التصميم المعماري والهندسي الذي يناسب مضمون العمل من حيث المعنى، موظفاً العامل المشترك بين الحروف وتولدها من بعضها البعض، من دون التأثير في التسلسل القرائي للنص، ومستخدماً الألوان وقلم الجلي المحقق لإظهار حركة سير القلم وتدرجه على الورق، وقد عمد في معظم أعماله إلى استخدام الزخرفة والتذهيب العثماني بالذهب الطبيعي، ليكونا مكملين للعمل الفني، مما يعطيه رونقاً وجمالاً وبهاء، دون أن تطغى ألوان الزخرفة على ماهية الحرف.

روح جديدة
يشتغل الإيراني حسين فيض آبادي في بعض أعماله على إعادة تقديم خط الشكستة – تعليق، بروح إبداعية جديدة، وهذا النمط من الخط هو أساس تشكيل خطي النستعليق والشكستة – تعليق، حيث كان التعليق يستخدم في الغالب لتدوين مراسيم وأوامر الملوك والحكام، ليكشف آبادي في أعماله عن أول خط تعليق في تاريخ الخط الإيراني، وفي 2024 نشر كتاب «تراسول» متضمنا 90 نموذجاً من خط التعليق، ووهو الآن يمارس البحث والتدريس في النماذج المذكورة، فهو يؤمن أن كل فنان يستطيع الوصول إلى وجهة نظره الشخصية بناء على خلفيته وتعليمه على مدار سنوات الممارسة، ويعتبر أن من الأهداف الرئيسية للفنّ خلق اللطف والسلام، فقد وجد في فن الخط مصدراً للحب والجمال، ونموذجاً للجهد اللامتناهي لاستكشاف غموض عوالم الفن، ومن أعماله التي يشارك بها في المعرض لوحتان، إحداهما بعنوان «كلمة التاريخ» والثانية «سورة الناس».

محاكاة

يتميز الفنان الإماراتي عمران البلوشي بشغفه بالخطوط العربية القديمة وتاريخها وتطورها، لاسيما خطوط المشرق العربي القديمة، كالخط الكوفي القديم، والكوفي المشرقي بأنواعه المميزة، ويسعى دائماً إلى تقديمها بأعمال تحاكي طابعها القديم في المخطوطات القديمة، وأخرى بقوالب جديدة وبحلة حديثة، ومن أعماله التي يشارك بها في المعرض لوحتان أولاهما الآية الكريمة {يُؤتِي الْحِكمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤتَ الْحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرا كَثِيرا}، والثانية الآيات من 85 إلى 87 من سورة الحجر.

ولد الفنان البلوشي سنة 1976م، وتعلم فنون الخط العربي من خلال الدورات الخاصة في جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، حيث تدرج خلالها في إتقان الخطوط الكلاسيكية كخط الثلث، الذي قدم به العديد من الأعمال الفنية، وقد شارك في معارض متنوعة، منها: معارض «حروف إماراتية»، في عدة دورات من ملتقى الشارقة للخط العربي.